كان بطيخ أصفهان مضرب المثل في حلاوته ونسبة السكر العالية فيه ، وذات النسبة يعكسها على وجوه نساء اصفهان فتحمل حواء ذلك المكان المقارنة الوحيدة في هذه الارض التي يتم فيها التشبه بين طعم البطيخ ووجوه النساء وربما الرحالة الطنجاوي أنتبه الى هذا وكتبه في تفاصيل رحلته الاسطورية ( تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار )
اليوم أنا في أصفهان ابحث في مرايا الوجوه التي تلون البازار الكبير في المدينة بشهية صباحات أتت من أطياف نيسبور حيث حَسُبَ الخيام الكأس رمشا والرمش قطرة شهد الرمان بين الشفتين ، وفي الزحمة اسأل عن شاعرة تكتب بمهارة ساحرة لتجمع بين شهية نار زرادشت والمطر الهاطل بعذوبة فتنة جواري الشاه القاجاري.
أتت ، قبل هذا التأمل كنت اقرأ كلمات تلمع في حد العطر يوم يتحول فوق أجساد الورد الى خناجر ، وكانت لا تعطي وجهها في فضاء الماسنجر ، لكن مقاطعها الشعرية تمنحكَ قدرا من تخيل واحدة من اجمل شهرزادات هذا العالم.
قلت وقد صار يغري المكان كل شيء فيها : أصفهانية وتكتبين بعربية شاعرية يحسدكِ عليها حتى اودنيس والحلاج وكافافيس .؟!
قالت : اعيش في اصفهان أما ولادتي واهلي ومدرستي الاولى ، هناك في الأهواز .
قلت :وتعلمت العربية قبل الفارسية .؟
قالت :معا ، واحدة في العلن والثانية في السر.
قلت :كيف .؟
قالت : أبي يقول ما ينطق فيه القلب سيكون الاقرب بما تنطق فيه الاصابع ، وأنا منذ المهد انطق ما تنطق به امي بالرغم من اني اكملت الجامعة باللغة الفارسية .
ــ إذن أنت قمر للأهواز وليس أصفان .؟
قالت : أحب أن أكون كليهما .
مع ضوء أجفان فاطمة يختبئ الزمن ويبيح بشيء من ذكرى قديمة هناك في قرية جالسة على ارائك الماء والقصب وهي تحتفي ببراءة الوجود في ازمنته الاولى عندما كنا ندون بأجفاننا واقلامنا تفاصيل الحياة هنا عندما اخبرنا شغاتي أنه سيأخذ أجازة لسبعة ايام للسفر.
قلنا :ولكنه ليس موسم لزيارة الاضرحة الدينية.؟
قال : اريد أن ارافق جارنا عويد فشاخ لنذهب مدينة الاهواز لنجلب خطيبة ابنته من اهلها .
قلت : تهريب يعني .؟
قال : نعم .
قلت : وكيف تعرفتم عليهم والحرب اكلت نصف اراضي الاهواز.؟
قال : ابنه نعيس تعرف على اهل البنت يوم دخل الجيش الى الخفاجية ويبدو ان ثمة نسب عشائري بعيد بين اهل نعيس واهل خطيبته التي اسمها قمر فكان النصيب .
قلت :قمر الاهواز لابد انها جميلة مثل القمر.؟
قال :الله اعلم ولكن ليس كل اسم على مسمى.
قلت : كيف يذهب نعيس عبر الاهوار وهو لم يزل جنديا ربما عندما يمسكوه سيعدمونه لانهم سيعتبرون هروبا الى اراضي العدو.؟
قال :نعيس التحق بوحدته وهو سيتزوج عندما نخبره برجوعنا فيحصل على اجازة زواج.
قلت :ونحن في انتظار قمر الاهواز.
سافر شغاتي ووالد نعيس عبر هور الحويزة بالرغم من خطورة الامر ، لكن معدان من اهل العزير يعرفون طرق لم يمسكها الجيش واستطاعوا الوصول ثم العودة بقمر .
قبل ثلاثة ايام من وصولها استعجل نعيس الرجوع الى قريته ولكن ليس ليستقبل خطيبته قمر ، بل عاد نعشا عندما دفع القدر الى خاصرته رصاصة قناص واردته قتيلا .
فعملوا الفاتحة وانتهت في ذات اليوم الذي وصلت فيها قمر مع شغاتي وابو العريس.
كان موقفا يمزق القلب ولكنه في ذات الوقت كان موقفا شجاعا من والدة نعيس المفجوعة التي استقبلت الشختورة التي تحمل العروسة بالزغاريد.
عاشت قمر التي كانت حقا قمرا اهوازيا مثيرٌ بالدهشة ، عاشت عند اهل نعيس عروسة لابنه بالرغم من انه لم يدخل عليها وانتظرت لسنوات وبصبر ولهفه اخية الصغير فرهود ليكبر ثم تزوجته.
وانا اجلس أمام فاطمة في ليل اصفهان حيث المطر يطرق على نافذة المقهى بموسيقى نظرته الفاتنة اجمع الذكرى بما اسمع من فمها اللؤلؤ وهو يقرأ قصائده بحماس انثوي فيجتمع لدي في سماء الذكرى قمران ، قمر الاهواز وقمر اصفهان.!
