23 ديسمبر، 2024 10:18 ص

قميصُ عثمان وبحرُ الدماء … أم شَعْرّةُ معاوية ؟

قميصُ عثمان وبحرُ الدماء … أم شَعْرّةُ معاوية ؟

في زمن تحولت فيه المدن الى ثكنات عسكرية والأحياء السكنية الى معسكرات لا يمكن الدخول إليها إلاّ من منفذ واحد فقُسمت بذلك المحافظات الى قواطع مسؤولية في ظل انعدام التواصل بين أحياء المدينة الواحدة إلاّ عبر الطُرق الرئيسة التي تكتظ بنقاط التفتيش الأمر الذي أرّق المواطن وأرهقه وخلق فجوة بين الشارع المدني والوحدات العسكرية وكذا الأمر على القطعات العسكرية التي باتت مكشوفة تتناوب على دوريات الحراسة مما انعكس سلباً على الروح القتالية لدى العسكر باتخاذهم وضعية الدفاع منتظرين الفعل لتتم المبادرة برد الفعل الأمر الذي يُتيح للمهاجم اختيار توقيت الهجوم ومكانه والسلاح الذي يستخدمه وإعداد خطة هجومه مستثمراً عامل المباغتة والإرهاق الذي تكابده القطعات العسكرية ، خاصة والبلد تعصف به ريح المنون من كل حدب وصوب والخطط الأمنية تتجسد بحظر التجوال تارةً وبتسيير العجلات المدنية بنظام الفردي والزوجي تارةً أخرى أو بتكثيف نقاط التفتيش وواقع الحال يشهد أن إستراتيجية الجماعات المسلحة لم تعتمد اسلوباً واحد بل تنوعت خططها وتغيرت بحسب المواقع والأهداف التي تستهدفها وآخرها ما حصل مع قائد الفرقة السابعة وبعض من هيئة ضباط الركن في صحراء محافظة الأنبار لتنطلق إثرها عملية عسكرية سُميت (ثأر القائد محمد) نسبة الى اللواء الركن محمد الكروي قائد الفرقة آنفة الذكر لملاحقة تنظيمات ( داعش ) في صحراء المنطقة الغربية التي تمتد بطول 400كم وبعرض 400كم ولا يخفى أن صحراء الأنبار تكاد تشكل ثُلث مساحة العراق الجغرافية إذن فالمهمة ليست سهلة الأمر الذي حدا بالعشائر في الرمادي وبشكل خاص التي لديها ثأرات مع القاعدة مثل عشائر البو محل والجغايفة والبو ريشة بأن تُعلن تضامنها مع الحملة العسكرية ومؤازرتها والمضي مع هذا التوجه يداً بيد .
وتزامن مع هذه الصولة التي تستهدف الإرهاب الكثير من الوقفات التضامنية كموقف نقابة الصحفيين في بغداد والناصرية وغيرها وقد عرضت الفضائيات لقطعات لضربات جوية وجثث لبعض القتلى يُقدر عددهم 11 قتيلاً وبعض الآليات المُحترقة مع الأسلحة والأعتدة وبضمنها ملابس عسكرية الأمر الذي يُدلل على استخدام الإرهاب لملابس عسكرية وبعد بضعة أيام من بدأ الحملة إقتصر الأمر على الجهد الجوي والطيران السمتي في ظل إنتشار عسكري مكثف في الرمادي مع التأكيد على فض الإعتصام الذي أطفئ شمعته الأولى قبل بضعة أيام دون أن يتحقق أي شيء من المطالب التي وصفت قسمٌ منها بالمشروعة مع تعرض المعتصمين الى نيرانٍ أودت بحياة رياض الهزيماوي وجرح ثلاث من المتواجدين في ساحة اعتصام الرمادي التي سُميت منذ نشأتها (ساحة العزة والكرامة) وفوجئنا في اليوم التالي بالهجوم على بيت النائب عن القائمة العراقية أحمد العلواني ومصرع شقيقه علي وبعضٌ من أفراد حمايته وعرض صور الإعتقال المُهينة الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة ؟
1. لماذا الأنبار ولماذا ساحة الإعتصام خاصةً وقد نصت المادة 19 من الدستور العراقي وتلتها المادة  من قانون العقوبات العراقي على مبدأ مهم جداً وهو : ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص )  ثم تلتها المادة 37 /ثانياً من الدستور العراقي ذكرت صراحة على إنه : ( تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني ) فالمتظاهرون عندما يحاولون إيصال صوتهم وبصورة سلمية إنما يعبرون عن أفكارهم السياسية ثم جاءت المادة 38 من الدستور التي وضعت التزام صريح على الدولة ممثلة بأجهزتها الأمنية كافة , ألا وهو واجب حماية المتظاهرين وعدم منعهم وتوفير الأجواء المناسبة لهم للتعبير عن آرائهم , إذ نصت على ( تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل أما الفقرة ثانياً من نفس المادة 38 من الدستور على ونصت على ( حرية الاجتماع والتظاهر السلمي ) ونختم بالمادة 42 من الدستور التي نصت على مبدأ مهم آخر وهو ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة ) .
2. لماذا تم إختيار هذا التوقيت تحديداً لفض الإعتصام في الوقت الذي ترنوا العيون صوب الصحراء الغربية وقتال داعش .
3. لماذا إعتقال النائب العلواني الذي إنحاز لأهله ومعاناتهم خاصةً أنه يمتلك الحصانة وفقاً للدستور واستناداً إلى  المادة 63

ثانياً :ـ أـ يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن  ذلك.
 ب ـ لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.
ج ـ لا يجوز إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، أو إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.
رُب قائلٍ يقول أنه ضُبط متلبساً بالجُرم المشهود في جناية وهي مقتل أعضاء القوة المداهمة !؟ نقول في متابعتنا لتصريحي قائد القوات البرية في نفس يوم الحادثة قال في التصريح الأول أن المطلوب للقضاء هو عليّ العلواني الذي عرضت الفضائيات صورة لبسطال أحد أفراد القوة المداهمة على رأسه بعد قتله أو إعدامه في مشهدٍ يجسد امتهان كرامة الإنسان العراقي حتى بعد موته ، ما يعنينا هو نص تصريح قائد القوات البرية أن أحمد العلواني لم يكن مقصود ولكنه فتح النار على القوة المهاجمة فتم ضبطه بالجرم المشهود الذي يرفع عنه الحصانة ، ولكن في ذات اليوم كان هناك تصريح آخر لقائد القوات البرية قال فيه أن علي العلواني وأحمد العلواني كلاهما عليهما مذكرة بالقبض  وبالنظر لإختلاط الأوراق في العراق وقتامة المشهد ألا نتأسى بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) : مَن قتل دون أرضه أو عرضه أو ماله فهو شهيد .
4. الأمر الذي يفتح باب السؤال أن كان العلواني مطلوب للقضاء ألم يكُن في العاصمة بغداد لماذا لم يتم إلقاء القبض عليه هناك ? خاصة إذا ما علمنا أن المداهمة بدأت في الساعة الرابعة ليلاً مصحوبةً بإطلاق نيران كثيف ولنا أن نتخيل الموقف إذا علمنا أن القوة الداهمة تكونت من ثلاثة ألوية فكيف سيتسنى للعلواني وحمايته معرفة الجهة المنفذة هل إن كانت داعش التي تُكّفر الجيش والشرطة فكيف الحال بأعضاء البرلمان وكنا قد أشرنا أن الملابس العسكرية تمتلكها حتى الجماعات الإرهابية والتكفيرية فضلا ً عن أن المادة (17) الدستور
ثانياً :ـ حرمة المساكن مصونةٌ، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرارٍ قضائي، ووفقاً للقانون.
ونصت المادة (19)
 خامساً :ـ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمةٍ قانونيةٍ عادلةٍ، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرةً أخرى بعد الإفراج، عنه إلا إذا ظهرت أدلةٌ جديدة.
سادساً :ـ لكل فردٍ الحق في أن يعامل معاملةً عادلةً في الإجراءات القضائية والإدارية.
  أما المادة (29):
 أولاً :ـ  أـ الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية.
المادة (37):
 أولاً :ـ أ ـ حرية الإنسان وكرامته مصونةٌ.
ب ـ لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي.
ج ـ يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون.
ثانياً :ـ تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني.
5. السؤال الآن إن كان هذا الحال مع عضو برلمان ولدورتين متتابعتين فما بالك بالمواطن الذي لا حول له ولا قوة فكل ما عليه أن يُسّلم رقبته وبمجرد شكواه من ألم نحر سكّين الجلاد سيتم وصمه بالإرهاب وهذا ما يُذكرنا بحال أهل العراق في العام 656هـ أيام احتلال هولاكو لبغداد ؟
6. من جملة الأسئلة التي يُثيرها الشارع السُنّي هل أن كتلة متحدون للإصلاح غدرت بالنائب العلواني وباعته أو تاجرت به كما تاجرت بدماء الحويجة من قبل خاصة إذا ما علمنا أن العلواني هجر متحدون والتحق بـ(كتلة الكرامة) ولعل الموقف الهزيل الذي جسده نواب محافظة الأنبار البالغ عددهم 14 نائب وباقي أعضاء البرلمان يُدلل على هذا الأمر وستشهد الأيام المقبلة تعليق للعضوية أو استقالات خجولة فما من باكية على الحسين (عليه السلام) بل الكل يبكي على الهريسة والجميع في البرلمان يخشى تقديم استقالته خشية ذهاب منصبه وامتيازاته والتخوف من أن يشغل منصبه زميله في القائمة العراقية التي تعّود الشارع العربي السُنّي مواقف الخذلان منها ، أما بخصوص لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي أوعز بتشكيلها رئيس البرلمان فقد تعلم أهل العراق أن الأمر إذا أردت تسويفه وإدراجه طي النسيان فما عليك إلا بتشكيل لجنة ولله الحمد الآف اللجان شُكّلت ولكنها لم تتمخض عن شيء كما يقول المثل الشعبي (خَضّ ارحَيلة ) التي تخض الشكوة وزبد ماكو !!!؟؟؟ والكل يعلم أن موقف البرلمان هذا صدر بعد أن أحرجهم موقف السيد مقتدى الصدر الذي تكلم عن معاناة السّنة والحيف الذي لحق بهم من المليشيات الحكومية بعد أن ألُجمت أفواه أدعياء ممثلي السّنة في الحكومة المركزية والبرلمان والحكومات المحلية .
7. هل كان العلواني يُمثل صوت الشارع العربي الهادر عامة ومن خلال منابر اهل السنة خاصة فكانت الحادثة هي بالون إختبار لجس ردة الفعل سواءً على الصعيد السياسي أم على الصعيد الإجتماعي والعمق العشائري والإمتداد المذهبي وبعدها تسري الحكمة القائلة (اُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض ) والجميع يعلم أن العرب السُنة هم خط الدفاع الأول عن إخوانهم العرب الشيعة وإخوانهم الكورد فإذا ما تهاوى هذا السد المنيع سيكون الأكراد عُرضةً لحربٍ قومية الحكومة المركزية وقطعاتها المسلحة من جهة والشعب الكردي من جهة ثانية ثم سيتم استهداف العرب الشيعة فمختصر القول ضرب السُنة بالشيعة ومن ثم ضرب الكورد بالعرب وبعدها ضرب النوع بجنسه أي ضرب الشيعة بالشيعة والسُنة بالسنة لتصفو الساحة والمشهد العراقي للمتربصين بالعراق عودته كضيعة تابعة لهم  ؟؟؟
8. إن المتتبع لتسارع الأحداث يُدرك أن عشائر الأنبار في موقف لا تُحسدُ عليه فقد أصبحت بين مطرقة (القطعات الأمنية) وسندان (داعش) ومعلوم كما يقول المثل (أن الحجارة لا تكسرها إلا أختها) (والشجرة لا يقطعها إلا القُدّوم المصنوع مقبضه من فرعها) في ظل الحصار الذي جعل من سعر اسطوانة الغاز تُباع بسعر 50 ألف دينار أي بثمانية أضعاف سعرها فإذا مَرّ الأمر بسلام فستدور الدوائر من بعدها على نينوى وديالى وصلاح الدين و… لذا ستجد العشائر نفسها مضطرة إلى الإنحياز بل والإنضواء لداعش أمام آلة القتل الحكومي التي لم ترعى إلا ً ولا ذمة في دماء مواطنيها خاصة وقد أعلنت المساجد والجوامع بالجهاد وحق الدفاع عن النفس أمام تلك الحشود الزاحفة من كل حدبٍ وصوب والغاية الرئيسية هي جر الشيعة لقتال إخوانهم السُنة في معركة طائفية لا ناقة لهم بها ولا جمل ولإعادة العراق إلى المربع الطائفي الأول وهذا جزءٌ من الترويج للدعاية الإنتخابية المقبلة التي إتّشحت وتجلببت برداء الموت وأصبغت بلون الدم  وخلق إنطباع لدى الشيعة أن السُنّة أعداؤكم والعكس صحيح.
في العراق سئمنا لون الدم وكرهنا رائحة الموت التي تزكم الأنوف ولكن ما يُحز في النفس أن نقرأ بعض الآراء التي تُذكي العنف الطائفي وتؤجج له وساءنا ما قرئنا من البعض وهو يقول (اقتلوا السُنّة في محافظاتهم فإن لم تستطيعوا ففي محافظاتكم ) الأمر الذي يُعزز التطرف الذي نبرأ إلى الله منه ومن كل قطرة دم تُراق فالدم يعشق الدم ويا تُرى من سيدفع فاتورة الدماء التي أريقت وستُراق ؟ ومن سيدفع حساب الأنفس والأرواح التي أزهقت وستُزهق؟ وأي شيء سيطفئ لظى قلوب الأمهات الثكالى ؟ وأي شيء سيسكن أنين النساء الآيامى ؟ وأي شيء سيواسي عبرات الأطفال اليتامى ؟
لو تدبرنا التأريخ لأدركنا أن الثأر لابد وأن يُدرك ولو بعد حين فصراع الأوس والخرج امتد لمئات السنين والدماء تجري حتى هيئ الله محمد سيد الأولين والآخرين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ليكون سبباً في حقن الدماء ووئد فتنةٍ ما كان لها أن تنتهي لولا فضل الله ورحمته . والى حرب البسوس التي نشبت بسبب جمل أجرب استمر لظاها 40 سنة والدماء تسفك … وهنا يحضرني موقف ابن جرموز حين قدم الى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه يبشره بقتله لحواري رسول الله الزبير ابن العوام (ابن عمة رسول الله) وأم المؤمنين خديجة الكبرى(رضي الله عنها وأرضاها) عمته فقال بشّروا ابن جرموز بنار جهنم فقد سمعت رسول الله يقول : بشروا قاتل ابن صفية (بنت عبد المطلب) بنار جهنم .
وأود أن أذكّر أنه ما من قبيلة أو عشيرة عراقية إلا وقد إنقسمت إلى نصفين من شيعة وسُنّة وعشيرة البو علوان جذورها في الرمادي وأغصانها في بابل (الحلة) وباقي مدن العراق  وهكذا هو حال بقية القبائل والعشائر بما فيها قبائل وعشائر السادة الحسنة والحسينية العلوية الشريفة  أو…فكيف يهنئ قاتلٌ بفعلته ومن سيدفع الثأر لعوائل قوافل الشهداء من كُل العراق وهل يكفي هذا القرن بأكمله لسداد الدَين من الأرواح والمهج أم سيمتد الثأر الى أحفاد الأحفاد فنار الثأر تخبو ولكن لا تنطفئ ، فنقول لمن يسعى جاهدا لصب الزيت على النار إعلم أن من سيدفع فاتورة الدماء قد تكون أنت أو أخوك أو ابنك أو حفيدك أو حتى (كاتب هذه الكلمات) لا لذنب اقترفته ولكن إذا علا صوت الثأر تلاشى صوت العقل والحكمة والإعتدال وقد قال أسلافنا ( يردس حيل الما شايفهة …..) الله الله في دماء أهل العراق فالحكومات تفنى والشعوب تبقى والحليم من إتعظ بغيره والشقي من إتعظ بنفسه ؟؟؟؟؟
اللهم إحقن دماء أهل العراق
رباه حَوِل هذه المِحن إلى منح
اللهم لُمّ شعثنا ووحد صفنا وكلمتنا
اللهم اجعل النار برداً وسلاما على العراق