بعض القراءات تذهب بعيداً لتربط الخلاف السعودي-القطري بالإنقلاب الذي قاده حمد بن خليفة ضد والده في العام 1995, والحقيقة أنّ الخلاف بين الدولتين يعود إلى نزاع حول تأسيس قطر, وبالتالي لا يمكن تسبيب الأزمة الخليجية بمسببات وجذور تاريخية, كما لا يمكن نفي حالة فقدان الثقة نتيجة تلك الأحداث, مع أنّ ضعف الثقة التي تحكم العلاقات الدولية هي حالة طبيعية حتى بين الأصدقاء.
تفاعلات التحشيد السعودي ضدّ قطر, بدأت تأخذ أبعاد جديدة, والحديث بها صار يتضمّن سيناريو الحرب. طريقة قطع العلاقة هي عبارة عن حصار واضح ضد الدوحة, يشبه حصار الدول المتحاربة, لكنّ أنباء اليوم تحكي عن قوات وجيوش تُحرك وتتحرك, فهل سخونة الخليج أقتربت من لحظة الإنفجار, ولماذا؟
تبرير الهزيمة..!
السعودية التي نراها اليوم تخوض المؤتمرات والخصومات, هي ذاتها السعودية التي تحارب قوات غير نظامية لا تمتلك تسليح جيد في بلد فقير ومنهك, ومنذ أكثر من سنتين لم تحسم الأمر, وما كان لحزمها إلا حرج كبير وقعت به دولة تتطلع للزعامة وتمتلك ترسانة أسلحة ضخمة, ولها أرصدة وميزانيات قادرة على شراء نصف الدنيا, ومع ذلك فالحرب مستمرة, والحوثيون يقاتلون ويفاوضون فصاروا نداً للمملكة, وهنا لابدّ للرياض أنّ تبرّر هذه النتيجة والتي تعد هزيمة لها, فكانت إيران ودعمها للحوثيين ثم قطر هو التبرير غير المباشر لموقف المملكة أو في الحقيقة لقرار محمد بن سلمان الحاكم.. تجدر الإشارة إلى أنّ إدعاءات الدعم الإيراني والقطري للحوثيين تبطل عندما تقول السعودية بأنّ ترسانتها أضخم ترسانة في المنطقة بصورة عامة, فماذا يمكن أن تقدمه إيران لليمن ليوقف تلك الطائرات والأسلحة السعودية؟!.. وفي حديث الحرب ضد قطر, فرغم وجود هكذا سيناريو, غير أنّه ضعيف وأن حدث فسيكون؛ إما ضربة تأديبية للدوحة, والسعودية ومن خلفها أمريكا, لا تفكر أبعد من هكذا خيار, لكن يمكن أن تبدأ الرياض مشروع, غير أنّ نهايته ليست من صلاحياتها.
ترمب: نريد ضحية!
السعودية وقطر كلاهما متهم بدعم الإرهاب, وأمريكا تعرف أكثر من غيرها بأنّ السعودية تتفوّق على قطر, على إعتبار أنّ الأولى مكان ملائم لمنظري الإرهاب, فهي التي تتعبد بمذهب حليف مؤسسها. وبما أنّ المملكة هي العراب للتواجد الأمريكي في المنطقة والذي جاء عبر زيارة ترمب وفريقه, فلا يمكن إدراج إسمها على لائحة المرشحين لإرادة البيت الأبيض, فالشريك الآخر في دعم الإرهاب -قطر- ولإسباب كثيرة منها: خصومتها مع مصر الحليف الأهم للسعودية, صغر حجم قطر وسهولة تضييق الخناق عليها, عدم وجود أسم آخر مقنع غير قطر أو السعودية لتكون متهمة بشكل رسمي بدعم الإرهاب, فكانت هي الضحية التي ستعود بالمملكة كدولة غير متهمة بالتطرف وذات طابع مدني بعيد عن الإرهاب, وهذه المواصفات ضرورية بالنسبة لرئيس أمريكا بغية إتمام صفقاته معها.
أهكذا تدار الأمور في الخليج؟!
بالتأكيد تلك المعطيات لا يمكن أن تكون كافية أو مقبولة أمام الشعوب لدخول هكذا أزمة, فما يميّز قطر عن غيرها هو السبب الكامن وراء الإنتقام السعودي.. فقطر تشاكس وتنافس السعودية في مناطق نفوذها, كما أنّ قطر أقرب للإخوان المسلمين منها للوهابية على مستوى العقيدة, وتمتع قطر بقدر كبير من الحرية في قرارها السياسي, ورب قائل يقول بأنّ سلطنة عمان أو الكويت تتمتع بإستقلال سياسي أيضاً, والحقيقة أنّ الرياض لو ثنيت لها الوسادة لإنقضّت على الدول الثلات في آن واحد, بيد أنّ الأسباب في موضوع قطر مكتملة, فلا يمكن مثلاً تقديم دليل واحد ضد الكويت بمجال دعم الإرهاب.. أيضاً لما تمثله قطر من أرق للسعودية عبر محطاتها الإعلامية, مرئية ومقروءة؛ فتلك المشاكسة والإستهداف الإعلامي والخلاف العقدي, فضلاً عن ملفات تاريخية تم تحديثها, أسباب كافية لإقناع الشعب السعودي مثلاً.
عوامل ذكرت وغيرها, تفاعلت وسط رغبة ملحّة في تغيير قواعد اللعبة في المنطقة, غير أنّ الوسيلة التي إختارتها إدارة ترمب ما زالت غير كفوءة بإحداث ذلك التغيير, وما هي سوى تجربة, قد تفشل أو تدمّر ساحة المختبر! (ويستمر الحديث)