تقع قيصرية البزازين في قلب مدينة الناصرية ، وتبدأ من رصيف شارع الحبوبي وتنتهي بحوالي 100 متر من ضفة الفرات الخالد ، وهذا السوق يجمع ذكريات اجيال المدينة عندما يكون مكانا لاستراق النظر لمن تقع عليهن نجوم اجفاننا ويصبحن بعضا من كواكب الحلم ونعرف من خلال رسائل الغرام والهمس وراء الابواب أنهن ذاهبات في المساء مع أمهاتهنَ الى القيصرية ــ سوق البزازين .
اتذكر القيصرية شاهد المكان القديم وما تزال بسقوفها المصنوعة من صفائح (الجينكو) ومحلاتها المصطفة التي تبدأ من محل المرحوم احمد العثمان ولتنتهي بمحل المرحوم عناد التتنجي وما بينهما تكون دكاكين البزازين التي تبدأ بمحل السيد حسن القماش وتمتد الى نهاية القيصرية .
في محطة من محطات غربتنا صادفت أحد اصدقاء وزمالة ايام التعليم في الاهوار ، وبعد العناق وتبادل عطر ايامنا البعيدة بدأنا نستعيد مساءات احلامنا يوم كان السفر يسجل خواطره حتى في موسيقى خطوات راعيات قطعان الجواميس ومن يلبسنَ ثوباً بشراشيب ملونة كانوا اطلقوا عليه في سوق البزازين ( لحية ابن صباح ) .
نعيش ابتسامة تذكر تلك المسميات ، ولأنه جاء متأخرا في هجرته وعاش محنة الحصار قال ، لقد حملت اقمشة القيصرية اسماء اخرى اقترنت بالحدث الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي في جعل الناس يطلقون عليها مسميات لها علاقة بأحداث وظواهر تطفوا على السطح وتصير مثار حديث الناس لتحمل الأقمشة أسماء مثل ( لحية أبن صباح ، دم الشهداء ، الشيشان ، فنكْ تلبسني ، قلم صدام ، حاج متولي ، مسحب ، دمعة الخد ، أبو الرصعة ) .
ضحكت وسألته : بالله عليك قلم صدام ولحية ابن صباح ودم الشهداء والشيشان اقترب من معنى مغزى التسمية ولكن الرصعة ماذا تعني .؟
قال :الرصعة هي شكل يشبه الختم .
اترك كل تلك المسميات واتذكر ذلك اللمعان في القماش ( لحية ابن صباح ) الذي تصنع منه نساء المعدان دشاديش اعيادهن ، فتلصف في أجفاننا خيوط القماش الذهبية والملونة كما خيط الكلبدون في أماني البعض وهو يتحدث بحسرة شوق غريبة لتكون تلك الاجساد الفارعة للنساء السومريات وبذات القماش الذي يحمل اسم لحية امير دولة كويت تمشي بخيال عرض ازياء باريسي ، وبذات الاقدام التي تلف عليها اقمشة بالية لتمنع الشوك عنها ، ولكن في باريس وعلى صالة عروض سانت لوران سيلف عليها العطر ودهشة الناظرين الى قوام حفيدات شبعاد وهن يرتدين دشاديش قماش يحمل اسم أمير خليجي عانى كثيرا من مزاجي الملك غازي والزعيم عبد الكريم لأنها جاهرها علنا بأن الكويت عراقية وينبغي استعادتها.
وربما اطلاق هذا الاسم ودائما يكون من اطلقه مجهولا كبقية اسماء الاقمشة قد قصد ليقول إن الكويت دولة مستقلة ولها اميرها يتبرك شعبه بلحيته ويقودهم الى بناء دولة عامرة.
وهكذا يرتبط الثوب وقماشه بحدث وشأن لتطلق التسمية من ذاكرة رائقة ربما هو تاجر جملة أو مشترٍ مستطرق في سوق البزازين أو هكذا صدفة من فم أحدهم لتصير مفردة تتداولها الإناث كلما شعرن بالرغبة إلى ثوب جديد .
فمن ورقة التين إلى قماش الموهير والى دشداشة لحية أبن صباح تسير الأزمنة بين خلود واندثار وهذه الأزمنة ترتدي أثوابا بمقاسات مختلفة تعبر عن شخصيتها وسلوكها ورغبتها بأن تكون في مظهر تهابه العيون ..