27 ديسمبر، 2024 6:48 ص

الإدعاء بالقول سهل، لكن الفعل هو الفصل، هكذا هو الميزان بين الافعال والأقوال، فكم من قط يرى نفسه أسدا، وكم من قرد أصبح في عين أمه غزالا، لكن ذلك لا يلغي الحقائق الثابتة التي يمضى عليها الكون، فالأرض تدور حول الشمس، كما القمر يدور حولها، وإن ادعى أحدهم غير ذلك.

هذا الثابت يسري على البشر أيضا، فهناك من يملك شجاعة الأسود، ومنهم جبانا كالقرود، وهناك الكريم الذي يبذل ما يملك للضيف، ويفدي مهجته في سبيل وطنه ودينه وعرضه، ومنهم البخيل الذي يشير الى قطعة الجبن بكسرة الخبز من بعيد، وغالبية البشر يأتي الى الدنيا ويذهب لاهم له سوى أن يعيش لأطول مدة، بينما بعضهم يكون كقطب الرحى، تدور حوله الأحداث العظيمة، تاركا تاريخا ناصعا وأثرا واضحا، لا تمحيه تعريات السنين.

البعض تصور أنه يحسن صنعا، فإنجرف خلف أهوائه النفسية ومشورة الرعية، فبدلا من حمل مشعل النور، كان يسير وخلفه سحب الظلام، وأقدامه تخط على جثث الموتى، ويستأنس بصرخات الأيتام والثكالى والبؤساء، فكانوا غربانا للشر والموت، بدلا من حمائهم السلام وينابيع الحياة.

ولأن الحياة لا تخلو من أناس سخروا أنفسهم لإيقاد مشعل النور، وطرد الحوت الذي يبتلع القمر، وإزالة كوابيس الأمة التي حرمتها من العيش بكرامة، مشمرين عن سواعدهم السمراء في الدفاع عنها، معرين صدورهم لسهام الموت والغدر والخديعة، يجودون بالغالي والنفيس من أجل طرد الخفافيش التي إمتصت خيرات الأمة وجثمت على صدرها، تسقيها مرارة الذل والهوان.

من أولئك الرجال الذين كتبوا تاريخا ناصعا، في الدفاع عن أحلام أمتهم بالحرية والسعادة، وكانوا محور أحداث تحريرها، والمساهمين في انقشاع غيوم الخوف والموت عنها، وبذل مهجته من أجل رقيها دون أن يطلب جزاءً أو شكورا، وخرج من الدنيا وهو منتصب شامخ كسارية العلم، تاركا ذكرا لا يمحى رغم محاولات التشويه والتدليس ونكران الجميل من البعض.

كتب الكثيرون عن سيرة السيد عبد العزيز الحكيم الشخصية والجهادية، وأيام نضاله في المعارضة ضد نظام البعث، حتى سقوطه بعد عام 2003، ودوره في إدارة العملية السياسية في العراق حتى وفاته عام 2009، لذلك فأني لن أضيف شيئا أذا ما أعدت جزءا مما كتبوا، ولن أرثيه رثاء العاشق الولهان، أو أوجه سهام النقد المسمومة الى شخصيته، أو أنتقص من جهاده وما كان يسعى له.

لكن الأكيد والثابت لدى الجميع محبا كان أم مبغضا، أن الوضع السياسي في العراق بعد السيد عبد العزيز الحكيم، لم يكن كما هو في حياته، فقد كان قطب الرحى التي يدور حولها الجميع محب كان أم مبغض، وما يمر به العراق اليوم بسبب فقدان تلك البوصلة، وما لم يتحقق الى الان هو بسبب الابتعاد عن الاهداف التي وضعها لمستقبل العراق وكيفية إدارته.

لقد فقدت الساحة العراقية شخصية هي أحوج ما تكون إليها، من أجل خدمة البلد وإنتشاله من محنته، لإمتلاكه رؤية رجال الدولة، الذين لا يفرقون بين أبناء الوطن على اساس عرقي أو طائفي، حتى قيل عنه أنه أم الولد، لأنه كان بعيدا عن التفكير بالمصالح الشخصية أو الحزبية.