المصالحة كلمة لا تعني ما فيها بقدر ما تشير إلى عكسه , لأن الأخطاء لا تتصالح , والآثام لا تتفق , والخطايا لا تتفاعل على طاولة واحدة.
والعقل البشري لا يمكنه أن يحقق تفاعلا إيجابيا إذا كان محشوا بالأوهام والتصورات المنحرفة , والإعتقادات المتمادية في غلوها وتطرفها وإنحرافها.
المشكلة العاصفة في المجتمع هي ليست نتصالح أو نتخاصم , وإنما هي في آليات تفكير ذوي الأحزاب والفئات والمدارس والتوجهات , ويتضح فيها أمراض فكرية ونفسية خطيرة تستدعي الوقوف عندها ومعالجتها قبل القفز إلى سراب المصالحة.
فلب المشكلة أن الجميع غير متصالح مع الوطن , ومتخاصم مع نفسه ومعتقده , وكل ما هو إنساني وحضاري معاصر.
فنحن أمام طبقة من المتنفذين المعزولين تماما عن مكانهم وزمانهم , ويعيشون في سرابات أوهامهم وإنحرافات رؤاهم , ويعتمدون على الآخرين في تدبير الشؤون.
فكيف يتصالح مَن لا إرادة عنده ولا قدرة على إتخاذ قرار بدون مباركة عليا؟!
هذه مشاكل مرعبة مبرمجة تسعى إلى إقتسام البلاد وليس لتقسيمها , وبموجبها سيكون التقسيم حلما , لأنه يكون بإرادة أهله , أما الإقتسام فيتحقق بإرادة الآخرين ووفقا لمصالحهم وتطلعاتهم الخفية.
ولكي نكون صادقين , لا بد من تصحيح الرؤى وإيجاد الثوابت المشتركة , التي بموجبها يمكن إنجاز أي تفاعل إيجابي قويم.
فهل هناك فهم مشترك للوطن والمواطنة والمواطن , وهل أن الإرادة حرة , وهل أن النفوس قد تشذبت وتطهرت من أوذان الرؤى السلبية والسلوك المنغلق؟
ليتصالح الجميع مع أنفسهم أولا , ومع أفكارهم ووطنهم ودينهم , ويوقظوا الإنسان الذي فيهم , قبل أن يترنموا بفرية المصالحة.
فصححوا أنفسكم أولا ومن ثم تحدثوا عن التصالح مع بعضكم!!
العلة في المتنفذين وليست في الشعب , وهم يعكسون ما فيهم على الشعب!!