23 ديسمبر، 2024 6:57 م

قطرة العسل .. واتخاذ القرار

قطرة العسل .. واتخاذ القرار

ما زال أدب الطفل منبعاً ثراً يمكن استقاء الحكمة منه والعبر .. فعلى الرغم من براءة عالم الطفولة .. فأن في هذا العالم من العمق والتبصر ما قد يفتقده عالم الكبار .. تقول احدى قصص الأطفال : أن قطرة من العسل سقطت على الأرض فأكتشفتها نملة ، فاخذت منها رشفة ثم مضت إلى حال سبيلها .. إلا أنها سرعان ما عادة إلى قطرة العسل لأن مذاقه وطعمه كانا لذيذين وجاذبين للنملة حتى تعود إليه ثانية .. وفعلاً ارتشفت منه رشفة أخرى وذهبت إلى حيث أتت .. إلا أنها فكرت مرة أخرى بالرجوع إلى قطرة العسل .. ولم تكتف هذه المرة بالارتشاف منها بل ( قررت ) أن تدخل إلى داخلها لتحصل على كمية أكبر .. وهنا كان  (القرار) الخاطئ حيث بدأت النملة تعاني من تقييد حركتها .. وعبثاً حاولت الخروج مما هي فيه فماتت  حتف أنفها .. وإذا كانت الفكرة الأولى التي تتولد في ذهنية القارئ حول هذه الحالة تذهب إلى المثل القائل .. ” طمعه قتله ” فأن هناك مضامين أخرى في هذه القصة التي تسحبنا إلى موضوع مهم وحساس جداً وهو اتخاذ القرار .. وما أكثر القرارات التي نتخذها سواء على الصعيد الشخصي أم المؤسسي أم الوطني ام الدولي .. وكثير من القرارات التي تُتخذ تؤدي إلى تغيير كبير أو محدود وحسب القرار . فمفهوم صنع القرار ليس مقتصراً على الاختيار النهائي .. بل أنه يشير كذلك إلى تلك الأنشطة التي تؤدي إلى ذلك الاختيار . وتعتبر موسوعة الـ(ويكيبيديا ) أن مفهوم صنع القرار لا يعني اتخاذ القرار فحسب , وإنما هو عملية معقدة للغاية تتداخل فيها عوامل متعددة منها نفسية ، وسياسية , واقتصادية , واجتماعية ، إن القرارات على المستوى الشخصي ربما تكون محددة التأثير حيث لا تتجاوز آثارها الشخص نفسه أو محيط أسرته بتقدير اكبر .. أما القرارات التي تتخذ من قبل مسؤولي المنظومات الإدارية والصناعية والأحزاب والكتل .. فهي تأخذ مداها ضمن حدود هذه المسميات ، مع تأثيرات جانبية في دائرة أوسع ترتبط بها تلك الجهات ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر . إن اتخاذ القرار يتم من خلال اتباع عدة خطوات متتالية تشكل اسلوباً منطقياً في الوصول إلى حل أمثل لمشكلة اومسألة ما .. فهناك ستة عناصر مهمة عند اتخاذ القرار منها :
تحديد المشكلة متخذ القرار الهدف البدائل قواعد الاختيار الحل الأمثل .. إذن علماء الإدارة ، وخبراء التنمية البشرية اهتموا بشكل كبير بهذا الدرس الحياتي المهم .. ووضعوا له البحوث ، والنظريات ، والدراسات ليتوصلوا إلى أساليب وضوابط ومحددات وخطوات تسهم في اتخاذ القرار الصحيح . فإضافة إلى مفهوم اتخاذ القرار فأن خطوات اتخاذ القرار تعد ملازمة لصنع القرارات الصحيحة والأكثر أهمية .. فهناك أنواع من القرارات ، وهناك محاذير في اتخاذ قرارات عشوائية ومتسرعة .. كما أن هناك مجموعة مؤثرات على اتخاذ القرار ، منها خارجية وأخرى داخلية . والقرارات التي تتخذها الدول أو القيادات العليا فيها تعرض على جهات تشريعية وقانونية وبرلمانية وفنية ، قبل أن تأخذ شكلها النهائي .. وكلما كانت القرارات جماعية كلما أصبحت أكثر واقعية وموضوعية وممكنة التطبيق . وتمتاز القرارات الشخصية بالفردية وضيق الافق ، وتواجه أحياناً كثيرة بالرفض وصعوبة التنفيذ . فمنذ بدايات تطور الإدارة الاستراتيجية والتي كانت في حقل يسمى ، أو يطلق عليه سياسات الأعمال .. والذي بدأ في مدرسة هارفرد للأعمال بتدريس طلبتها هذا الموضوع بأسلوب الحالات الدراسية ، لمعالجة المشكلات المتصلة بالسياسات المختلفة الانتاجية منها والتسويقية , والموارد البشرية والمالية .. كانت القرارات تشكل احدى الدروس المهمة . وإذا كانت كلمة الاستراتيجية قد اشتقت من الكلمة اليونانية (strategos) وتعني فن القيادة أو فن الجنرال .. فإن أول استخدام لها حسب البحوث والدراسات كانت في العلوم العسكرية .. ثم انتقلت لتشمل وبشكل واسع العلوم الإدارية .. فالاستراتيجية حسب تعبير شاندر ” تحديد المنظمة لأهدافها وغاياتها على المدى البعيد , وتخصيص الموارد لتحقيق الأهداف والغايات .. ومن هنا يأتي التخطيط الأستراتيجي لتحقيق الأهداف بعيدة المدى . إلى هنا والعبرة من حادثة دخول النملة إلى قطرة العسل ماثلة أمامنا .. فما الذي يدفع دولا كبرى إلى اتخاذ قرارات خطيرة تؤدي إلى تدمير دول أخرى وقتل شعوبها .. واليوم ونحن نعيش محنة القرار الأمريكي المتردد .. والغير جدي احيانا ، ويبدو أن أمريكا لا يهمها مصير البلدان والشعوب بقدر اهتمامها بتنفيذ أهدافها .. فسوريا التي آلت إلى خراب بعد أن مسها الضر نتيجة العمليات العسكرية والإرهاب الذي  تمارسه جبهة النصرة الإرهابية ودولة داعش وستؤدي بها الاوضاع إلى اللا دولة  .. وقد تؤدي إلى نهاية بشار الأسد ، إلا أنها حتماً لم تخلق وضعاً جديداً أفضل .. بل ستشهد سوريا أياما عصيبة جداً على أيدي المجموعات الإرهابية التي تمكنت من البلاد والعباد .. فقوى المعارضة السورية مغلوبة على أمرها .. وسوف لا تكون من القدرة بحيث تدير البلاد وتأخذها إلى شاطئ الأمان .. لأن الجهادية السلفية في سورية ستدير سكان الأمور .. إلى عنف جديد يأتي على ما تبقى من الدولة السورية المنهارة  .