23 ديسمبر، 2024 9:29 ص

قل “أسقط” ولا تقل “أوسط”!!

قل “أسقط” ولا تقل “أوسط”!!

تعوّدنا على سماع مصطلح “الشرق الأوسط” , كوصف لمنطقتنا ومضت التسمية لعقود , ويبدو أنها في مرحلة لفظ أنفاسها الأخيرة , وسيتم الإستعاضة عنها بتسمية “الشرق الأسقط”!!
فالمنطقة محكومة بثلاثة قوى إقليمية عظمى , حوّلت البلاد العربية إلى سوح وميادين لتصارعاتها وتجاذباتها وتوافقاتها , وهي متفاعلة ومتواصلة مع إرادات القوى العالمية الكبرى , فما يجري في المنطقة العربية يتحقق وفقا لتوازنات تفاعلية ما بين الدول الإقليمية الثلاثة القوية إقتصاديا وعسكريا , وبين القوى العالمية التي تتحرك بالمصالح والغايات والتطلعات , وما توفره من حمايات للقوى التي تريدها أن تكون مهيمنة ومتحكمة بمصير العرب.
والعرب يتعثرون ببعضهم البعض وينتقمون من بعضهم البعص , ووجدت القوى أن الدين هو الوسيلة التي تمحق العرب , فشجعت الأحزاب والحركات والنشاطات التمزيقية التفريقية , وساندت الطائفية والمذهبية والعنصرية , وجعلت من العربي عدوا شرسا للعربي , ومن المسلم ألد عدو للمسلم العربي , ووزعت التسميات والتوصيفات التي تبيح الفتك والدمار , وأسست المجاميع التي تنتهك حرمات الدين بالدين.
وفي هذه المحنة الإنقضاضية الفتاكة التي تنهال على الوجود العربي في كل مكان , تجد الحكومات العربية وقد أصبحت أدوات تنفيذ لمشاريع الآخرين المفترسين للوجود العربي , حيث يتحقق تدمير القوة العسكرية العربية بالتمام والكمال والقضاء على القدرة الإقتصادية والمعرفية والإنجازية والزراعية والعلمية والتربوية في العديد من الدول العربية , ودفع العرب إلى الرحيل والتشرد والتبدد في المجتمعات الأخرى , لكي تنمحق هويتهم وتضيع مميزاتهم وما يشير إليهم , ويبدو مصير العرب في أوطانهم كمصيرهم في بلاد الأندلس.
بل أن التجربة الأندلسية يمكن تطبيقها بأساليب أقسى وأفظع في بلاد العُرب أوطاني , ويمكن تمزيق العرب وفقا لآلياتها شر ممزق , وهذا ما يحصل ويدور منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم , بعد أن سمح العرب للأسود والوحوش أن تدخل إلى ديارهم وتعيث فيها فسادا وتدميرا , وتناثرهم إربا إربا.
وهكذا تجد العرب أينما إلتفتوا أو نظروا تواجههم أنياب مكشرة ومخالب متحفزة للنيل منهم وأكلهم حتى نخاع العظم , وفي هذا المعترك الفنائي المرعب تحول العرب إلى فرائس تفترس بعضها , وتقدم بعضها هدايا كالقوازي المحشية على موائد الولائم الإقليمية والعالمية , وهم يتفرجون على مآسي بعضهم البعض , وكأنهم يجهلون بأن الذي يقدم أخيه فريسة لأعدائه سيكون هو فريستهم القادمة.
وقد تحقق ذلك بوضوح عندما قدم العرب العراق لأعدائهم وتعاونوا معهم لإفتراسه والتنكيل به وتدميره وإحتلاله , فوجودوا أنفسهم بعد أقل من عقد في مأزق لا يحمدون عليه , وكل منهم ينادي “يا روحي” , وقد وقع في قبضة الذين تعاون معهم لقتل العراق.
واليوم يشهد العرب أخطر مراحل وجودهم عبر التأريخ القديم والحديث , لأنهم قد صعّروا وجودهم للآخرين ومرغوا جباههم بأوحال التبعية والإذعان والإعتماد على أعدائهم في تقرير مصيرهم , ففقدوا
مفردات وعناصر عزتهم وكرامتهم , وتميعت ذاتهم وإنتفى موضوعهم , وأصبحوا في غياهب الأيام متخبطين , ومعظمهم صار يتوسل ويستجدي العطف من أعدائه ويقدم خدماته الكاملة لقتل أخيه , لكي يرأف به مفترسه ولو لحين!!
فهل أن العرب قد سقطوا في حضيض سقر؟!!