عُقدت القمة العربية الرابعة والثلاثون في العاصمة العراقية بغداد يوم السبت، 17 مايو 2025، في ظل ظروف إقليمية حساسة ،بالإضافة إلى تصاعد التحديات الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول العربية. ورغم الأهمية الرمزية لانعقاد القمة على أرض العراق بعد سنوات من العزلة السياسية، فإن الأداء العام لها أثار تساؤلات جادة بشأن فاعلية النظام الإقليمي العربي، وقدرته على إنتاج مواقف موحدة ومؤثرة.
غياب الإرادة السياسية الجماعية
اتسمت القمة بمواقف عامة ومكررة دون إحراز أي تقدم فعلي في ملفات الصراع العربي-الإسرائيلي، أو الوضع في سوريا واليمن ولبنان. غابت الخطط التنفيذية الواضحة، في حين اكتفت البيانات الختامية بصياغات تقليدية تعكس ضعفًا في التنسيق العربي الجماعي، واستمرار الشلل البنيوي في آليات العمل العربي المشترك.
ضعف التمثيل القيادة
لم يحضر القمة سوى ثمانية رؤساء دول فقط، في حين أوفدت بقية الدول ممثلين على مستوى الوزراء أو نواب الرؤساء. هذا التمثيل الضعيف يعكس عدم اكتراث فعلي بالمخرجات، وهو مؤشر على غياب الثقة في جدوى القمة، وقدرتها على التأثير في صنع القرار الإقليمي والدولي.
تناقض المواقف حول سوريا
رغم دعوة النظام السوري رسميًا للمشاركة، لم تناقش القمة مستقبل سوريا بوضوح، سواء فيما يخص إعادة الإعمار أو العقوبات المفروضة أو العلاقات مع المعارضة. هذا الغموض يعكس استمرار الانقسام العربي حول الموقف من النظام السوري.
استغلال سياسي داخلي
لوحظ أن الحكومة العراقية حاولت توظيف القمة لأغراض سياسية داخلية قبيل الانتخابات المحلية، مما أثار انقسامات بين مكونات السلطة، لا سيما داخل “الإطار التنسيقي”. هذا التسييس المحدود للأحداث الإقليمية أضعف من مكانة العراق كمضيف محايد، وأثار تساؤلات حول توقيت القمة ودوافعها
الإنفاق المفرط مقابل تراجع الخدمات
أعلن العراق عن مبادرات دعم مالي لبعض الدول العربية، من بينها تقديم مساعدات إلى لبنان وفلسطين لكل منهم 20 مليون دولار. فإن هذا التوجه أثار جدلًا داخليًا واسعًا في العراق، لا سيما في ظل العجز عن معالجة أزماته المزمنة، مثل ضعف البنية التحتية، تدهور الخدمات الصحية والتعليمية، وأزمة الرواتب في بعض المحافظات.
وقد اعتُبر التبرع خطوة تفتقر إلى التخطيط الاقتصادي والتقييم الاستراتيجي، خاصة في غياب آلية شفافة تضمن أن تصل هذه المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين. كما أشار عدد من المراقبين إلى أن الحكومة العراقية لم تستند إلى مشروعية برلمانية واضحة في تمرير هذه التبرعات، ما يثير تساؤلات دستورية حول آلية اتخاذ القرار في الشأن المالي الخارجي. وبذلك، يتحول الدعم من أداة تضامن إلى عبء سياسي واقتصادي يزيد من احتقان الداخل، دون أن يحقق تأثيرًا ملموسًا في ملفات الأزمات الإقليمية, يتطلب إنفاق الأموال العامة، وخصوصًا المساعدات الخارجية، أن يتم وفقًا لإطار دستوري وقانوني واضح. لم تصدر موافقات برلمانية واضحة على تخصيص هذه الأموال، ما يثير تساؤلات دستورية بشأن آلية اتخاذ القرار المالي. تشير المادة (62) والمادة (80) من الدستور العراقي إلى ضرورة وجود رقابة برلمانية على ميزانية الدولة وصرف الأموال العامة، مما يجعل صرف هذه المساعدات دون موافقة واضحة يمثل خرقًا قانونيًا، ويزيد من المخاوف حول الشفافية والمساءلة المالية
انتشرت تقارير إعلامية وشعبية حول الإسراف المالي في التحضيرات، بما في ذلك شراء أدوات فاخرة ومظاهر رفاهية مفرطة، في وقت يعاني فيه العراق من أزمات خدمية واقتصادية حادة، أبرزها أزمة الكهرباء وتعليق تحويلات البنوك العالمية. أدى ذلك إلى فجوة حادة بين ما يُعرض دبلوماسيًا، وما يعيشه المواطن العراقي فعليًا
ثارت تكلفة القمة العربية في بغداد، التي قُدرت بما يقارب 600 مليون دولار أمريكي، انتقادات لاذعة داخل العراق وخارجه، في ظل الأزمات الاقتصادية الحادة التي تواجه البلاد. وقد تجاوزت تكلفة يوم واحد من القمة 250 مليار دينار عراقي (نحو 190 مليون دولار)، في حين أن الشارع العراقي يعاني من تردي الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، إلى جانب الأزمات المالية
. ضعف الرسائل الخارجية
فشلت القمة في توجيه رسائل حاسمة للمجتمع الدولي بشأن القضايا العربية، خاصة العدوان الإسرائيلي على غزة. لم تكن هناك لغة سياسية صارمة أو مبادرات دبلوماسية جريئة، بل اقتصرت الرسائل على تضامن نظري دون أدوات ضغط فعلية.
تغييب القضايا المشتركة
لم تتطرق القمة بعمق إلى التحديات الهيكلية التي تعصف بالعالم العربي، مثل الأمن الغذائي، التغير المناخي، أزمة اللاجئين، والبطالة. هذا التجاهل يعكس تصورًا قاصرًا لوظيفة القمم العربية، حيث يُنظر إليها على أنها مناسبات سياسية فقط، دون ربطها بالتنمية والعدالة الاجتماعية.
التوصيات
ضبط الإنفاق الحكومي على الفعاليات الدولية بما يتناسب مع أولويات التنمية الداخلية.
ضمان الشفافية والمراجعة البرلمانية عند تخصيص الأموال للدعم والمساعدات الخارجية وفقًا للإطار الدستوري العراقي.
التركيز على معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المحلية قبل التبرع الخارجي.
الامتناع عن تسييس الأحداث الإقليمية لتحقيق مكاسب انتخابية أو داخلية.
تعزيز دور العراق كمضيف محايد يحترم التنسيق العربي دون الانخراط في صراعات داخلية
المصادر
1.الدستور العراقي. (2005). المادة 62 و80 – صلاحيات الحكومة في إدارة الأموال العامة.
متاح على: https://constitutionsite.ir/iraq-constitution
2.الفتلاوي، زهير. (2025، 17 مايو). كم تبلغ تكلفة القمة العربية في بغداد؟ الساعة.
متاح على: https://alssaa.com/post/show/32900
3.الشرق، “بغداد: القمة العربية… التنمية وإعادة الإعمار أبرز المحاور”، الشرق للأخبار، 17 مايو 2025، https://asharq.com/amp/politics/135842/بغداد-القمة-العربية-التنمية-وإعادة-الإعمار-أبرز-المحاور/