حدثني زميل لي يعمل في أحدى شركات وزارة النفط بعد أن عاتبته على عدم ألتزامه بموعد لقاءنا الأبدي في مقهى الشابندر˛ وهذا اللقاء المتجدد منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ونيف˛ بعد أن تعرفنا صدفة ونحن بصحبة الكتب. فقد كان هو طالب في كلية التقنيات الهندسية / الزعفرانية˛ وأنا طالب في كلية الهندسة / جامعة بغداد. بيننا مشتركات عدة فكلانا يدرس أختصاص هندسة المساحة˛ ومولعين بالسياسة وقراءة التاريخ.
ولكن فرقنا موقع العمل فهو يعمل في وزارة النفط˛ وأنا أعمل في وزارة النقل. فأبى حرف النون أن نفترق. وكان جوابه على عتبي أنه قام بأجراء كشف موقعي˛ بصحبة مساحين من أحدى الشعب الزراعية. فتسألت عن سبب أجراء الكشف في يوم الجمعة فقال: «أن الكشف كان بنية تخصيص أرض سكنية لموظفي شركتنا˛ وسبب أختيار يوم الجمعة حتى لا يثيروا تسأولات سماسرة الأرض في دائرتهم˛ وفي دوائر أخرى بل وحتى المتعاملين بتجارة العقارات.» عند تلك الحظة شكرته.
فكان رد فعله الضحك وبصوت عالٍ وبشكل غريب!! فقلت له:«لماذا الضحك؟!» فقال: «أن تلك القطعة تم تخصيصها لثلاث جهات وبفترات زمنية مختلفة» فقلت كيف: «فقال تعود عائديتها سابقاً لوزارة الدفاع والتي تسعى حالياً لأنشاء معسكرات ثابته˛ وتم تخصيص أجزاء منها لمشروعين أستثمارين وقام أحد المستثمرين بالمباشرة بأعماله˛ كم تم تخصيصها أيضاً لوزارة التعليم العالي». فقلت له و علامات التعجب تأخذ مني كل مأخذ:«يالله كيف حدث ذلك؟!» وأعقبتها بسؤال: «وما هذه التصريحات التي أطلقها عدة مسؤولين حول توزيع قطع سكنية؟!» فقال والحيرة بادية عليه: «ليتني أعرف!».
عند تلك اللحظة أدركت حقيقة مفادها أن عملية معالجة أزمة السكن يجب أن يتم من خلال أتخاذ خطوة علمية مدروسة˛ وهي: تأسيس مؤسسة بدرجة مديرية عامة تسمى مديرية الأستثمار السكني ترتبط بهيأة الأستثمار˛ وتقوم بأبرام معاهدات وبروتوكولات˛ مع المالية˛ ووزارة التخطيط ˛ووزارة البلديات والأسكان والأشغال العامة˛ وزراعة والدفاع˛ وهيأة المساحة وهذه المعاهدات تتمخض عنها حصر الأراضي الشاغلة والتي بعضها مخصص لوزارة الدفاع أو غيرها من المؤسسات وكيفية توفير خدمات البنى التحتية ˛لها من ماء وطرق وصرف صحي وكهرباء.
وهذه المؤسسة تتعاقد مع الوزرات الأخرى أو النقابات لتوفير سكن ملائم للمواطنين أخذين بنظر الأعتبار عدم الأضرار أو التأثير سلباً على الزراعة في العراق أو على الأستثمار بقطاعات أخرى وكون السكن عمودي أضافة نقطة جوهرية وهي دخل الفرد بتصميم الوحدة السكنية فأغلب مشاريع السكن الأستثمارية التي تم أنشائها صممت وبيعت لأصحاب الدخول العالية! أن الحكومة الحالية التي تبنت عدة مبادرات˛ منها تعديل قانون سلم الرواتب وهي ألتفاته رائعة منها˛ ولكن هناك مشكلة لابد من حلها قبل مشكلة الفقر.
فحتى يمكن معالجة أفة الفقر˛ لابد من معالجة أزمة السكن التي تجثم على صدور العراقيين وتستزف مدخولاتهم المالية˛ فمع كل زيادة تزداد في الرواتب˛ ترتفع أسعار السلع والخدمات˛ ومنها أسعار بدل أيجارات المساكن والشقق. أضافة إلى مايحققه الأستثمار العقاري من تشغيل لفرص عمل كثيرة˛ سواء في المشاريع ذاتها˛ أو في مشاريع البنى التحتية والخدمات العامة˛ التي تحتاج إليه تلك المجمعات بعد أنشائها.