23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

قلنا للصوص أنكم (كواويد) ، فعاب علينا ذلك أصدقاؤنا

قلنا للصوص أنكم (كواويد) ، فعاب علينا ذلك أصدقاؤنا

(ردا على ما كتبه أحد الزملاء تعقيبا على مادة نشرتها على صفحتي في الفيس بوك)
في كل نازلةٍ، سيتخلى عنك العقلاء أيها المتمرد، سيرمون بوجهك – المعروق غضبا – كل اللوم والنصائح، سيجردون مساطرهم من غمدها ليثبتوا لك، أنك خارج الأطوال والمقاسات المألوفة، … أنك خارج (الآداب) العامة.
في كل النازلات، كان العقلاء يتثائبون فوق الأرائك الأخيرة في مقهىٍ كسول إعتاد المنظّرون إرتياده، يعرضون بضاعتهم ببليغ الكلام، ويتبارون على أحقية تعليق صورهم على جدران المقهى، لكنهم في دواخلهم ما انفكوا يتمنون على غيرهم (الأخذ بالمبادرة)، …. حتى إذا ما بدأ العصف، أخذ العقلاء مواقعهم الحصينة خلف زجاج النوافذ، سيجارة بيد وكوب شاي باليد الأخرى، يتطلعون الى مجانين الميدان، ينتظرون المآل ، يستبقون النتائج، ليروا أي نصيحة تليق بالحال.
بعد كل نازلةٍ، ستجد نفسك وراء القضبان، وسيضنُّ عليك هؤلاء (العقلاء) حتى بـ (لفة الفلافل) !!….
ألم تكفك كل تلك التجارب؟، ………. هل نسيت يوم تمرّدت على طغيان سلطات المعسكر، وكيف انفضّ الجمعُ من حولك، وكيف أنكروا عليك حتى شجاعتك، فانتهيت في محجرٍ دائم حتى إطلاق تسريحك من الجيش!!، يومها لم تجد الى جانبك سوى الكربلائي الجميل (عباس فاضل الجبوري)؟.
لم يزرك ولم يأتك أحد ……
لتفاجأ مساء بجنديٍ قادم من معسكر آخر، … غريبٌ لا تعرفه، لم تلتقِ به سابقا، لم تسأل حتى عن إسمه، حنّ عليك وربَتَ على كتفك، وقدم لك وجبة طعام وعلبة سجائر، مرت أسابيع قبل أن تعرف أن أسمه (عماد عبد اللطيف سالم)!!.. كان ذلك في العام 1976 !.
في كل النازلات، ستجد العقلاء أول من يبيعك مقابل تذكرة مسرح ليتمتع بمهرجية أنت بطلها المهزوم، سيعيـبون عليك (خروجك عن النسق العام)، سيقولون نهاية العرض : ما كان عليك كذا، وعيب أن تقول كذا، فالكذا الأصح هو كذا، كان عليك أن تستشيرنا قبل أن (تكذكذ) !!…
(كذّاذين) وكذابين ونهازي فرص (أقسم بروحك يا جيفارا)، عرفتهم مذ عرفت لؤم هذه الدنيا ودنائتها وزيفها وسلالمها المتعرجة كالنياسم ….    
في نواميس التمرد والعصيان، صمّ آذانك – أيها المتمرد – عن سماع مهاتر الكلام، من هذا الهتر أو ذاك، أو حتى من أصدقاء تكن لهم المودة.
في ناموس التمرد صمّ آذانك عن سماع ترهات العقلاء، وأفانيد بياعي الكلام، وأمض بإزميلك حفرا في الحجر، حتى لو كان هناك – على مرمى صوت منك – آذان يدعوك للصلاة !.
سيظن العقلاء أنك تسرق الأضواء منهم، فهم كعادتهم يتقنون فن المنافسة والمساومة والمفاضلة و(المناذلة) !!……….. فالنذالة لباس الأتقياء !.
في ناموس التمرد، يتمنى عليك خصومك أن تتعقل، سيحبونك إن تعقّـلت، سيثنوا عليك ويدعونك لمجالسهم ويقولون لك (ان الإختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية).
سيقولون ان الشتائم عيب، ولا تليق بالرجال، وان الطعن بالسمعة ليس من شيم (الأبطال)، ……… وسيخفون عنك أن التعقل هو (ماء بارد يُصب على قلوب اللصوص).
غيركَ صدّق هذا أيها المتمرد، فلا تصدّق أنت ذلك، (ألعن أبو القضية إذا كان الاختلاف مع لصوص لا يفسد الود معهم).
هؤلاء اللصوص سرقوا كل شيء منك، مالك وطعامك وسكنك وحريتك وكرامتك وحقوقك وفرصتك في الحياة الكريمة ….. فهل السرقة أقل عيبا من الشتيمة !!؟
هل كان السراق متحضرون ومؤدبون وهم يقومون بسرقاتهم؟… حتى يُطلب منك أن تكون  متحضرا ومؤدبا في معارضتهم وأثناء توجيه خطابك لهم؟
يوم الجمعة الماضية (26 تموز 2013 ) نشرتُ على صفحتي في الفيس بوك سبابا وشتائم وجهتها الى أعضاء البرلمان العراقي إثر نشر ميزانيتهم المالية، وبعد أن عيل صبرنا، ولعقيدتي أن الشتائم هي اللغة الوحيدة الباقية التي يفهمها اللصوص، فإستل أحد (العقلاء الجدد) مسطرته ليعلمني فن الاختلاف، وليعيب عليّ قسوتي في الكلام، واستخدامي للألفاظ (البذيئة) !!.
لا غرابة، ….. انه زمن الغرائب !!.
أتمنى على أصدقائي (العقلاء) أن ينظروا لنا بعين (الرأفة) تقديرا لما أكل الدهر منا وشرب، ولا يوجهوا لنا توبيخا لأننا خرجنا على آداب اللصوص.
بقي لي ثلاث ملاحظات أتمنى على (العقلاء) أن يعرفوها :
1 – في فلسفة اللغة، هناك من المواقف أو الحالات الإنسانية – سلبية أو إيجابية من الإثارة – ما يجعل اللغة غير قادرة عن التعبير عنها بما يوائمها، عاجزة عن التعبير عما يجيش في الصدر من مشاعر حب أو غضب أو احتجاج …..فتخرج عليها وتلجأ الى نغزات وألفاظ شعبية أو شتائم تلبي حاجتك.
2 – لمن لا يعرف ولم يطلع نقول : ان الكثير من المشاهير في مجالات الفلسفة والأدب والفنون والسياسة بل واللغويين أنفسهم ، عرف عنهم لسانهم الذرب وشتائمهم وتعليقاتهم (غير المؤدبة بحسب مقاسات العقلاء الجدد) ومنهم على سبيل المثال (سبينوزا، وسارتر، تولستوي وكامو، آيزنهاور وتشرشل وخروشيف وديغول ونوري السعيد، برناردشو ومعروف الرصافي والجواهري والنواب والماغوط، مصطفى جواد وعلى الوردي وفؤاد عباس) والقائمة طويلة جدا…..
وأجدني مضطرا لنقل الحكاية التالية، لأنها خير مثال على ما تحدثنا عليه (كان علامتنا اللغوي مصطفى جواد يتحدث في لقاء صحفي عن تجربته المعرفية وحياته الشخصية، وعندما كان يصف خلاف حصل بينه وبين مدير المدرسة يوم كان معلما قال : كان مديرا صلفا وشرسا، حاول ذات مرة أن يصفعني على وجهي، فضربته على رأسه بالقندرة !!…… سئل جواد بعدها لماذا إستخدمت لفظة (قندرة) وأنت فصيحنا اللغوي قال (لدي أكثر من عشر أسماء لما يلبسه الإنسان في قدمه، لكن جميعها  لا ترتقي الى وقع الاهانة مثل القندرة)!!.   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ختام، عليّ ان أشكر الشجعان على قلتهم (فالنوع عندي أهم من الكم)، أولئك الذين وافقوني على ما كتبت من شتائم، وأخص منهم عبد الزهرة زكي ونبيل جاسم وفرح الدوسكي .