التطرف ظاهرة أزلية أبدية مرافقة لجميع الظواهر الكونية , ولا تخلو حالة تحت الشمس من بعض التطرف بسلوكها.
والداعون للقضاء على التطرف يعرفون بأنهم يطاردون سرابا أو خيط دخان!!
التطرف موجود في البيت والمدرسة والشارع والأحزاب والأديان والفئات والتجمعات , ويظهر في العديد من الكتابات المنشورة في صحف الدنيا كافة.
فالتطرف مثل أي سلوك آخر يُرافق التفاعلات البشرية الجمعية , ولو درسنا سلوك أية مجموعة من الناس, لوجدناه يتفق ومنحى الإنتشار الطبيعي , الذي يشير إلى أن النسبة الغالبة هي حول منتصف المنحنى , وأن للمنحنى أطراف , والنسب التي تكون فيها تسمى متطرفة , أي أنها تقع على الأطراف بما يبدو منها ويتحقق في سلوكها.
فلو إخترنا بعشوائية حزبا أو تجمعا , لتبين لنا أن هناك عدد من المتطرفين , لكن السائد هو إرادة الأكثرية التي تتقارب بدرجات متفاوتة , حتى ليقترب بعضها من التطرف بإتجاهيه السلبي والإيجابي.
وعليه فأن التخلص من التطرف أمر لا يتفق وبديهيات الأمور!!
ترى لماذا يتم التطبيل لهذا الهدف المستحيل؟!
إن المشكلة ليست في التطرف , وإنما في الإستثمار بالتطرف , وضخه بقدرات وطاقات تؤهله لدفع منحنى الإنتشار الطبيعي إلى اليسار , مما يحقق إضطرابا وتعويقا لديناميكية إنسجام الحياة وتواصلها , كمياه النهر المنسابة في مجرى التيار المتحقق في زمنها ومكانها.
وما يحصل في مجتمعاتنا دفع للوجود الإنساني الإجتماعي إلى اليسار , وتدمير لآليات المنحنى المتناسقة المتماسكة المُحافِظة على شكل الجرس أو التل.
وهذا معناه أنّ القِوى تريد تحقيق آليات التفريط , التي ستجعل الناس يُفرّطون بكل شيئ يمثلهم ويعبّر عن هويتهم , وبهذا التفريط يتم إنجاز المَحق الحضاري , الذي سيدفع البشر في هذه الأماكن للتنازل عن كل شيئ , والنجاة بأرواحهم وحسب.
ويبدو أن ما يتحقق هو تنفيذ دقيق ومحسوب بعناية , للوصول إلى أقصى درجات التفريط بالوطن واللغة والتأريخ والدين , فيتحول البشر إلى موجودات فارغة تتناهبها رياح العواصف الإحتلالية وتلهو بها كما تشاء.
وهكذا فأن عِقد الوجود العربي الإسلامي سينفرط , وستتناثر حبات هويتنا تحت رايات وذرائع محاربة التطرف , ولو أريد تحييد التطرف لتم الإستثمار في المُعدل العام , وتوفير أسباب الحياة
الحرة الكريمة المعاصرة للأغلبية العظمى الساعية نحو الخير والمحبة والسلام , وهي تشكل نسبة (97.5) بالمئة من المجموع العام الذي يتم إهماله وتغيبه , وإختصاره بنسبة تقل عن (2.5) بالمئة , وهذا إعتداء سافر وتدمير للوجود الإنساني , وإستهداف فتاك لأعمدة الوجود الحضاري والبشري في المجتمع العربي والإسلامي.
فلماذا لا يتم تعزيز قدرات نسبة (97.5) من المجتمع , وتأهيلها للتعبير عن الحياة الحرة الكريمة , كما في البلدان المتقدمة , وأوطاننا فيها ما يكفي لبناء الحياة السعيدة لجميع أبنائها؟!
لماذا يتم إستثمار الثروات العربية الهائلة في تأهيل نسبة (2.5) من المجتمع لتدمير حياة ووجود نسبة (97.5) منه؟!!
هل لدينا جواب؟!
فتنبهوا واستفيقوا أيها العرب!!!