19 ديسمبر، 2024 4:04 ص

قمة العشرين .. التناقضات وتوليد الأزمات

قمة العشرين .. التناقضات وتوليد الأزمات

قمة مجموعة العشرين ( G-20) التي اختتمت أعمالها في مدينة هانغتشو الصينية شرق البلاد ، هي ثاني قمة تترأسها الصين منذ عام ( 2005 ) والتي تفرض نفسها على المشهد كدولة قوية وقادرة ومستعدة للعب دورها في قيادة الاقتصاد العالمي منذ تحول انظار العالم الى الصين لمساعدته في الخروج من الازمة المالية في 2008 وهذا ما سعى الرئيس الصيني شي جينبينغ ان يظهره للعالم ولمنافسيه السياسيين داخل البلاد .
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية المتسارعة التي يعيشها العالم وفي مقدمتها  تباطؤ النمو العالمي الا ان قادة المجموعة ركزوا على الأزمات الإقليمية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط ومنها الازمة السورية ومشكلة الامن التي تواجهها اوروبا ما عكس بشكل واضح العجز عن بحث ومواجهة الأزمة الاقتصادية بل وصل الامر الى الفشل في ايجاد الحلول الناجعة للازمات السياسة الخطيرة التي كان العالم يتطلع الى ان يصار الى وضع حدٍ لنزيفها .
البيان الختامي للقمة كان بروتوكولياً محضاً بل حمل بين طياته جملة من الأمور تبدو بالبعيدة التطبيق على ارض الواقع مركزاً على وحدة المواقف في تنمية التجارة الدولية وإنعاش النمو من خلال الابتكار في النمو العالمي، في زيادة التعاون الاستثماري والتجاري العالمي، وإلى ضرورة تقديم الدعم اللازم للدول النامية في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والموارد البشرية وحرية التجارة والاستثمار الدوليين، وضرورة تقديم التسهيلات اللازمة لهما، مشيرا أن دول المجموعة ستعد خطة بهذا الخصوص مع نهاية العام الجاري. البيان دعا ايضاً الى الإصلاحات في مجال التوظيف بالاستفادة من التدريب، وتشجيع الابتكار، وتحسين البنية التحتية، ودعم المنافسة. ولكن ما لا يخفى على المتتبعيين للشأن الاقتصادي ان وتيرة نمو التجارة العالمية تراجعت الى ما دون الـ 3 في المئة منذ الأزمة المالية 2008 مقارنة بأكثر من 7 في المئة خلال العقدين السابقين.
القمة افرزت (أزمة ثقة ) على محورين الاول يتعلق بالحكومات من خلال تبادل الاتهامات المسببة لتفاقم الازمة المالية العالمية ، على سبيل المثال ، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتهمان الصين بالتسبب بخلل في سوق الفولاذ العالمية عبر إغراقها بفائض انتاجها الهائل ، الامر الذي دفع بالريئس الصيني شي جينبينغ الى مطالبة الحاضرين بألا تتحول القمة إلى (منتدى للكلام) بل على ضرورة حماية النظام التجاري متعدد الأطراف من أجل النهوض بالتجارة الحرة، مستخدمين كل السياسات، بما في ذلك النقدية والمالية والإصلاحات الهيكلية لتحقيق نمو قوي ومستدام . اما المحور الثاني يتعلق بالناس انفسهم اذ فقدوا الثقة بنظام العولمة الذي لم يعد عليهم بأي ملموس وتخوفهم من العزلة خصوصاً في اوروبا بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي واقتراب الانتخابات في فرنسا وألمانيا عام 2017 المتزامن مع رفض البلدين إبرام اتفاقية التبادل الحر عبر الاطلسي (تافتا) الجاري التفاوض في شأنها بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والذي يسعى الرئيس الامريكي باراك اوباما الىاتمامها في بروكسل قبل رحيله من البيت الأبيض في كانون الثاني القادم للحد من الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “البريكست” والمقصود به التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد الاحتجاجات ضد ارتفاع الهجرة، وضد مدينة المصرفيين في لندن وضد مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ترتيباً. ولذلك فأن رئيسة وزراء بريطانيا، تريزا ماي كانت تحت ضغط أصررها على أن بلادها بإمكانها الازدهار خارج الاتحاد الأوروبي، وأنها ستصبح رائدة في التجارة الحرة من جانب ، وبين تحذيرات اجتماع مجموعة السبعة الذي انعقد في اليابان من العواقب الوخيمة لهذه الخطوة والتقارير التي يصدرها انصار “البريكسن” (البقاء في الاتحاد الأوروبي) الهادفة إلى زرع المخاوف الجدية من مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي من بينها تراجع الناتج الداخلي الإجمالي بين ٣،٨ و٧،٥ في المئة، ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بين ٥٠٠ و٨٠٠ ألف عاطل وانخفاض سعر الجنيه الاسترليني بين ١٢ و١٥ في المئة من جانب اخر .
من جملة التناقضات التي حملتها اجندة القمة توقيع الولايات المتحدة على اتفاق باريس للمناخ
على اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ والذي يمكن ان يقوض مباشرة جهود التصدي لتغير المناخ على اعتبار انه لا يمكن الفصل بين قضايا التبادل التجاري وتغير المناخ او التعامل معها كقضايا منفصلة وتحد من الجهود السيادية للحد من انبعاث الكربون. ففي الوقت الذي تجاهل فيه اتفاق باريس مسألة التجارة تجاهلت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الهادىء قضية تغير المناخ ، الى جانب غياب الرقابة ومسائل قانونية تتعلق بالسياسات التجارية لاتفاقية ( تافتا) التي تنتج الكثير من العقيبات امام قضايا خطيرة مثل تغير المناخ والصحة والامن الغذائي وادارة الموارد الطبيعية . ليس ذلك فحسب ، فقد نشرت وسائل إعلامية أمريكية تقارير تؤكد على ان الشركات التي تدعم اجندة اوباما في التغير المناخي هي نفسها التي تمول اعضاء الكونغرس الذين يريدون اطلاق العنان لتلك الشركات على حساب السياسات البيئية.
الأزمة السورية فرضت نفسها على مباحثات القمة من دون التوصل الى إتفاق ، اذ اجرى الرئيسان الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين محادثات مطولة بشأن الأزمة السورية لم يتمكنا خلالها من التوافق على صيغة لوقف إطلاق النار في سوريا غير أنهما أقرا بتحقيق بعض التقارب وتركا الباب الخلفي مفتوحاً لوزيري خارجية بلديهما جون كيري وسيرغي لافروف ليجريا مباحثات قريبة في جنيف لانهاء الازمة . الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند اشار من جهته في حديث له على هامش القمة الى تورط دول عدة في النزاع السوري مشدداً على ضرورة التفاوض بهدف إنهاء الأزمة. اما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعلن أنه عرض على أوباما وبوتين فرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا ، وذلك في اشارة إلى المنطقة الحدودية المتاخمة لتركيا الذي ينفذ فيها الجيش التركي منذ اسبوعين عملية (درع الفرات) ضد ارهابيي داعش، متهماً واشنطن بدعم الأكراد وتشجيعهم على انشاء فدرالية لهم في هذه المنطقة – في اشارة الى (قوات سوريا الديمقراطية) التي تدعمها واشنطن في مواجهة التنظيمات الارهابية – مما يجعل الصراع محتدماً في ريف حلب الشمالي الشرقي .
الى جانب البيان الختامي للقمة الذي شدد على ضرورة محاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتجفيف مصادر تمويله، وعلى أهمية تبادل المعلومات بين جميع الدول، وأن تفي الدول بتعهداتها المتعلقة بتجميد الأصول المالية للإرهاب، وتطبيق العقوبات الواجبة بهذا الخصوص، الا ان نزيف الدم في سوريا يزداد يوماً بعد يوم بحربٍ كبيرة منتشرة على معظم الأراضي السورية من دون حل ومحاولة انقاذ جاءت على هامش القمة ولم تنجح ايضاً ، والواضح سلفاً من كل هذا أن الولايات المتحدة هي من تولد الازمة بأطالتها امد الصراع في سوريا بغية تحقيق مآربها في المنطقة وجعلها من دون استقرار وهي ضمن اجندتها تحقق ارباجاً مع كل ازمة ضد المصالح العربية في كل مكان لاسيما على النفطية والاقتصادية منها والنتيجة على الارض ما حدث ويحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا .قمة مجموعة العشرين اتت في دورتها الحالية بمجموعة مضافة من الوعود التي ربما لا تتحقق ايضاً على غرار القمة السابقة في تركيا حينما اطلق القادة اكثر من مائة التزام بشأن مختلف القضايا الاقتصادية منها خفض المساعدات المالية للوقود الاحفوري وزيادة المساعدات للاجئين مما يزيد الشكوك حول مصداقية وعودها المستقبلية. 

أحدث المقالات

أحدث المقالات