18 ديسمبر، 2024 7:52 م

قلها بيقين: عندي حلم!

قلها بيقين: عندي حلم!

يقول بدر حسون قبل ان اتعلم وأد الاحلام او دفنها، كنت متطرفا في احلامي وامنياتي.
ولا بد من التطرف في الاحلام والامنيات..
ومن المعيب ان تقف امام الله وتطلب منه شوية فلوس فهذا لا يليق بكرمه.
تطرّف قدر ما تستطيع في الطلب من الحياة، فمن المهين ان تذل نفسك بأمنيات هي ليست امنيات بقدر ما هي احتياجات طبيعية عند غالبية البشر.
واعرف اننا كعراقيين مررنا بمراحل كان حلم بعض العراقيين فيها ان يكون ولو كلبا سائبا كي يتخلص من رعب يسيطر عليه ويطارده.
يقول صديقي كتبت لي حبيبتي واختي الراحلة  ذات رعب:
اتمنى لو ان هناك طريقة نموت فيها حتى نتخلص من الموت!
وكنت اعرف سر هذه اللخبطة في الاحساس والتعبير فهي عرفت الكثير من اشكال الرعب وبضمنها رعب وجودها وحيدة بالسجن ..
كما يقول حسون  واتذكر جملة مليئة بالرعب قالها لي الفنان الراحل غانم بابان في دمشق..
فهو كان يحدثني عن مطاردة مرعبة شاهدها وتعرّض فيها شاب سوري للملاحقة من قبل سرايا الدفاع التابعة لرفعت الاسد اوائل الثمانينات.. وقال لي:
تمنيت لو ان سيارة مسرعة تأتي وتقتل الشاب حتى يتخلص مما ينتظره!
ولقد افرطنا كعراقيين في التطرف بإحساسنا بالخوف، وصرنا نخاف حتى مما لا يخيف..
بل اننا اعتدنا الخوف حتى من ضحكة تفلت منا فندعو الله ان ينجينا من شرها!
ولهذا اقول (للشباب والصبايا) تطرفوا في احلامكم وامنياتكم..
فأحلامكم وامنياتكم هي حياتكم الحقيقية (ولكن المؤجلة والموعودة).
وهذه الحياة لا تليق بكم ولن تغيروها دون تبني احلامكم الفردية ورعايتها مهما كان بؤس واقعكم.
وكل هذا العالم المذهل صنعه حالمون باحلام فردية.. افراد رعوا حلمهم وحولوه الى واقع.. ولم يستعيروا حلمهم من مجتمع يخاف حتى من الاحلام.
احلم وعش حتى في احلام اليقظة، فهذه الحياة التي نعيشها صغيرة وهي تناسب العبيد الذين اعتادوا ان لا يطلبوا من الدنيا سوى الستر وملء بطونهم باي طعام او كلام.
ولقد جعلتنا حياتنا القديمة عبيدا في واقعنا وفي احلامنا، فافنينا افضل ما في ارواحنا وعقولنا من مواهب ونحن نفكر في كيفية التخلص من اذى الشر المطلق المحيق بنا (حكم البعثيين) او كيف نتدبر لقمة اطفالنا في زمن الحصار الذي فرضه هو علينا؟!
وانا من جيل اعتاد التضحية بأحلامه الفردية، واستبدلها بأحلام الملايين من الضحايا وعاش حياته في اقصى درجات التوتر والانفعال..
وعندما صحوت على الم نغزة قاسية في قلبي وجهتها لي احلامي القديمة عرفت ان
الاحلام التي نتخلى عنها وننساها تقوم بمعاقبة من يتخلى عنها اشد العقاب!
نغزة نبهتني انني اقف وسط الضحايا، الذين حلمت حلمهم، غريبا ومطرودا من عالمهم القائم على تعلق اكثرهم بجلادهم او بمن يشبهه!
وكان احد احلامي الموؤودة هو انني سامسك يوما بعصا الغولف، واسترخي واركز ثم اضرب الكرة الصغيرة عاليا.
لكنني الان، وعندما احاول استعادة ذلك الحلم الفردي، ارى الكرة التي اضربها تطيش خارج المرعى الاخضر..
وهي حركة ساخرة ممن تذكر حلمه بعد فوات الاوان!