18 ديسمبر، 2024 4:15 م

قمة هانوفر…هل رسمت الخطوط العريضة للعلاقات الأوروبية مع اقطاب العالم !؟

قمة هانوفر…هل رسمت الخطوط العريضة للعلاقات الأوروبية مع اقطاب العالم !؟

من غير الواضح إلى الآن إنْ كانت قمة القادة الخمسة في مدينة هانوفر الألمانية  التي عقدها الرئيس الأميركي باراك أوباما، والذي قام بإحدى زياراته الأخيرة الى أوروبا قبل انتهاء ولايته، والذي جمعته مع المستشارة أنغيلا ميركل ورئيسي الوزراء البريطاني والإيطالي ديفيد كاميرون وماتيو رينزي والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في هانوفر “شمال ألمانيا” قد أسست لوثيقة تفاهم بين الأمريكيين والأوروبيين للتخندق بخندق واحد ضد الروس ،ولا يعلم للأن  انْ كانت هذه القمة ستنجح في إيجاد حلول مقبولة بخصوص وقف القتال والمعارك والسير بوثيقة سلام بين الحكومة الأوكرانية والمعارضين لها في إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي أوكرانيا، البعض يعوّل الآن على المجهود الألماني الذي تبنّى هذا الطرح منذ البداية، وبدا بالفعل الجهد الألماني سريعاً، فقد بدأت ميركل اتصالات فعلية منذ مطلع العام الحالي وبالتنسيق مع الروس مع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن لوضع أطر عامة لخطة سلام في شرق أوكرانيا تضمن وقف القتال بدونتيسك ولوغانسك والوصول الى حلول سلمية لإيقاف الصراع والتوتر في الشرق الأوكراني، والذي أفرز بدوره حالة غير مسبوقة من التصعيد منذ تسعينات القرن الماضي بين الشرق والغرب، وتحديداً بين واشنطن وموسكو.

هنا وفي هذه المرحلة بالتحديد، لا يمكن لأيّ متابع ان ينكر مدى وحجم الخلاف الدائر حول أوكرانيا، وخصوصاً بين واشنطن وموسكو، بعض المتابعين يدركون جيداً انه في هذه المرحلة تحديداً فإنّ كلا الدولتين الروسية والأميركية تعيشان الآن في حالة حرب سياسية ساخنة جداً قد تتطوّر مستقبلاً إلى صدام عسكري غير مباشر، وعلى الأغلب سيكون مسرح هذا التصادم العسكري هو الأراضي الشرق أوكرانية الانفصالية وتحديداً من مدينتي دونيتسك ولوغانسك او شؤاطئ شرق المتوسط ، وما يعزز هذا الطرح ما دار من حجم خلاف على هامش قمة العشرين في العام قبل الماضي، فبعد قمة ساخنة جداً عاشتها مدينة بريزبين الاسترالية، بدا واضحاً مدى اتساع رقعة الخلاف بين موسكو من جهة، وواشنطن وحلفائها الغرب أوروبيين من جهة أخرى حول الملف الأوكراني تحديداً، وقد بلغت ذروة هذه الخلافات المتصاعدة، حينما صدّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر كانون الأول من العام قبل الماضي “2014”على الصيغة الجديدة للعقيدة العسكرية الروسية والتي تعتبر حشد القدرات العسكرية للناتو من أهمّ الأخطار الخارجية، مع انّ قيادة حلف الناتو بعثت رسالة فورية إلى موسكو قالت فيها انّ موسكو ليست هدفاً مستقبلياً للحلف. 

الواضح إلى الآن انّ حجم الجهد الألماني  والغرب أوروبي والمستمرّ منذ شهور، قد أصابه بعض الانتكاسات في الفترة الماضية، فموسكو وضعت مجموعة خطوط  حمراء للأوروبيين لاتقبل أبدآ بالمساس بها بأي جهد أوروبي يسعى لوضع حد للأزمة في أوكرانيا  فموسكو تخشى من عواقب وخطورة خسارتها لورقة قوة تملكها لصالح الغرب وهي أوكرانيا، فاليوم هناك تأكيدات تصدر من موسكو على استعداد روسي لعملية عسكرية مفاجئة داخل أوكرانيا في ايّ وقت تقدم فيه القوات الأوكرانية مدعومة بقوة غربياً باقتحام مدينتي دونيتسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا واللتين تقعان تحت سيطرة معارضين للحكومة الأوكرانية، وبنفس الوقت هناك تأكيدات من قبل قادة «الناتو» على عدم السماح لروسيا باحتلال ايّ جزء من أوكرانيا «وفق تعبيرهم»، وهذا ما أكده هولاند وكاميرون، كما أكده أوباما، فقد قدّم الرئيس الأميركي اخيرآ  ضمانات للرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو على انّ الغرب لن يسمح للروس باستباحة ارض أوكرانيا على حسب تعبيره، ولو كان الثمن لذلك هو الدخول في حرب مفتوحة وشاملة مع الروس.

الأوروبيين بدورهم يعون كلّ هذه الحقائق، ويعرفون انّ الوصول الى مسار تفاهمات في قمة هانوفر  بين الأطراف المتصارعة في الشرق الأوكراني، تحتاج الى تفاهمات بين الأطراف الدولية لتطبيق فعلي لمسار هذه التفاهمات على الأرض، فالروس لا يمكن ان يتنازلوا عن ورقة الشرق الأوكراني لصالح الغرب، والغرب وتحديداً حلف «واشطن «، لا يمكن بهذه المرحلة ان يتراجع عن هدفه الرامي إلى إخضاع الروس، فالأوروبيين يدركون انّ الروس يواجهون مشروعاً غربياً الهدف منه تقويض الجهود الروسية في الوصول الى مراكز قوى جديدة لدفع الروس الى الانكفاء الى الداخل الروسي، كما يدرك الألمان تحديدآ انّ واشنطن قد رمت بالفترة الأخيرة بكلّ ثقلها السياسي والاقتصادي في محاولة لتقويض الجهود الروسية في التوسع في تحالفاتها واتساع مراكز القوة ونفوذها الدولي شرقاً وشمالاً. 

مجموع هذه التعقيدات تدفع بعض المتابعين إلى القول إنهم لا يعوّلون على الجهد الأوروبي  الساعي إلى بناء وثيقة تفاهم دولية قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وهنا يمكن ان يطرح البعض بعض التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، انّ الألمان تحديدآ يدركون ويعون حجم التعقيدات الدولية وحجم الصراعات بين موسكو وواشنطن بخصوص الملف الأوكراني تحديداً فلماذا يقومون بمحاولات غير بناءة وعنوانها الفشل على الأغلب لتقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن اللتين تعيشان الآن على ايقاع حرب باردة جديدة، قد تتطوّر مستقبلا لصدام عسكري؟ فما الهدف من كلّ هذا الجهد الالماني؟:

للإجابة على السؤال أعلاه، سنعود الى الماضي القريب ونبحث فيه عن بعض المعلومات التي ستعطينا بعض الإجابات عن الأهداف المستقبلية للمسعى الألماني، ففي مطلع العام قبل  الماضي 2014″ وفي قمة الخلاف الروسي الأميركي حول أوكرانيا اجرت مؤسسة «كوربرا» دراسة حول مواقف الألمان تجاه السياسة الخارجية الألمانية، وكان عنوان سؤال الاستطلاع للمشاركين: «مع اي بلد ينبغي ان تتعاون المانيا في المستقبل؟» وحينها جاءت نتائج الدراسة صادمة للنظام الألماني تحديداً فقد جاءت النتيجة شبه متساوية بين الشرق والغرب، حيث اختار ما يقارب 46 في المئة الولايات المتحدة، بينما اختار 43 في المئة روسيا»، وفي العام نفسه أيضا أجرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية استطلاعاً مشابهاً لاستطلاع «كوربرا» وقد سئل الألمان حينها «عن موقفهم من النظام الأميركي وعلاقة المانيا بأميركا»، وحينها قال 57 في المئة من الألمان بأنّ بلادهم ينبغي ان تصبح أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، الواضح من خلال نتائج هذه الاستطلاعات لآراء الشعب الألماني، مع أنها قد لا تكون مؤشراً ثابتاً، انّ هناك انقساماً في الداخل الألماني حول موقف المانيا من صراع موسكو واشنطن. 

وفي العام 2015، تصاعدت ايضاً حملة الخلافات الاعلامية والأمنية بين برلين وواشنطن، وخصوصاً بعد خيبة أمل الشعب والنظام الالمانيين من الأميركيين بسبب أنشطة المراقبة المستمرة التي فضحت السياسة الاستخبارية التي تستهدف وتراقب انشطة الداخل الالماني، وخصوصاً بعد فضيحة تنصّت وكالة الأمن القومي الأميركية على الهاتف المحمول لميركل، هذه الظروف بمجموعها دفعت برلين في الفترة الأخيرة إلى الحذر في تعاملها مع واشنطن، وقابل هذا الحذر مزيد من الانفتاح على موسكو، رغم التصريحات الحادّة التي تنطلق من برلين أحيانا اتجاه موسكو، ولكن من الواضح لجميع المتابعين في الفترة الأخيرة حجم الانفتاح الشعبي والسياسي الألماني على موسكو. 

هذه العوامل بمجملها وبكلّ تداعياتها قد تكون أعطتنا بعض الإجابات عن حقيقة المسعى الألماني – الأوروبي الهادف الى إيجاد نقاط التقاء بين الأطراف الدولية بخصوص الصراع في شرق أوكرانيا تحديدآ ومعظم ملفات العالم وجزء منها الحرب التي تدار على سورية وقضية اللاجئين السوريين وغيرهم في أوروبا، فبرلين عملت بجهد بالفترة الأخيرة وما زالت تعمل لتحقيق هدفها هذا، ولكن لن تعمل طويلاً بهذا الاتجاه، فهي الآن تقوم بعمل بالونات اختبار لنوايا الأطراف الدولية المتصارعة، لتحديد موقفها المستقبلي من كلّ ما يجري من صراعات دولية، وانْ كانت بالفعل ستبقى إلى الأبد بخندق واشنطن، أما أنها ستقرّر وتحت ضغوط شعبية التوجه الى الشرق وتحديداً الى موسكو أو بناء قطب عالمي جديد تكون ركيزته دول أوروبا الغربية .

ختاماً، انّ الموقع الجغرافي لأوروبا يحتم عليها في أحيان كثيرة ان تكون مسرحاً، لصراعات دولية ومسرحاً آخر لحلّ هذه الصراعات رغم حجم الضرر الكبير الذي لحق بها  ، ومثل هذه الجملة كان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر يكرّرها بشكل دائم، فقد تيقّن الأوروبيين منذ أمد انّ موقعهم الجغرافي، ومبادئهم ومواقفهم ستكون دائماً عرضه للتساؤل، ولهذا هم اليوم قرّروا ان يخوضوا صراعاً جديداً يبدأ بمحاولة بناء مسار تفاوضي بين القوى الدولية المتصارعة بمحاولة لتسوية الأزمات الدولية العالقة في ما بينها، وانْ فشلت” القارة العجوز” في بناء هذا المسار التفاوضي، فهي على الأغلب ستذهب بقرارات جريئة نحو موسكو أو نحو تشكيل قطب عالمي جديد، وهذا ما قد يصدم حلفائها في واشنطن ، وهذا ما لا يريده الأمريكيين في هذه المرحلة تحديداً، ولكن أوروبا “العجوز “لن تحتمل طويلاً وهي الآن في صدد تحليل ما جاءها من معلومات من خلال بالونات اختباراتها التي طرحتها في الفترة الأخيرة لمعرفة نوايا الاطراف الدولية المتصارعة، فهل سنسمع قريباً عن قرارات جريئة لأوروبا “القارة العجوز “تعلن من خلالها الخروج من تحت عباءة واشنطن لتستلقي بكلّ ثقلها ومكانتها الدولية تحت عباءة قوة عالمية جديدة ؟ من هنا سننتظر الاشهر المقبلة لتعطينا إجابات واضحة عن كلّ هذه التكهنات والتساؤلات، فالآتي من الأيام يحمل في طياته الكثير من المتغيّرات في المواقف الدولية، وفي جملة مشاهد الصراع الدولي حول موازين القوى الدولية، وشكل العالم الجديد. [email protected]