اتهمنا البعض بأننا نحاول أن نشوة صورة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري من خلال التركيز على الطمطميات والطلاسم التي يثرثر عنها، وتهويل بعض الأخطاء التي يمكن ان يقع بها أي وزير في العالم، وإن الصورة التي ننقلها ـ نحن المغرضون ـ للعالم المتحضر هي خلاف لحقيقة الوزير اللامع والكادر الدبلوماسي الجديد الذي ولد في الرحم الأجنبي والشعوبي المعادي للعروبة وكل المفاهيم الوطنية التي تربى عليها كوادر خارجية ما قبل الغزو الأمريكي الإيراني الغاشم. الحقيقة أن هناك الكثير من المغالطات التي يضمها كلام المدافعين عن الجعفري، وهم أما من كوادر حزبه أو من موظفي وزارة الخارجية الطارئين الذين كانوا يحلموا يوما في أن ينتسبوا لهذه الوزارة بسبب الشروط الصعبة التي تضعها للقبول والعمل بها، سيما في معهد الخدمة الخارجية. وبإستثناء حالات محدودة جدا، يمكن الجزم بأن معطم الكوادر الدبلوماسية ما قبل الغزو هم من النخبة الثقافية والإجتماعية ومن كافة الشرائح العراقية، ولا يمكن أن ينكر منصف هذه الحقيقة مهما كان موقفه من النظام السابق للغزو إيجابا أو سلبا.
وزارة الخارجية الحالية وفق كافة السياقات والأسس والبروتوكول لا علاقة لها بصلب مهماتها في الدفاع عن سيادة العراق وتعزيز وتطوير العلاقات الدولية سيما في الإطارين العربي والإسلامي، وعقد الإتفاقيات الثنائية أو المشاركة في الوفود من بقية الوزارات ومؤسسات الدولة كافة كما جرت العادة، او المحافظة على مصالح العراق في الخارج، او رعاية الجاليات العراقية في الخارج التي تزيد عن (4) مليون لاجيء عراقي، علاوة على مراقبة تنفيذ الإتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود والتعويضات، وحماية مصالح العراق البرية والبحرية والجوية، والدفاع عن سيادة العراق وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، أو من خلال تقديم المشورة للرئاسة وبقية الوزارات فيما يتعلق بالعلاقات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف وغيرها من المهام المعروفة للوزارة.
الكادر الدبلوماسي القديم لا يشكل سوى أقل من 10% من الكوادر الدبلوماسية الحالية، ورغم كفاءة هؤلاء بحكم الخبرة المتراكمة، لكن فرص الإبداع عندهم شبه معدومة، بسبب إنهم موضع شك ـ من أزلام النظام السابق ـ كما يحلوا للبعض أن يسميهم، علاوة على خشيتهم من الإصطدام مع حيتان الوزارة المرتبطين بكبار المسؤولين والأحزاب الحاكمة، فهم أي القدامى لا سند لهم ولا يوجد من يدافع عنهم، بل العكس هناك من يتربص بهم ويراقب حركاتهم للإيقاع بهم، مما ولد عندهم حالة من الخوف والجمود والتردد للحفاظ على مصدر رزقهم. كما ان البعض منهم ممن إصطدم مع السفراء كان مصيره النقل خارج الوزارة او الإستقالة أو الإحالة التقاعد، بعد أن سنً الوزير هوشيار زيباري سنة سيئة في الوزارة معتبرا ان السفير على حق، سواء كان على صواب أو خطأ! مما جعل الدبلوماسيون القدامى يخشون الإصطدام بالسفراء عديمي الخبرة والكفاءة، وهناك العشرات من المع الدبلوماسيين والدبلوماسيات تركوا الوزارة بسبب حماقة وطيش السفراء الذين لا يعرفون أبجدية العمل الدبلوماسي، ويرفضون أخذ المشورة من القدامى لشدة حساسيتهم من جهة، ولكبريائهم الفارغة وضيق أفق عقولهم من جهة أخرى.
الدبلوماسيون القدامى حاليا هم من كوادر الوزارة العليا، وأصحاب درجات دبلوماسية عالية ولم يبق لهم سوى سنوات قليلة ويحالون بعدها الى التقاعد، عندذاك سينفرد ثعالب الخارجية من الأحزاب الحاكمة بالوزارة وتخلو من أي مهارات وكفاءات وظيفية. وهذا يعني موت الدبلوماسية العراقية وقراءة الفاتحة على روح الفقيدة.
بلا أدنى شك يتحمل وزيرا الخارجية السابق والحالي مسؤولية تدمير الدبلوماسية العراقية ونجزم عن قصد مبيت، فقد انتقلت من حالة العنصرية (التكريد) الى حالة الطائفية (التشييع). علاوة على اللجنة البرلمانية المعنية بالشؤون الخارجية والتي ليس فيها دبلوماسي واحد يقدم لهم العون والنصح والخيرة فيما يتعلق بمهام الوزارة والإتفاقيات الدولية ذات العلاقة.
لكن هناك كلمة حق يجب أن تُقال، وهي أن هناك معاول اخرى من خارج الوزارة تدمر سورها الهش والآيل للسقوط. ونقصد بذلك الوزراء وزعماء الأحزاب الحاكمة وقادة الميليشيات والنواب، فهؤلاء كل منهم هو وزير للخارجية بحد ذاته، ويدلو بدلوه على كيفية دون ان يعرف مخاطر تصريحه وتداعياته الحاضرة والمستقبلية. لذا من المهازل ان تصدر تصريحات متناقضة من قبل الوزارة والرئاسة والبرلمان، دون التشاور وتوحيد المواقف والخروج بموقف واحد، أو عدم إتخاذ موقف أصلا على أدنى تقدير.
ابسط مثال على ذلك الموقف من العدوان الإيراني على السفارة والقنصلية السعودية. علاوة على مواقف قادة الميليشيات ـ مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا العصائب وهادي العامري قائد ميليشيا بدر، وواثق البطاط قائد جيش المختار ومقتدى الصدر قائد ميليشيا السلام ـ وتهديداتهم للبحرين والسعودية وتركيا. في آخر تهديد وفي خطوة ايرانية للتصعيد ضد السعودية صرح زعيم ميليشيا حزب الله الشيخ أكرم كعبي من بلد أسياده في ايران” بان الرد سيكون قريبا ضد السعودية وتركيا من خلال الحشد الشعبي، وسيكون الرد عسكريا وفي عقر ديارهم، يجب ان نواجه النظام بأي شئ ولو بعملية بسيطة”، هكذا بكل ببساطة يثبت للعالم بأن العراق دولة ميليشيات فعلا!
المصيبة أن هؤلاء لا يفهمون خطورة تصريحاتهم، فمثل هذه التصريحات لا تمثل فقط تهديدا لسيادة وأمن دول مجاورة فحسب، ولا تمثل تدخلا في شؤون الدول الأخرى فحسب، ولا تمثل عدم إحترام لعلاقات حسن الجوار فحسب، بل إنها تمثل عدوانا صارخا على دولة أخرى وفق نصوص ميثاق الأمم المتحدة، فالتهديد بالعدوان يعتبر عدوانا، لأنه قد يأتي أحيانا بنفس نتائج العدوان المسلح.
ولا نفهم لماذا تتجاهل الدول المجاورة مثل هذه التهديدات سواء كان بعمل مسلح ضد من يدلي بها او الشكوى لدى مجلس الأمن لأنها تعتبر عدوانا؟ بالتأكيد الدول المجاورة تعرف جيدا المواثيق والصكوك والإتفاقيات الدولية، وتفهم ان التهديدات بالعمل المسلح ضدها تعني العدوان عليها ـ سيما ان حزب الله العراقي سبق أن إعترف بقصف الأراضي السعودية بصوايخ ـ ومع هذا لم تحرك هذه الدول ساكنا!
بالتأكيد هو ليس عجزا منها! ولا يمكن تصوره كذلك! فالعراق الآن أضعف دولة في الشرق الأوسط، وهو يمشي على العكاز، بالإضافة إلى أن التهديدات الخارجية والداخلية تنخر جدرانه من الجهتين. لذا يمكن القول بأن موقف الدول المجاورة ينطلق من مبدأ المحافظة على شعرة معاوية، والفهم العميق بأن العراق لا يحكم نفسه بنفسه، بل هو ولاية تابعة للخامنئي، وان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان عرائس، يحرك خيوطها الولي الفقيه في إيران.
بالعودة الى وزير الخارجية، نقول لمن يتهمنا بتشويه سمعة الوزير إبراهيم الجعفري، بأن هذه المهمة قام بها الوزير نفسه متطوعا دون أن يكلفنا أي عناءأ وجهدا! الرجل مخبول فعلا، ولولا الضوابط الطبية التي لا تسمح بنشر تقارير المرضى في بريطانيا لرأينا العجب. وقد ذكر احد المقيمين في بريطانيا ممن يعرف الجعفري عن قرب، بأن الجعفري أما أن يكون مخبولا فعلا كما جاء في تقاريره الطبيه وحصول على المساعدة الإجتماعية بسببها، أو انه اشهر ممثل في العالم فقد مَثَل على طبيبه واللجنة الطبية الخاصة التي صادقت على مرضه، بل وعلى جميع من يعرفه في العراق وبريطانيا. وفي كلا الحالين لا يمكن الثقة بهذا الرجل سواء كان مخبولا او ممثلا! أما انه يتزعم حزبا إسلاميا فهذا ما يعقد المسألة أكثر!
نقول لمن يتهمنا بتشويه سمعة الجعفري: هل يمكن أن يصف رجل عاقل الحكومة العراقية الفاسدة ـ التي تشير كل التقارير الدولية والعربية والمحلية بأنه أفسد دولة في العالم، علاوة على تصريحات الحكومة نفسها ومجلس النواب العراقي وحتى مرجعية النجف ـ بأنها حكومة ملائكية؟ الحكومة الملائكية يحكمها ملائكة كما يفترض أو بشر بخلق الملائكة مجازيا! والسؤال المطروح: أي مسؤول في الحكومة والبرلمان والقضاء الحاليين أو السابقين هو الملاك؟ هل الجعفري نفسه ملاك؟ سيما إنه يتحدث مع نفسه أحيانا أو ربما مع شياطين والله أعلم، واحيانا يتحدث مع البشر بلغة شاذة لا علاقة لها بماضي وحاضر العربية.
إن كانت الحكومة ملائكية كما وصفها الجعفري! فماذا نسمي حكومات السويد والنرويج وسويسرا والنمسا؟ هل هي حكومات الهية أم ماذا؟ وما هو معيار الحكومة الملائكية أصلا؟ يا حبذا من أي فرد يدافع عن الجعفري يقدم لنا وزارة ملائكية واحدة في العراق لا توجد فيها ملفات فساد ولو من قبل هيئة النزاهة العراقية، وسنقدم الإعتذار عن التعميم.
الحقيقة ان الملائكة لا علاقة لها بإداء الحكومات المدنية، فقد إنتهى زمن الأنبياء والرسل، وبدأ عصر البشر، فهم الذين يبنون الأمم والحضارات ويسنون القوانين التي تعزز الحريات العامة وحقوق الإنسان دون الرجوع الى الظواهر الغيبية. ان التسمية (ملائكية) بحد ذاتها تسمية لا تصلح حتى ولو كانت مجازية! فهي صفة ربانية لا يمكن أن تطلق على الحكومات التي تلت النبوات بغض النظر عن نزاهتها أو عدم نزاهتها،. ومن المعيب حقا أن تطلق هذه الصفة الطاهرة على أفسد دولة في العالم. إن من يظن نفسه ملائكا مهما بلغ من الصلاح والتقوى لا بد أن يكون معتوها! لو وصف الجعفري حكومته بصفة صالحة، وطنية، نزيهة، كفوءة، شريفة، مستقلة، إسلامية لما قبلنا منه هذا الصفات لأنها لا تعكس الحقيقة، فكيف بالملائكية؟
سبق ان تحدثنا عن طمطميات وطلاسم الجعفري في مقالات سابقة ولا داع لتكرارها. لكنا سنورد آخر ما جاء عن لسانه بشأن وساطته لتخفيف التوتر بين إيران والسعودية بعد الأحداث الأخيرة، وصرح بها أمام وسائل الأعلام العربية والأجنبية، والأطرف أن الرئيس الأمريكي أوباما نفسه رحب بوساطته المزعومة بإبتسامة ماكرة. وسبق أن ذكرنا في مقال سابق أن وساطة الجعفري تحمل بذور فشلها بين طياتها بسبب الموقف الحكومي وموقف الجعفري نفسه من إعدام المعارض السعودي نمر باقر النمر وما تلاه من أحداث عدوانية برعاية نظام الملالي ضد البعثات السعودية، كان الموقف العراقي بلمسات إيرانية واضحة، وتبين ذلك أكثر خلال الإجتماع الأخير للجامعة العربية، فقد كان الموقفان العراقي واللبناني بخروجهما عن الإجماع العربي تعبيرا ذليلا عن تبعية مطلقة لولاية الفقيه. ومع هذا هناك من روج لمشروع الوساطة الجعفرية وطبل لها، إلى أن أوقف السفير السعودي ثامر السبهان الإسطوانة المملة؟ عندما نفى وجود أية وساطة من العراق لحل الازمة الراهنة بين السعودية وايران!
إنها صفعة جديدة للجعفري ووساطته الشبحية، ولكنها لن تفيقه لأنه بكل أمانه غير سوي! لا يمكن أن يصدر من وزير يفهم عمله وموقعه وطبيعة الحدث تصريح بالتوسط في نزاع وهو منحاز إلى أحد أطراف النزاع، لأن الفشل سيكون من نصيبه مائة بالمائة. ومن المخزي أن يجعل من نفسه إضحوكه أمام نظرائه وزراء الخارجية العرب. لكن مع هذا هناك الكثير من المفاجئات في قمقم الجعفري، سيتحف بها جمهور المشاهدين بين آونة وأخرى، وهي تشكل جوابا مقنعا ومفعما لمن يصر على الدفاع عن وليه الجعفري، ولنا محطة قادمة مع الجعفري بعون الله.