18 ديسمبر، 2024 8:09 م

قطر أخوان: هل تنجح “الدوحة” وحدها في جر قاطرة الإسلام السياسي؟!!

قطر أخوان: هل تنجح “الدوحة” وحدها في جر قاطرة الإسلام السياسي؟!!

” دول الخليج تملك امكانات تؤهلها كي تصنع من الفسيخ شربات ..
لكنها اختارت ان تصنع من الشربات فسيخا”
الصراع الخليجي الذي تصاعد في اعقاب ثورات الربيع وخصوصا بعد اسقاط حكم الاخوان في مصر بما أثاره من غبار وأحدث من لغط هو في الواقع ليس الا جزء من عملية كبيرة محكمة وذكية هدفها نقل محور الصراع من كونه صراع طرفاه الديمقراطيين من جهة والاسلاميين من الثانية ومسرحه مجمل دول المنطقة .. نقله وتصويره علي انه صراع بين السعودية والامارات و مصر.. الخ من جهة وقطر و تركيا و ايران من الثانية! ومسرحه الخليج، وبالتالي تصويره علي انه صراع يهم الأسر الحاكمة الخليجية و الانظمة المتحالفة معها فقط، ومن ثم يتحول جميع المتبقين الي مجرد متفرجين ومتعاطفين وذلك تمهيدا لتسوية الصراع “المتوهم” بين تلك الاطراف علي طريقة “لا غالب ولا مغلوب”..
ولإنجاح ذلك المخطط تم أولا إختزال الحراك الذي أسفر عنه الربيع الي صراع مصغر داخل مصر بين الجهاز البروقراطي للدولة المصرية “جيش وقضاء..” من جانب وأخوان مصر من جانب آخر وبالتالي تحييد كل الفاعلين السياسيين في مصر (حركات ديمقراطية-شبابية- وحتي الحركات الاسلامية والسلفية التي ليست علي وفاق تام مع الاخوان).
هذه العملية “التزييف” وان كانت في قسم منها تتم لصالح الانظمة الخليجية و انظمة حليفة الا ان لها بعد دولي، فالأنظمة الخليجية “امنية وسياسية” ليست لها من الدربة والحنكة ما يؤهلها للتخطيط لمثل هذه العمليات المعقدة سياسيا ونفسيا، ففي الغالب هناك انظمة غربية واقليمية ضالعة في نسج خيوط هذه العملية وتتضح بجلاء اصابع السياسة البريطانية ذات الباع الطويل في التعامل مع شعوب وحكومات المنطقة ثم الاصابع الامريكية ايضا ذات المصالح في استقرار واستمرار الوضع الراهن “وضع ماقبل حكومات الثورات العربية”.
للتأكيد علي صحة هذه الفرضية ثمة اسئلة علي أي مراقب ان يطرحها منها:
أولا: هل قطر داعمة لجماعة الاخوان قلبا وغالباً؟؟
وثانياً: هل قطر في ذاتها دولة اخوانية؟ أي هل حكم آل ثاني يمثل رؤية الاخوان للحكم الاسلامي؟؟
ثالثا: هل تعادي قطر المملكة السعودية بكل ما لها من حجم اقتصادي ورمزية دينية اقليميا ودوليا، هل تعاديها فعلا ولأجل سواد عيون الجماعة وتنظيمها الدولي؟؟
رابعاً: و هذا هو المهم؛ هل تستطيع قطر وحدها ان تجر قاطرة الاخوان المسلمين؟ و تتحمل وحدها عبء ادارة انشغالات تيار الإسلام السياسي الفقهية و الفكرية و الاقتصادية و (المالية بطبيعة الحال) و الثقافية و الإجتماعية و قبل ذلك السياسية و علاقاتها الدولية؟ مع ملاحظة ان بقية اعضاء ائتلافها (ايران و تركيا) هم في الواقع يمثلون عبء اكثر من كونهم عون بحكم الازمات المالية و الاقتصادية التي يرذح تحتها ذينك النظامين و مجتمعاتها، و الحصار الدولي الذي تعاني منه ايران!
هناك خطوط غير مرئية تمثل حدود علاقة قطر بتنظيم الاخوان، فالدولة القطرية تلعب دوراً في عملية أكبر مما يتخيل الجميع خصوصا الاخوان، دور يمثل مصالح جهات دولية واقليمية تري تلك الجهات ان مصلحتها تقتضي إبقاء الاسلام السياسي “الحركي” في حيز الفعالية أولاً، والمسيطر عليه ثانياً، وتستغل تلك الجهات “بوساطة قطر” عيب خلقي يلازم حركات الاسلام السياسي وهو مادية تلك الحركات (اعتمادها المطلق علي المادة والمال الخليجي أو الغربي نفسه) وهي لا تتحرك ابدا من منطلق وازع ديني او هدف رسالي كما تزعم وانما بمقابل اثمان معلومة ومدفوعة سلفا..
كما تستغل ايضا “لإنجاح المخطط” عيب يلازم الحركات الديمقراطية العربية وهو طفولية قيادات تلك الحركات وانتهازيتها وانتهازية النخب التي تبحث دائما عمن يخوض معاركها نيابة عنها ويحقق ويحمي مصالحها دون ان تتكبد هي عناء دفع أي ثمن سواء كان من ينوب عنها الجيش او السعودية!!
ثمة سؤال آخر لا يقل أهمية، هو هل فعلا تعادي السعودية تنظيم الاخوان المسلمين بالفعل؟ ما هي اسباب ذاك العداء؟؟ والي اي مدي يمكن ان تصل في حربها ضدهم؟؟؟
فحالة العداء التي اعلنت مؤخرا و وصلت لحد إعلان الجماعة منظمة ارهابية بالنسبة للسعودية فاجأت العديدين بمافيهم قادة الجماعة ومعلوم ان الجماعة وان لم تكن تشارك ال سعود الانتماء المذهبي الا انها تعد من اقرب الجماعات الدينية (والسياسية) للمذهب الحنبلي/بتفريعاته من ابن تيمية الي ابن قيم؛ الوهابي بلغت مرحلة التوأمة بين فكر الاخوان المسلمين و اخوان من طاع الله “الذراع الفقهي و العسكري الذي شارك في تأسيس الدولة السعودية” ، كما معلوم ان الجماعة حظيت بعطف ودعم ال سعود لعقود طويلة!! فما الذي استجد وقلب ذلك التعاطف الي عداء والدعم الي حرب؟؟ الشيئ الوحيد الذي جد هو تحول تلك الجماعة من حركة (دعوة ومعارضة سياسية) الي جماعة حاكمة متحكمة وحزب سلطة.. ونظام ال سعود (وينبغي ان تشاركه كل العوائل الحاكمة في الخليج وخارجه في ذلك) لا يسمح بتحول الانتماء المذهبي والايمان (وان كان ايمان ذا بعد سياسي) ليصبح متأطرا في تنظيم سياسي يطمح كي يكون الحاكم بامره (أي أمر التنظيم).
مقبول لدي تلك الانظمة الحكم بأمر الله أو امر العائلة أما أمر التنظيم !! فلا وألف لا.
إذا اقرينا بحقيقة ان نظام قطر ليس اخواني في حقيقته، و ليس مؤمنا برسالة الإسلام السياسي الايدولوجية علي عكس حليفيه (تركيا و ايران)؛ فحكام تركيا و ايران وصلوا للسلطة بمركبة الاسلام السياسي الممزوج بالقومية الفارسية أو التركية، بينما تُحكم قطر بنظام أُسري أو عائلي قديم، و أصل علاقته بالقصة هي سعيه لتوظيف الإسلام السياسي استراتيجياً في بلدان غير مستقرة (السودان و مصر و تونس.. الخ) لغرض ضمان استقرار النظام القطري و معظم الانظمة الحاكمة في الخليج، فان هذه الصلة لن تستمر طويلاً، فالاستراتيجيات تتبدل في عالم يتبدل بسرعة، و في ظل ازمات كالتي يشهدها العالم اليوم (أزمة وباء كورونا و تداعياتها الاقتصادية) فان تحمل عبء ادارة ارث الإسلام السياسي يصبح عبء ثقيل للغاية اقتصادياً بما تتضاءل امامه الفائدة السياسية؛ و يمكن في أية لحظة ان ترفع قطر يدها و توقف دعمها السياسي و الاعلامي و المالي لجماعات الإسلام السياسي و تقطع صلاتها به.. هذا علي المدي القصير و المتوسط.
أما علي المدي الطويل فان قطع قطر صلتها بتيارات الإسلام السياسي هو حتمية، فمتي ما شب التنظيم عن الطوق يستغني عن العائل الحامل و الحامي له بل و ينقلب عليه ليحكم مباشرةً لا من خلف الكواليس، و هذا ما حدث لكل الانظمة التي سعت لتوظيف الإسلام السياسي منذ عبد الناصر و السادات.. حينها ستجد قطر “و حليفتها الاكبر” اميركا ان خطر تيار الإسلام السياسي و شيك و إن ضرره اصبح اكبر من نفعه و إن مواجهته لابد منها.

واظب_علي_غسل_اليدين_بالصابون لمدة 20 ثانية مراراً خلال اليوم