في قاعة فخمة ببغداد اجتمعت الوجوه العربية المعتادة لكن مع غياب لافت لعدد من الملوك والرؤساء وكأن المشهد يعكس واقعا مريرا : الجامعة العربية أصبحت جسدا بلا روح وخطابا بلا فعل .
مؤتمر القمة العربية هذه المرة لم يكن استثناء فمع كل لقاء تتكرر الصور البروتوكولية وتعاد الكلمات نفسها بينما تتفاقم الأزمات من حولنا ، فهل يمكن لقمة أن تنجح في ظل غياب نصف أعضائها؟ وأين هي الحلول الجادة للأزمات الملحة؟
الغياب الذي يتحدث أكثر من الحضور
لم يكن غياب بعض القادة العرب مجرد ظروف طارئة بل رسالة سياسية واضحة فحين تغيب دول كبرى مثل السعودية أو الإمارات يصبح الحديث عن “التضامن العربي” مجرد شعار أجوف البعض يبرر الغياب بخلافات مع العراق أو بتراجع الثقة في مؤسسات العمل العربي المشترك لكن الحقيقة الأعمق هي أن الجامعة العربية لم تعد تمثل الإجماع العربي بل أصبحت منصة للخطابات الرنانة دون قرارات حاسمة .
بين خطابات التضامن وواقع الانقسام
على الطاولة كانت القضايا معروفة مسبقا : فلسطين ، سوريا ، اليمن ، الأمن الغذائي والأزمات الاقتصادية . لكن النقاش ظل يدور في حلقة مفرغة : إدانة للعدوان الإسرائيلي دعوات لحلول سياسية في ليبيا واليمن، وتأكيد على ” الوحدة العربية ” بينما الواقع يقول إن الخلافات بين الدول العربية أعمق من أي وقت مضى .
فمثلا الموقف من إيران لا يزال يشكل نقطة خلاف جوهرية وكذلك العلاقات مع تركيا وطريقة التعامل مع الميليشيات المسلحة في المنطقة حتى الملف الفلسطيني الذي كان يوما قضية العرب الأولى أصبح مجرد بند في جدول أعمال يذكر ثم ينسى .
هل يمكن إنقاذ الجامعة العربية
الجامعة العربية في حاجة إلى إصلاح جذري إذا أرادت أن تبقى ذات صلة . فالمؤسسة التي تأسست قبل أكثر من 70 عاما لم تعد قادرة على مواكبة التحولات الإقليمية والدولية نحن بحاجة إلى :
اولا : اليات تنفيذية : تلزم الدول بتنفيذ القرارات، بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات .
ثانيا : إصلاح هيكلي : يجعل الجامعة أكثر تمثيلا للشعوب وليس فقط للأنظمة ،
ثالثا : خطة عمل استراتيجية : تعالج الأزمات بطريقة عملية بعيدا عن الدبلوماسية التقليدية العقيمة .
كفى شعارات!!!
قمة بغداد كانت فرصة أخرى ضائعة ليس لأنها فشلت في حل الأزمات بل لأنها لم تحاول أصلا .
الغياب كان صرخة واضحة بأن بعض الدول لم تعد تأبه بهذه اللقاءات بينما الحضور كان مجرد إجراء روتيني إذا استمر الحال على هذا المنوال فستصبح الجامعة العربية ذكرى من الماضي بينما المنطقة تغرق في مزيد من الفوضى .
السؤال الان : هل سيكون هناك صحوة عربية قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنظل ننتظر قمة تلو أخرى دون أن نرى أي تغيير على الأرض؟