شوفوا هذا التضاد العظيم ، وجبل العواطف المتعاركة ، الذي ننام عليه ، وربما تنامون . بعد أزيد من أربعين سنة من حكم آل الأسد ، سوريا ، تذكّرت العرب العاربة والمستعربة وما بينهما ، أنّ بلاد الشام محكومة من قبل أقلية شيعية ، بمواجهة أغلبية سنّية . عندما تضامنت سوريا الأسد مع إيران الخميني ، في حربه القذرة الباطلة الطائفية المجنونة ضد العراق ، كانت العربان تنام على صمت مريب . ذهبت سوريا إلى مطبخ حفر الباطن الجائف ، وتشكّل مزاد ” إثنان زائد ستة ” والعرب على نومتهم يرتاحون . عندما حاصر الوحوش أبناء الهمج الأمريكان بلاد الرافدين ، وأنتجوا أعظم مقبرة جماعية فوق أرضها ، كان بمستطاع سوريا الأسد ، أن تصنع الكثير من أجل خلق ثلمة في جدر الحصار ، إلا أنها لم تفعل ، بل واصلت لعبتها الإنتهازية ، واحتضنت كل أصناف وأنواع المعارضة العراقية ، فقط من أجل إسقاط رجل واحد اسمه صدام حسين ، وإنْ كلّف الأمر حيوات ربع العراقيين . سوريا ” القومية ” طالبت العراق بزيادة النسبة الضريبية على مرور نفطه عبر أرض الشام ، مباشرة بعد قرار العراق تأميم النفط ، وبعد سنة من هذا الموقف المشين ، وقعت حرب تشرين عام 1973 فأرسل العراق خيرة صنوف جيشه البطل ، ليعين السوريين ضد الإسرائيليين ، وليحمي دمشق من سقوط وشيك . سوريا الأسد رفضت كل مبادرة صلح مع العراق ، إقترحها قوميون وإسلاميون ويساريون ، من أجل تخفيف الحمل عن ظهر البلاد المكسور بثقل الهمجية والدونية الأمريكية الحديثة . ثمة الكثير مما يمكن أن يقال ويكتب في باب الغصة تلك ، وقد نعود إليها في مكتوب آخر وهذا أمرٌ هام ، لكن ثمة أمر لا يقلّ أهمية عنه ، وينبغي تمحيصه وتحميصه وإجلاسه مجلس صدق معلن ، تراه الرعية من دون غفلة أو خديعة ألكترونية معتبرة ، ألا وهو أنّ العمائم واللحى المتهتكة التي كفّرت نظام الأسد ، وأفتت بالجهاد في أرض الشام ، تحت ذريعة طائفية سخيفة . زرتُ دمشق قبل خرابها سبع مرات ، فوجدتها كما انولدت في مخّي أوّل مرة . سيدة أموية حلوة مذهلة ، تمشي الهوينى ، فتتعطر الدروب والحارات والحانات بزخّة ياسمين . إرتقيتُ جبل قاسيون ، فوجدت المدللة دلال شمالي على وقفتها تجوّدْ : من قاسيون أُطلُّ يا وطني ، فأرى بغدادَ تعانقُ الشُهبا . ألسيدة دمشق حلوة وطيبة ومعطار ، أينما حللت وتعلقت بأحد أذيالها ، مثل طفل عيد مشاكس يتمرجح بعباءة أمٍّ رحوم . من سوق الحميدية وختمته جامع بني أمية الذي إن دخلته ، فسوف تختلط في إذنيك ، ترتيلات مقددة صحبة رقصة خيل وقعقعة صفاح بيض . في مقهى الروضة ، حيث قعدة الكائن الرافديني الحميم لبيد أبو حالوب ، بمستطاعك أن تبوس الشام من كلِّها ، وتنسى أن ثمة تمثال متصخّر في الجوار ، يرقبك بعنف . لم تكن دمشق شيعية ، كما اكتشف الأوغاد بعد نومة أربعين سنة ، ولا سنّية ولا مسيحية ، وأزيد الظنّ أنّ دكتاتورها الداهية ، لم يكن يريدها أن تصبح كذلك ، وفضّل التسبيح والشغل وفق نظرية ” شعرة معاوية ” أول براغماتية متطورة في التاريخ الأجدد . أما نهير بردى ، فلقد وجدت القوم والحاكم ، يزقّونه بممصوصات ما تيسر من ماء فائض عند المبتعدات ، كي لا تخرج روحه من خشمه . أمريكا التي لم تشبع من دماء العراقيين ، تريد تحطيم الكرة الأرضية كلها ، من أجل نظرية عنصرية حرامية قذرة نازية دونية شاذة أسمها الفوضى الخلاقة . بفوضى أمريكا القحبة ، صار بمقدورنا أن نرى وحشاً على صورة بشر ، يمثّل بجثة أخيه في الدين ونظيره في الخلق ، فيُخرج قلبه ويأكله ، متلذذاً بسحل واقعة وقعت وبادت قبل أربعة عشر قرناً . أمريكا وإسرائيل تتطارحان الآن في مخدع المتعة ، وترنّان الكأس بالكأس ، في صحة حرب شيعية سنية أفتى بها ، مقمّلون مقطّمون ، ينام واحدهم فوق خزنة ذهب عملاقة ، وعشيرة نساء . عربان يمنعون نساءهم من سياقة سيارة ، وترشح لإنتخابات ، وقيادة عشرة رجال ، ورعيتهم حرام عليها التظاهر والإعتراض على الحاكم ، ووعاظهم تفتي بالجهاد في الشام ، وتتفرّج على فلسطين الشهيدة المنكوبة . لا نقول هزلت وربّ الكعبة ، لأنها خربانة من زمان . لعنة ألله ورسله وملائكته والبشر أجمعين ، على النذلة أمريكا التي إذا دخلت بلدةً ، أمرضتها وخرّبتها ونهبتها وأهانتها . إصحوا أيها الناس … إصحوا رجاءً .
[email protected]