18 ديسمبر، 2024 10:59 م

قطّاع الصناعة في العراق(مشاكل وحلول)

قطّاع الصناعة في العراق(مشاكل وحلول)

مقدّمة:

يعاني قطّاع الصناعة في العراق مابعد عام 2003 واقعاً متردياً في جميع مفاصله وشلل شبه تام لجميع المنشآت الصناعية والمصانع الكبيرة والمعامل الصغيرة للقطاعين الحكومي والخاص، بعد أن كانت صناعتنا الوطنية مزدهرة ومتطورة ومواكبة بقدر مقبول لآخر التطورات التكنلوجية على الرغم من الحصار الإقتصادي الذي تم فرضه على العراق ولسنوات طويلة والحروب المدّمرة التي خاضها العراق لعقود نتيجة الممارسات الخاطئة للنظام السابق والتي تركت آثار مدمّرة على الإقتصاد العراقي ،ولكن مع كل هذه الظروف وغيرها والتي مرّت على العراق كانت عجلة الصناعة العراقية تدور وآلات مصانع القطاع الحكومي والخاص تعمل وتنتج السلع والبضائع التي تحمل جودة كبيرة وضمن المواصفات التي وضعت من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية.

فماذا حدث للصناعة العراقية ؟ ولماذا أصبحت من القطاعات المستهلكة ؟ ولماذا أصبحت عالة على الإقتصاد العراقي وعلى الميزانية بعد أن كانت إيراداتها تمثل 14% من الناتج القومي؟ولماذا أصبح الآلاف من منتسبيها يتلقون رواتبهم من وزارة المالية وعلى شكل قروض تحتسب على وزارة الصناعة بعد ماكنت وزارة الصناعة تكتفي ذاتياً وتساهم برفد الميزانية العامة بايرادات كبيرة؟

أسباب فشل القطاع الصناعي:

1. دور الاحتلال الذي قام بتدمير جميع البنى التحتية للقطاع الصناعي وخاصة المنشآت العملاقة والمصانع الكبيرة وحتى المعامل الصغيرة وذلك لتحقيق أهدافه بجعل العراق تابعاً مطيعاً لتنفيذ أهدافه وأجنداته الاستعمارية.

2. تبوأ القيادات غير الكفوءة على رأس القرار في القطاع الصناعي وذلك بسبب مبدأ المحاصصة الطائفية التي تجري بها العملية السياسية في البلاد والتي تم طبيقها في جميع مفاصل المؤسسات الحكومية والتي وصلت حتى الى المناصب الصغيرة وبذلك تم استبعاد الكفاءات العلمية والتي تمتلك الخبرة الطويلة في مجال الصناعة.

3. تردي الوضع الأمني في البلاد والذي أثّر تأثيراً مباشراً على جميع قطاعات الاقتصاد العراقي ومنها الصناعة حيث أدى الى تردي هذا القطاع الحيوي وتأخره بشكل واضح.

4. انتشار الفساد وبشكل كبير جداً وفي جميع مؤسسات الدولة ومنها وزارة الصناعة وغياب الرادع القانوني والإجراءات الصارمة لمحاربة المفسدين والمتورطين وذلك بسبب المحاباة والمجاملات السياسية بين الكتل المشتركة في العملية السياسية.

5. استهداف الكفاءات العلمية والتي تتمتع بالخبرات العلمية وخاصة في مجال الصناعة وكان الاستهداف على شكل قتل وتهجير وتهديد وطرد وإحالة على التقاعد.

6. إهمال إعادة تأهيل المنشآت الصناعية الكبيرة والمصانع والمعامل والتي طالها التدمير والنهب والتي تعتبر عماد الصناعة العراقية.

7. عدم الإهتمام بمجال البحث العلمي الذي يعتبر من أهم العوامل للنهوض بالقطاع الصناعي وتطويره وفق أحدث التطورات التكنلوجية في العالم وعدم وضع التخصيصات الكافية للبحث العلمي, وعدم احتضان الكفاءات العلمية المتميزة وحمايتها من الإغراءات الخارجية من البلدان الأخرى التي تعمل على احتضانهم والاستفادة من عقولهم.

8. عدم حماية الصناعة الوطنية والمنتجات المحلية من المنافسة مع مثيلاتها المستوردة وفتح أبواب الحدود على مصاريعها أمام الاستيراد العشوائي لجميع أنواع السلع الرديئة في ظل شبه غياب لدور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وغياب القوانين والتشريعات التي تنظم العملية الاستيرادية في البلاد؟

9. ضعف دور الاستثمار في الجانب الصناعي وعدم وجود تخطيط استثماري حقيقي للنهوض بهذا القطاع الحيوي حيث يقتصر الاستثمار على قطاعات معينة مثل السكن والخدمات والكهرباء والنفط والجانب الصحي والخدمات.

10. ضعف السلطة التشريعية في البلد وإهمال دورها في إصدار التشريعات والقوانين التي تساهم بالنهوض باقتصاد البلد بشكل عام والقطاع الصناعي بشكل خاص وذلك بسبب التجاذبات السياسية والمصالح الحزبية والفئوية ما أدى الى زيادة التدهور في حالة الصناعة العراقية.

11. إهمال معظم القوانين والتشريعات السابقة التي تنظم عمل القطاع الصناعي في البلد وعدم استبدالها بأخرى بديلة عنها.

12. الإهمال الحكومي الواضح للقطاع الخاص في البلاد وخاصة المتخصص في المجال الصناعي وعدم تقديم الدعم المالي والفني والاستشاري وعدم التعامل مع هذا القطاع كشريك أساسي مع القطاع العام للنهوض بالواقع المتردي للصناعة العراقية.

الحلول الكفيلة بالنهوض بالقطاع الصناعي العراقي:

يجب على السلطة التشريعية والتنفيذية ووزارة الصناعة القيام بتبني مجموعة من الحلول لغرض النهوض بالواقع المتردي للقطاع الصناعي في العراق وتحقيق التنمية المستدامة لهذا القطاع الحيوي لأخذ دوره الحقيقي في رفد الإقتصاد العراقي والدخل القومي بإيرادات كبيرة وتحويله من قطاع مستهلك الى منتج يساهم في انعاش الاقتصاد العراقي وأهم هذه الحلول هي:

1. إختيار الكفاءات العلمية والتي لديها الخبرة الطويلة في المجال الصناعي ووضعها في المناصب القيادية لإدارة هذا القطاع الحيوي بعيداً عن التقسيمات السياسية التي تحكمها المصالح الحزبية والطائفية الضيّقة.

2. الإسراع بوضع خطط تنموية وعلى أساس علمي سليم للنهوض بالقطاع الصناعي وبأنواعها الثلاثة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد ومراعاة مبدأ التعشيق بين هذه الخطط عند التطبيق بحيث تكون إحداها مكمّلة للأخرى.

3. العمل الحقيقي وبٍنيّة صادقة على سرعة إعادة تأهيل المنشآت والمصانع والمعامل الحكومية وإعادة زج الخبرات الكفوءة من الأيدي العاملة(المعطّلة حالياً) في هذه العملية ويمكن زجّهم بدورات علمية تطويرية خارج البلد لمواكبة آخر التطورات العلمية في جميع مجالات الصناعة.

4. العمل بجد للقضاء على جميع حلقات الفساد في المؤسسات الحكومية وخاصة التابعة لوزارة الصناعة وذلك من خلال تفعيل القوانين والإجراءات الصارمة التي تحُدّ من استفحال هذا الوباء الفتّاك وكذلك من خلال تحقيق استقلالية تامة للقضاء العراقي وإبعاده عن التأثيرات السياسية.

5. تشريع وسنّ قوانين جديدة وتعديل القوانين الملغاة والخاصة بتنظيم جميع حلقات عمل القطاع الصناعي في البلاد.

6. تفعيل عمل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وتقديم الدعم الكامل له وبأنواعه المادي والفني والبشري والقانوني ومنحه السلطات الرقابية الكاملة على عمل جميع الوزارات والمؤسسات إضافة للقطاع الخاص ليتم فرض الرقابة الكاملة والصارمة على العملية الاستيرادية برمتّها.

7. تفعيل قوانين التعرفة الكمركية وبشكل علمي مدروس يأخذ بنظر الاعتبار الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تم الاتفاق عليها بين الدول ضمن منظمات التجارة العالمية والعربية لتحقيق التوافق بين المصالح التجارية للعراق وحماية الصناعة المحلية والمنتوجات الوطنية وبآلية محكمة تضمن عدم ارتفاع الأسعار على المواطن البسيط وخاصة فيما يخص السلع والبضائع الضرورية في حياته.

8. دعم واحتضان القطاع الخاص والتعامل معه كشريك وليس منافس وتقديم جميع أنواع الدعم والتسهيلات له وتحقيق مبدأ التزاوج بينه وبين القطاع العام وتوجيهه مركزياً بتنفيذ المشاريع الصناعية الصغيرة وتفريغ القطاع العام للمشاريع الاستراتيجية الكبيرة والمشاريع المتوسطة والتي تفوق امكانيات القطاع الخاص.

9. وضع خارطة استثمارية حقيقية عامة لجميع محافظات العراق وبالتنسيق بين وزارة التخطيط والهيئة الوطنية للاستثمار وعدم فسح المجال أمام المحافظات بالاستثمار العشوائي خاصة في المجال الصناعي لأنه قد تكون نتائجه سلبية على الإقتصاد الوطني خاصة في عملية تكرار نفس المشاريع الصناعية في عدة محافظات بما يزيد عن الحاجة الفعلية المحلية ما يؤثر على الميزانية العامة للدولة.

10. التعاون بين الحكومة والبرلمان والكتل السياسية على تحسين الوضع الأمني لجعل العراق بيئة اقتصادية واستثمارية آمنة تعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية والعربية لغرض تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبيرة وخاصة الصناعية منها والتي تحقق تنمية مستدامة للاقتصاد العراقي.

11. إصدار تعليمات للوزارات والمؤسسات تلزمها بشراء احتياجاتها من السلع والبضائع من المصادر الوطنية وعدم السماح لها بالستيراد من خارج العراق لأي سلعة موجودة في

البلاد ومثال على ذلك منتجات المنشأة العامة للصناعات الجلدية وغيرها من الصناعات الرائدة في العراق .

12. الاهتمام الحقيقي بجانب البحث العلمي ورعاية الكفاءات والعقول العلمية وخاصة التي تتخصص في مجال الصناعة واحتضانها وتقديم جميع انواع الرعاية والدعم المادي والمعنوي وتوفير كافة مستلزمات البحث العلمي لها للاستفادة من نتائج هذه البحوث في تطوير القطاع الصناعي في البلد لأن هناك قاعدة عالمية معروفة يتم بموجبها قياس رُقي البلدان بمقدار التخصيصات لمجال البحث العلمي .

*باحث ورئيس تحرير مجلة نور الاقتصادية