لازالت مدينة بون الالمانية تحتضن مؤتمر مفاوضات الامم المتحدة حول المناخ وهو اكبر مؤتمر تشهده المانيا، ولليوم السادس على التوالي لا تزال المفاوضات الماراثونية تجري على قدم وساق بين الوفود الدولية للاتفاق على صيغة نهائية ترمي باتجاه تطبيق اتفاق باريس لحماية المناخ، وبين اخذٍ ورد وقبول واعتراض لا تزال الدول الفقيرة والدول الجزرية والدول النامية عموما تحضر بقوة وتحاول جاهدةً لحث الاطراف الدولية على الاتفاق سريعا لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر باريس ولبذل المزيد من الدعم للدول النامية من اجل التصدي لكابوس تغير المناخ الذي اصبح مشكلة تؤرق ليس فقط شعوب الدول المهددة بالخطر جراء تغير المناخ فحسب بل ايضا علماء المناخ والبيئة وشعوب العالم المتقدمة الذين اتقدت عندهم روح الشعور بالمسئولية الجماعية من اجل حماية مستقبل الحياة على كوكب الارض. فهل ستحقق قمة المناخ 23 مآرب الطامحين والمترقبين لما ستنتهي عنده هذه المفاوضات؟ وماذا يحصل لو فشلت هذه المفاوضات عن تحقيق الاهداف المرجوة منها؟
وتشير النشرات اليومية لأخبار المؤتمر والتي تصدر عن المعهد الدولي للتنمية المستدامة الى ان هناك احباط يسود موقف بعض الوفود المشاركة، فقد وصف احد اعضاء الوفود عملية التفاوض بأنها مثل “مطاردة الكلب لذيله” وكأنما يريد ان يشير الى ان مفاوضاتهم تدور في حلقة مفرغة ولا يوجد هناك انجازاً يذكر!! على الرغم من كل الصخب الذي تثيره المفاوضات وفق جدول الاعمال المحدد لها.
فماذا لو انتهت المهلة الزمنية المحددة للمؤتمر دون الاتفاق على آليات صحيحة للعمل بتوافق دولي؟ وهل ستنتظر شعوب العالم مؤتمر مفاوضات المناخ السنوي المقبل ليكمل ما ابقاه مؤتمر بون ؟ وهل بقي امام العالم فرصا كثيرة و وقتا طويلاً لإنقاذ العالم من الاثار الكارثية لتغير المناخ؟
ومن الاشكاليات الكثيرة التي طرحت ولا تزال تطرح في خضم مفاوضات المناخ هو ضرورة التخفيف من انبعاثات الكربون التي يطلقها احتراق الفحم ومصادر الوقود الاحفوري الاخرى كالبترول، ومن المفارقات العجيبة ان البلدان العربية المنتجة للبترول هي من اكبر المتضررين بالتغيرات المناخية وهي المعتمدة اعتمادا شبه كليا في اقتصاداتها على عائدات البترول، ففي أخر دراسة لقسم العلوم الطبيعية في منظمة اليونيسكو- مكتب العراق تشير الى ان العراق يخسر سنوياً اكثر من 100 الف دونم من الاراضي الزراعية نتيجة للتصحر، ناهيك عن الاضرار الاخرى التي لحقت بالبلاد كارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل سقوط الامطار وانخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات والروافد المائية الاخرى والتأثير الكبير الذي وقع على حياة السكان ومقدراتهم وانماط عيشهم، فكيف لبلداننا العربية ان تستفيد من منح التكيف وتعويض الاضرار التي لحقت بها بسبب التغيرات المناخية في ظل مطالبات الدول الكبرى لها بتخفيف الاعتماد على الوقود الاحفوري؟ وهل نملك القدرة والامكانية والوقت الكافي للتحول الى الاقتصاد الاخضر بدل الاعتماد الكلي على البترول؟
هذه مجرد تساؤلات وتكهنات اطرحها على طريق المفاوضات التي لم يتبق امامها سوى خمسة ايامٍ فعلية، وربما ستشهد حضوراً دولياً رسمياً رفيع المستوى لإعطاء المفاوضات زخما اكبر، فلعله يكون وقتاً كافياً امام المتفاوضين لوضع خطة عمل طموحة على طريق تطبيق اتفاقية باريس وان لا يذهب التفاؤل الذي رسمه اتفاق باريس سدىً، وان لا نضطر الى الانتظار الى العام المقبل حيث قمة المناخ 24 في بولندا للوصول الى توافقات من شأنها إنقاذ مستقبل الحياة على كوكب الارض.