23 ديسمبر، 2024 12:32 م

قلعة المالكي و منجنيق علاوي و مدافع ” نافارون “

قلعة المالكي و منجنيق علاوي و مدافع ” نافارون “

1- المالكي– ما المقصد ؟ ومن المقصود؟ 
قبل مايقرب من أربع سنوات أو نحوها ،زرت المنطقة الخضراء بدعوة من أحد الأقطاب السياسيين ، كان المالكي في “ربيع ” ولايته الأولى ،يقاتل بالأظافر والقبضتين من أجل تثبيت أركان ” الدولة” كما بدا يومها ، ولايُنكر على الرجل انه سار في ذلك خطوات ، أدّت بنتيجتها إلى حصوله على كتلة كبيرة وأصوات ظهرت بمثابة جدار عال يصعب اجتيازه .
بعد دخولنا المنطقة الخضراء ، سألنا عن المدخل الذي يمكنه إيصالنا إلى المكان المقصود ، فأجابنا عسكري شاب : هناك بعد مائة متر، إسالوا عن بوابة بني مالك .
كانت البوابة المذكورة هي المدخل إلى ” القصر المالكي ” الذي تلاحقت المعطيات والظروف ما قد تجعله قصراً ملكياً ، بعد ثبت صاحبه بالسلطة فأصبحت جزءاً منه . 
يومها كتبت موضوعاً بالعنوان ذاته ” بوابة بني مالك ” إقترحت فيه من باب الطرافة ، أن تعيّن لكل زعيم بوابة خاصة تسمى بإسمه مادام الجماعة على مايظهر ،تملّكوا فعلاً وصاحب  المُلك يورثه لمن يشاء – بعد عمر طويل – وعلى هذه الحيثية ، فهل من المستغرب ، أن رئيس الوزراء القادم بعد أبيه ، قد يكون نجله أحمد الذي كثرت الأحاديث عنه في الآونة الأخيرة ؟ .
إن ” حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية ” قالها المرحوم جمال عبد الناصر ، وفي المقابل منها يمكن القول : أن حرية السلطة، هي المقدمة الأولى للدكتاتورية ،ذلك لأن أولى ممهدات ظهور الدكتاتورية ،هي أن يتحوّل أشخاص في السلطة ، من وظيفة إلى ضرورة ،ومن ضرورة إلى ضرر ، فتنقلب الأمور تبعاً لذلك من سلطة القانون إلى تسلّط القوّة  ، ثم إلى طغيانها .    
في الأنظمة الديمقراطية عموماً، يُعتبر حجب الثقة عن الحكومة أو رئيسها أو أي من وزرائها ،إجراء طبيعي لا يوتّر الأجواء ولا يثير الزوابع ، خاصة بعد أن تعجز الحكومة عن تنفيذ برنامجها الذي من المفترض أنها نالت الثقة بناء عليه .
لكن مايحدث عندنا ، إن الحكومة أخُتصرت برئيسها ، وهو إعتصم بقلعة السلطة وواصل تحصينها وتمتين سياجاتها ومتاريسها ،بحيث باتت عصية على الإقتحام بعد أن تعددت خطوط الدفاع عنها وتشكلت مما يلي :
أ- قوات عسكرية مباشرة  تتكون من مجموعات مختارة تقودها نخبة من الضباط المرتبطين مباشرة بشخص رئيس الوزراء حصراً- وإن كان مدخله إلى ذلك بوابة الدستور ، باعتباره قائد عامّاً للقوات المسلحة  –
ب- حزب ينشط  بين الأوساط  الشعبية -الشيعية خصوصاً – لإظهار إن المالكي وحده ، هو من يضمن سلامة الشيعة واستمرار الحكم بأيديهم ، وإن أية محاولات لإزاحته ، تعني تهديداً مباشرة للشيعة واستجابة للأنظمة الخليجية ( على رأسها السعودية وقطر) وتركيا الأردوغانية .
ج:( ضيوف) دائمو الجهوزية للظهور في الفضائيات ، من أجل الترويج لمقولات تجد صدى بين الناس لطبيعة الأجواء التي تساعد على انتشارها ، خاصة وهي تحمل بعض مقادير من الحقيقة يمكن استغلالها والنسج عليها .
ح:لوبي نافذ يستمدّ حركته من دولة إقليمية مجاورة (إيران ) ترى في وجود شخص موثوق وقوي كالمالكي  ضمانة لحماية مصالحها الوطنية  – الداخلية منها أو الإقليمية.
وهكذا أقام المالكي قلعته للبقاء في السلطة إلى زمن قادم .
لكن الملاحظ أن الخطوط الدفاعية المتينة لتلك القلعة ،لم تشمل ( الرعايا ) من العراقيين البسطاء ، لذا بقيت أجسادهم تتناثر بفعل المفخخات مختلفة المصادر.
2- منجنيق علاوي وحجارته
أياد علاوي السياسي ” المنكوب ” بسياسته ، يستحضر بالذهن ذلك السياسي اللبناني الذي قيل إنه نظر إلى صورته حينما كان في مكتبه الفخم تحيطه الأبهة والنفوذ قبل أن تخذله السلطة وتبعده عن موقعه ، فأخذ يخاطب الصورة  قائلاً :
إشتقتلّك والله إشتقتلّك
والقلب بلهفة يحنلّك
لو ما الدنيا بتتعب روحي
لَ حمَلْت الدنيا ورحتلّك
القول بأن طموحات علاوي في منصب رئاسة الوزراء ، هي مشروعة بل ومحقّة إذا أُخذ بنظر الإعتبار أصول اللعبة الديمقراطية في بعض وجوهها دستورياً، لكن ذلك قد يدخل في كونه مجرّد مسألة اعتبارية لا أكثر ، أما الحقيقة ، فالمنصب صار إلى غيره  .
ورغم أن ذلك لايعني نهاية المطاف بالنسبة له ،إلا أن تصويب الأمور يحتاج إلى ذكاء سياسي لايبدو علاوي ومن حوله يمتلكون منه مايخوّلهم قلب الطاولة بأساليب ديمقراطية  .
لقد إرتكب علاوي وفريقه منذ ماقبل الأنتخابات النيابية الأخيرة ، سلسلة من الأخطاء ، فهو ” الزعيم ” الوحيد الذي جاهر بارتباطاته الخارجية بل وتباهى بها- خاصة مع دول الجوار العربية – وعلى ذلك ظهر كامتداد لمشاريع إقليمية كانت تهدف إلى تغيير الواقع العراقي باتجاه آخر ولصالح فئة دون غيرها ،ولأن كفاءته كانت دون المراهنة عليه ، فلم يستطع تثبت فوزه ومن ثم استثمار نتائجه في الوصول إلى تشكيل الحكومة ، ولا حافظ على زخمه النيابي والشعبي وحولّه إلى معارضة وطنية فاعلة انطلاقاً من الشعارات التي رفعها لتجاوز الطائفية ، لذا آلت  المحصلة إلى ” إحتراق ” علاوي داخلياً وانحسار دعمه خارجياً ، فقد تشتت جمعه النيابي بخروج مجموعة أطلقت على نفسها تسمية ذات مغزى” العراقية البيضاء” ربما كي تميّز نفسها عن ” الذنوب ” التي ارتكبتها القائمة الأمّ ( العراقية ) كما طالت الإنشقاقات حركة علاوي ذاتها ( الوفاق الوطني ) .
أما المراهنات الإقليمية – العربية التركية  – فقد باتت تبحث عن شخصيات أخرى أكثر فاعلية – شيعية كذلك – .
جُرّد علاوي من ” أسلحته ” الحديثة واحدة تلو الأخرى ، ولم يبق لديه سوى العودة الى سلاح المنجنيق ،يقصف به قلعة المالكي التي تتزايد قوّة أسوارها يوماً بعد يوم ،لعله يحدث فيها ثلمة ، لكن الحجارة التي يستخدمها، أظهرت إنها ليست بالصلابة الكافية ، لذا تحطّمت بهشاشة من دون إن تهزّ الأسوار ناهيك بثلمها.
إن علاوي قد لايكون ضعيفاً بما يكفي كي يخرج من ساحة السياسة ويكتفي بمخاطبة صورته كما فعل ذلك السياسي اللبناني ، لكن المالكي بات قوياً ربما بأكثر مما تحتمله الديمقراطية ، لذا بدأت تلوح في الأفق غيوم قد تكون أمطارها دكتاتورية جديدة ، فطعم السلطة كلحم البشر ، من يذقه مرّة يدمنه – استناداً إلى الكثير من تجارب الشعوب – .
3- مدافع نافارون
بطارية من المدافع الثقيلة ذات قدرة تدميرية كبيرة ، نصبها الألمان في ممر استراتيجي  ، لوقف تقدّم جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية .
القوى الكردية التي تفرض سيطرتها المطلقة على منطقة  إقليم كردستان – مازال نظرياً  جزءاً من العراق – تخشى أن تتقدم القوات العراقية – حسب التسمية الكردية المقصودة بذاتها – نحو مناطقها أو من تطالب بضّمها ” المناطق المتنازع عليها ” رغم ان تلك القوات تحمل صفة اتحادية ” فيدرالية “حسب الدستور ، وبالتالي يحقّ لها الإنتشار في أية منطقة من العراق كما هو معمول به في جميع الفيدراليات ، لكن الأمور وصلت حدّ إن مجرد اجتماع للحكومة (الفيدرالية) عقد في محافظة عراقية (كركوك ) ، إعتبر استفزازاً للكرد ، فيما الإقليم بأكمله مازال يطلق عليه “إقليم كردستان العراق ” .
ما العمل لصدّ زحف المالكي وردع ” استفزازاته” ؟
تشغيل مدافع ” نافارون ” بقصّف  سياسي مكثّف وضجيج مدو، لعلّ ذلك يؤدي إلى تهديم القلعة المالكية ومن ثم مجيء رئيس وزراء آخر يستجيب للمطالب النافارونية في التنازل عن مناطق التنازع وفي مقدمها كركوك وأخواتها .
 في هذا الصدد أشيع عن استعداد علاوي للتساوق مع الكرد إذا أزيح المالكي ، ورغم إن تسريبات على هذه الشاكلة ليست موثوقة ، لأن التحليل الواقعي للمشهد ، يشير إلى أن أحداً لايستطيع الإقدام على خطوة بهذا الحجم والحساسية ، وإن تلك المناطق ستبقى تحمل صفة ” متنازع عليها ” إلى زمن غير منظور ، الإ أنه كلام قد يكون موضوعياً وليس واقعياً، أي انه يحمل إمكانات تحققه ،لكن العقبات الكبيرة أمامه ، تمنع من جعله واقعاً، وهنا الفارق بين المحتمل والواقع – كماء جاء في مقالة سابقة – .
وكما لم يستطع منجنيق علاوي فعل شيء للقلعة المالكية ، كذلك أخفقت مدافع “نافارون  ” الكردية ، لكن القلعة لم تكتف بالبقاء على ماهي عليه بعد أن تراجعت الأصوات المطالبة بإخراج صاحبها ،بل زادها (القصف)  قوّة ،فالكرد أصحاب مطالب خاصّة – هكذا ظهورا وهكذ أعلنوا – أما ” العراقية ” وعلاوي ، فلم يتقدموا خطوة باتجاه طرح وطني جديد ، بل انتكسوا وتخبطوّا بممارساتهم كما في تصريحاتهم ، بعضهم واصل دعم العنف كالهاشمي ، فدافعت عنه بقية الكتلة ولم يخرج من بينها صوت يطالب بمحاكمة كلّ من يتورط بالعنف بمن فيهم المذكور ،وتحدّث المطلك عن دكتاتورية المالكي ثم تراجع ثم أكدّ وهكذا ، وزعل رافع العيساوي وبعض وزراء ” العراقية ”  ثم عادوا ،أما علاوي فواصل الصمت والكلام ، فلانفع الكلام ولا الصمت ، فيما أصبحت إطلالات حيدر الملّا وميسون الدمولجي، موضع تندّر ،  وهكذا أجهضت محاولات الطرفين – الكردستاني والعراقية – في جمع العدد اللازم لسحب الثقة عن المالكي .
الطرف الثالث الذي كان يؤمل فيه ترجيح الكفّة – التيار الصدري – خاصة بعد أن قدّم  نفسه باعتباره ” بيضة القبان “-  ظهر كمن يتسلح ببنادق صيد ،معتقداً بأن حمامات المالكي باتت في المتناول ،لكن تلك المناورة وإن كانت ضرورية لهزّ طمأنينة الأخير وعرقلة إندفاعه ،الإ ان الصدريين لم يجدوا الوسائل الناجعة لنشر آرائهم أو تقديم مشروعهم كبديل وطني لقطع الطريق على دكتاتورية تتشكل ، لذا قد تكون لموقفهم المذكور، إنعكاسات تؤثر على شعبيتهم وطموحاتهم اللاحقة ، فقد كشفوا نقاط قوّتهم ولعبوا بأكثر أوراقهم المعوّل عليها ،لكن الضربة المندفعة حينما لاتصيب ، قد تخلّ في توازن صاحبها ، إلا أن  زمام الأمور لم يفلت من يد الصدريين بعد، فما زال في جعبتهم ما يمكن استخدامه ، وأهمّه المبادرة بتكوين معارضة تستند على فشل الكثير من وعود المالكي وعدم الإلتزام بالإتفاقات والفساد وغيرها من القضايا  .