قمة بغداد 34/2025 في الميزان

قمة بغداد 34/2025 في الميزان

ان جامعة الدول العربية هي مؤسسة تتكون من اثنين وعشرين بلدا، وغالبا ما يحرص القادة من ملوك ورؤساء وأمراء على حضور اجتماع القمة والذي يعقد سنويا، ولا يتجاوز عادة يوما واحد بجدول أعمال مضغوط ومتفق على قراراته مسبقا. ويكون ذلك بعد عقد اجتماعين يسبقان القمة وهما اجتماع المندوبين الدائمين ووزراء الخارجية. في اجتماع وزراء الخارجية يتم الاتفاق على اكثر من 90% من مخرجات القمة، وقد يترك اجتماع وزراء الخارجية قضية خلافية واحدة او اثنتين ليتم مناقشتهما في القمة، وهذا نادر خصوصا في العشرين سنة الأخيرة من تاريخ الجامعة العربية. ويقتصر اجتماع القمة عادة على كلمات رؤساء الدول التي يعبر بها القادة عن مشاغلهم وارائهم بقضايا يعدونها مهمة. ويبقى بند ما يستجد من أعمال هو البند الاكثر قلقا في القمة الذي قد تضاف اليه بعض الفقرات في اللحظات الأخيرةمن قبل اي دولة بالاتفاق مع الأمانة العامة للجامعة العربية والذيقد يسبب حرجا لبعض الدول، وربما يولد نقاشات طويلة تعبرعن تباينات عميقة في الرؤى بين قادة الدول العربية. ولكن في دورات العقدين الاخيرين تحول هذا البند الى دعم وتاييدمرشحي الدول العربية في المنظمات الدولية، وبعض الامور الثانوية الاخرى. ومن القضايا التي اذكرها والتي سببت قلقا داخل القمة قضية العدوان الاول على العراق في عام 1991، وكذلك قضية سحب مقعد سوريا من نظام بشار الأسد. وعادة ما يأتي قادة الخليج العربي وهم متفقون على كل القضايا المشتركة، فلا تجد القادة الخليجيين يتناقشون داخل القمة بشكل يعبر عن خلاف واضح في مسألة ما.

في هذه القمة الرابعة والثلاثين والمنعقدة في بغداد عُرضت البنود الثابتة في اجتماعات القمة وهي:

1. البند الاول الذي يخص تقرير رئاسة القمة السابقة عن متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات. وكذلك تقرير الامين العام عن العمل العربي المشترك.
2. البند الثاني ويخص القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي: وتناقش القمة بخصوصها خمسة موضوعات رئيسية ويتخذ بشانها القرارات اللازمة.
3. فيما يختص البند الثالث بالشؤون العربية والامن القومي: وتناقش القمة احد عشر موضوعا مهما وتتخذ القمة بشانها القرارات اللازمة.
4. وكان البند الرابع عن متابعة التفاعلات العربية مع قضايا تغير المناخ العالمية.
5. وشمل البند الخامس القرارات الخاصة بصيانة الامن القومي العربي ومكافحة الارهاب وتطوير المنظومة العربية لمكافحة الارهاب.
6. ويحدد البند السادس موعد ومكان عقد الدورة العادية (35) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة.
7. فيما شمل البند السابع (ما يستجد من اعمال) وفيها ثمانية قضايا لا تمثل اهتمامات مشتركة للدول، بل تمثل اهتمام الدولة او المجموعة التي قدمت المقترح، وهي:
دعم ترشيح المغرب والعراق لمقعدين غير دائميين في مجلس الامن وفي مدتين مختلفنين.
ودعم ترشيح العراق لمنصب رئيس الدورة 86 للجمعية العامة للامم المتحدة لعام 2031. وتاسيس المركز العربي لمكافحة الارهاب.
وتاسيس مركز تنسيقي عربي لمكافحة المخدرات، ومركز لمكافحة الجريمة المنظمة، وانشاء غرفة التنسيق الامني العربي المشترك.
ومبادرة الصندوق العربي لدعم جهود التعافي واعادة الاعمار من آثار الازمات.
ودعم وتاييد ترشيح السفير الاردني محمود ضيف الله لعضوية محكمة العدل الدولية للدورتين القادمتين.
ودعم وتاييد ترشيح دولة فلسطين لمنصب رئيس الدورة 81 لعام 2026 للجمعية العامة للامم المتحدة.

وعلى الرغم من كون كل القضايا المطروحة في هذه القمة اعتيادية وتقليدية، الا ان الظروف التي تمر بها البلدان العربية تجعل لقاء القادة قلقا ومثيرا للمشاكل. فعلى الرغم من اجتماع الموقف العربي على موضوع العدوان على غزة الا ان الموقف يختلف من حركتي حماس والجهاد ومن موقف السلطة الفلسطينية تجاه الاحداث. ومشكلة السودان لا زالت تتفاعل وحكومة السودان تتهم اطرافا عربية في التسبب بالاحداث الاخيرة. وليبيا تتعرض مجددا لأحداث اقتتال داخلي يزيد التقسيم تقسيما. واليمن يخوض حروبا داخلية وخارجية تجعل الحلول السلمية غير ممكنة، ويتباين الموقف منها من اقصى التاييد للحكومة الشرعية كما في موقف الخليج العربي الى اقصى التاييد لميليشيا الحوثيين كما في موقف العراق. وتونس ولبنان تعيشان اسوأ الاوضاع الاقتصادية، والصومال يعاني من التقسيم وحالة الانفصال لا زالت شاخصة لتعيد سيناريو ما حصل للسودان. وسوريا الخارجة توا من قبضة اسوأ نظام شهدته الامة العربية في العصر الحديث وهي تحاول ان تحسن العلاقة مع محيطها العربي بعد تقلبات وصراعات طويلة. ولكن الامتداد الطبيعي لها وهو العراق يحمل قادته اليوم لها ولقيادتها نوايا سيئة. ولم تنفع كل التطمينات التي ارسلتها الحكومة السورية الجديدة لحكومة العراق، والتي لم تمنع سيل التهديدات الموجهة لأحمد الشرع، والتي ساقها قيادات الخط الاول في الاطار التنسيقي والكثير من قادة الميليشيات وغيرهم، وحتى اولئك الذين كانوا يحسبون انفسهم على العلمانيين من امثال اياد علاوي الذي وصف الرئيس السوري الجديد بالأموي. ومنها ايضا التهديد باعتقال الرئيس السوري في بغداد اذا ما حضر للقمة والذي روجت له وسائل إعلام الفضائيات التي توالي ايران. ولا يمكن الاخذ بهذه الحالة على انها فردية، بل انها تعني ان العراق لا يعمل على وفق النظام الداخلي للجامعة العربية ولا باعرافها او سوابقها. ولذلك فان عدد من الدول العربية اخذت التهديد الذي تم توجيهه للشرع على انه تهديد لها وان هذه الاجراءات العراقية تعد سابقة في العلاقات العربية ــــ العربية. ولذلك فانه من الممكن ان يعود عدم حضور الكثير من القادة العرب الى هذا السبب والى عدم توفر الامان الكافي لتواجد القادة العرب مع وجود كبير كبير من الميليشيات المسلحة المرتبطة بايران. وتبقى ايران وتصرفاتها في العراق والمنطقة هي العامل الاقوى في عدم حضور القادة العرب لقمة بغداد. وحتى لو ان بعضهم قد فكر بحضوره للعراق الا ان وصول إسماعيل قآاني الى بغداد قبل 24 ساعة فقط من بدء الاجتماع الوزاري واللقاء بمستشار الامن القومي العراقي يعد تلويحا كبيرا للقمة وقادتها بان الآمر الناهي في العراق هو المرشد الايراني.

يمكن ان تكون هذه القمة هي الاقل تمثيلا بين القمم الاخرى، إذحضرها من غير الدولة المضيفة خمسة قادة وهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس الصومالي حسن شيخ محمد وامير قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي. إذ يعد حضور ستة قادة من اثنين وعشرين قائدا فشلا كبيرا لأية قمة، فضلا عن ان بعضا من ممثلي القادة كانوا اقل من مستوى وزير خارجية، فيما مثل ليبيا مندوبها الدائم في الجامعة العربية. وعند استماعي لكلمة الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط جاء فيها بالنص “ان اغلى المدن العربية على نفوسنا لا زالت تعيش في ظلال الخوف وتحت تهديد الميليشيات والجماعات الطائفية والعصابات الارهابية”، وهي اشارة واضحة لما حدث ويحدث في العراق، فضلا عن مدن اخرى مثل الخرطوم وصنعاء. وكانت كلمة رئيس مجلس السيادة اليمنيقوية حين سمى الاشياء بمسمياتها حين اشار الى الحوثيين بوصفهم ميليشيا ارهابية تحاول زعزعة امن اليمن والمنطقة وتنفيذ مخطط ايراني، تلك الميليشيا التي تحظى بدعم كبير من حكومة العراق، كل هذه الكلمات سُمعت في احدى القصور الرئاسية، فيما تسمى اليوم بالمنطقة الخضراء، والتي بناها صدام حسين في فترة الحصار الاقتصادي على العراق.

ان ما افرغ قمة بغداد من محتواها واهميتها هو انه قد سبق انعقادها عقد سلسلة اجتماعات مكثفة لعدد من القادة العرب فيدول تعد اليوم من دول القرار في المنطقة. فقد زار الرئيس الامريكي دونالد ترمب المملكة العربية السعودية قبل يومين فقط من عقد القمة والتقى هناك بالقيادة السعودية والرئيس احمد الشرع، ثم زار كل من الامارات العربية المتحدة ودولة قطر، وتم في هذه الاجتماعات مناقشة اهم القضايا في المنطقة لا سيما ملفات ايران واليمن والعراق وسوريا والسودان، ولم يُترك شيءللقمة المنعقدة في بغداد لمناقشته. والمرجح ان تكون النقاشات الخاصة بالعراق بين ترمب والامير محمد بن سلمان قد وصلت الى نتائج مهمة يصبح معها حضور القمة غير ضروري ابدا.

اخيرا لقد كانت القمة مضطربة جدا والاجواء فيها مشحونة واللجان المشرفة من الجانب العراقي غير كفوءة وحصلت الكثير من الاخطاء البروتوكولية، وتجاوزات صرفيات يوم واحد مائتي مليون دولار، وقدمت حكومة العراق وعدا بدفع عشرين مليون دولار لصندوق اعادة اعمار لبنان، وعشرين مليون دولار اخرى لصندوق اعمار سوريا من اجل تفعيل مبادرتها بتأسيس الصندوق العربي لدعم جهود التعافي واعادة الاعمار من آثار الازمات، وكذلك وافقت القمة على مقترحي حكومة العراق الساذجين بتأسيس مركز تنسيقي عربي لمكافحة المخدرات، ومركز لمكافحة الجريمة المنظمة، وانشاء غرفة التنسيق الامني العربي المشترك ومقرها بغداد وكلنا يعرف وحكومة بغداد تعرف ان لا علاقة للدول العربية بما يعانيه العراق اليوم من تفشي المخدرات وسيطرة منظمات الجريمة المنظمة على قطاعات مهمة من الاقتصاد العراقي، وهي ايضا متأكدة ان كل ذلك يعود الى ايران ونفوذها وسيطرتها على المراكز الحيوية في العراق. وكلنا يعرف ايضا ان هذه المراكز الجديدة لن يتسنم قيادتها مختصون نزيهون ومخلصون، بل ستكون للميليشيات ومنها العصائب والنجباء وكتائب حزب الله حصة الاسد في قيادتها وتوجيهها بالاتجاه الذي يضمن زيادة تفشي المخدرات وانتشار الجريمة المنظمة.

يأتي كل ذلك في وقت يعاني فيه العراق من حالة افلاس متوقع، وان فشل الحكومة في دفع رواتب الموظفين اصبح واردا في هذا العام تحديدا لا سيما مع توقع انخفاض اسعار النفط العالمية، والذي تمثل عائداته اكثر من 95% من دخل العراق القومي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات