من غير المحتمل ان تنشغل قمة جنيف بين بوتين وبايدن، بالقضايا الإقليمية، كالوضع في الشرق الاوسط وتحديدا الملف السوري، وربما يمر الرئيسان بعجالة على ملف إيران النووي، الذي ما تزال واشنطن مع الحلفاء الأوربيين، صاحبة الكلمة العليا، لناحية ان إدارة بايدن، تسعى لاصلاح ما خرب ترامب، حين انسحبت الولايات المتحدة من الإتفاق، رغم اعتراض الشركاء الأوربيين، والشجب الروسي الحاد.
لن يجد الرئيسان، في فيلا ” لا غرانج”، وقتا لتفحص جزئيات التوترات الإقليمية ، قدر انشغالهما في تأمل فسيفساء المبنى العتيق،وسط إجراءات مشددة من الجو وفوق الارض وعلى سطح المياه البلورية لبحيرة جنيف الهادئة.
فالعاصمة الأوربية للامم المتحدة، تصيب زائريها بالممل بعد يوم او يومين، ليس لإنها تخلو من المعالم؛ الملفتة، او لفقر أبنيتها التاريخية من المناظر الممتعة والمثيرة، بل لان الهدوء الأسطوري المخيم على مدينة الحياد، الراقدة في أحضان اجمل الجبال،يثير الملل في قلوب الزوار،لان كل شيء صحيح ومنسق فيها.
لا يوجد غصن شجرة، شاذ، ولا أصص زهور، متناثرة، وحتى بجعات البحيرة، يسبحن بنسق، وكأنهن يؤدين فالس شتراوس.
الهدوء المتفرد لجنيف، سينعكس حتما على القمة، التي لن يتوقع، بمن في ذلك، المنجمون، ان تشهد تحولا في العلاقات الروسية الأميركية المتأزمة، الى حد وصف بايدن لنظيره الاميركي بوتين، بالقاتل، الأمر الذي لم تشهده المواجهة بين موسكو وواشنطن على مدى التأريخ.
يحاول بوتين، التحلي بضبط الاعصاب، والالتفاف على اسئلة مذيع قناة ( ان بي سي) الاستفزازيه، بالضحك، واللجوء الى الأمثال الشعبية الروسية، التي يبدو من الصعب على المترجم الفوري، إيصال دلالاتها الى الصحفي المتوثب ،كير سيمونز؛ و قد عكست اسئلته، نمطية العقل الاميركي في التعامل مع روسيا.
تعتبر إدارة بايدن، الصين منافسا، يجب العمل على الحد من اندفاعه، وإضعاف قدراته الاقتصادية، فيما تصنف روسيا في خانة الاعداء، ما يعني أن واشنطن، واستطرادا حلف الناتو، لن يألوا جهدا في تعريض أمن روسيا الى الهزات الدورية، وإضعاف نفوذها، وقوتها العسكرية، واحاطتها بحلفاء كارهين لموسكو ، مثل بولندا وجمهوريات البلطيق.
والاخطر في كل هذه المنظومة الشقيقة السلافية والسوفيتية السابقة أوكرانيًا ، التي يزحف رئيسها الممثل الكوميدي الشهير فلاديمير زيلينسكي؛ نحو الاطلسي بيديه ورجليه، ويجد تعاطفا من الحلفاء الاطلسيين، ليس حبا باوكرانيا المثقلة بالمشاكل، والمصابة بآفة الفساد، بل لأنها أفضل رأس جسر للناتو في العقيدة العسكرية للحلف، ووفق رؤيته لروسيا على إنها العدو رقم واحد” للديمقراطية الغربية”.
سيعمل بوتين في قمة ” لا غرانج” على تبديد الملل في المباحثات، التي وضع الكرملين لها خطوطا حمراء، بمناكفة نظيره الاميركي، والتصدي لمحاولة، وضع ملف حقوق الانسان، أولوية في القمة التي توصف بالتاريخية؛ بسبب ان الرئيسيين الروسي والأميركي، قررا التصافح أمام العدسات، رغم مظاهر العداء التي تغلف مجمل العلاقات بين بلديهما.
ستنشغل القمة بملف الأسلحة الإستراتيجية، والمناخ، ومكافحة الاٍرهاب، والطاقة، وغيرها من الملفات التي لا مطبات كثيرة فيها.
واستبق المتحدث بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف اللقاء الذي سيقوم أكثر من ثلاثة آلاف صحفي معتمد بتغطيته، بان الرئيس بوتين لن يسمح لنظيره الأميركي التدخل بشؤون روسيا الداخلية، وان موضوع السجين المعارض، اليكسي نافالني، الذي صنفت السلطات منظمته ” صندوق مكافحة الفساد” عميلا اجنبيا وجماعة متطرفة؛لن تمر على مائدة القمة.
يصر بوتين، حتى في اخر مقابلة تلفزيونية مع القناة الاميركية ( ان بي سي) على تحاشي النطق بإسم المعارض، رغم الحاح المذيع،لمرات عدة، جر بوتين، الى المطب.
قصارى القول، اذا تفاهم بوتين وبايدن على القضايا الإستراتيجية كمرحلة أولى ، فمن غير المستبعد ان تشهد القمم القادمة، في احدى المدن الصاخبة، أو في عاصمتي البلدين، حلولا انجع لأزمات الشرق الاوسط، والمأساة السورية المتواصلة.