مما لا شك فيه أن قطاع النفط في العراق هو القطاع الوحيد الناجح، فلم يعد سرا أن إيرادات النفط ترفد الميزانية العراقية ب95%.
لقد انتقد العديد من المختصين أداء القطاع النفطي كثيرا، لكن النقد كان موضوعيا وبناءا من أجل الوصول للأفضل، وقد أخذت وزارة النفط بمعظم الطروحات النقدية التي تقدم بها هؤلاء المختصون، ومازلنا كمختصين بهذه الصناعة نبحث عن فسحة من مساحات العمل في هذا القطاع بحاجة إلى نقد لغرض تقويمها أو دفعها نحو الأفضل.
وضعت هذه المقدمة لأن هناك كتابات ظهرت حديثا تهاجم منجزات القطاع النفطي ومسؤولين في هذا القطاع وبدون دليل من أي نوع كان، واتهموهم بشتى أنواع الفساد، بل ولم يتركوا شتيمة إلا ووجهوها بابتذال، في حين لم نسمع من قبل بأسماء كتاب هذه المقالات، واستطيع التخمين من حديثهم، أنهم بعيدون عن هذه الصناعة، لذى اقتضى الرد ليعرف القارء بعض ما يجري في هذا القطاع الحيوي الذي يهم كل عراقي.
هؤلاء الكتاب هم على التوالي:
الأول أعطى نفسه اسم محمد اللامي، وهو بلاشك اسم مستعار لكن لم ابحث عنه، لأن في العراق أكثر من آلف شخص باسم محمد اللامي، وقررت البحث عن المقالات لهذا الكاتب المزعوم، فلم أجد سوى مقالا واحدا، يتيما، لكن متسلسلا.
قرأت المقالات المتسلسلة، فلم أجد فيها سوى الشتائم ولم أجد ما يرقى إلى كونه دليل على فساد يزعم أنه موجود، ولو قدم اللامي دليلا واحدا لتبنيته أنا شخصيا ووقفت بوجه الفاسدين، لكن الذي وجدته عبارة عن شتائم وعبارات بعيدة عن الآداب واللياقة تماما، ولا أدري كيف سمح أصحاب موقع كتابات بنشرها؟!
أما الثاني فهو حبيب سامي، يبدو من حديثه أن له اطلاع متواضع على الصناعة النفطية، لكن بشكل عجيب يقلب الحقائق دونما مسوغ أو منطق، فهو يقول كلمة الحق لكنه سرعان ما ينغمس بالباطل، فهو يستعرض نجاحات للصناعة النفطية وبذات الوقت يكيل الاتهامات لصناع السياسة النفطية، أو أنه ينكر ما هو قائم بالفعل.
هو أيضا وجدت له مقالة واحدة يتيمة حول نفط مصفى ميسان يدعم بها صاحبه محمد اللامي، ويهاجم أكثر كل وزارات قطاع الطاقة بلا تحفظ.
حاول حبيب مناقشة كلفة بناء مصفى ميسان، على سبيل المثال وليس الحصر،التي يجد أنها لا تزيد على3 مليار دولار، ولا أدري من أين جاء بهذا الرقم حقيقة، كونالمصفى بمواصفات عالية جدا وتعتبر الأعلى في العالم.
للحق نقول، قبل أربع سنوات من الآن، وفي خطوة لم يجرء على القيام بها حتى الدول العظمى، بدأ العراق بتطوير وإعادة تطوير17 حقلا نفطيا في آن واحد، خمسة منها تعتبر فوق العملاقةSuper-Giant والباقي تعتبر بالمقاييس العالمية حقول عملاقةGiant، آن ذاك لم يكن لدى العراق طاقة تصديرية في الجنوب أكثر من مليونين بمنظومة متهرئة متهالكة.
مثل هذا التحدي يعتبر أكبر بكثير من حجم العراق، من حيث البنى التحتية لكل مجالات الحياة، والمتاح من الطاقات البشرية، والمتوفر من القدرات المالية، وبظل منظومة قوانين وتعليمات بيروقراطية معقدة تشل كل شيء، لكن مع ذلك، نجد أن الإنتاج يتصاعد ليصل إلى مستويات عالية ويحقق إيرادات للعراقغير مسبوقة بتاريخه.
ودون علم بما يحصل، يهاجم هؤلاء الكتاب المزعومين قطاع النفط كونه لم يهيء البنى التحتية للتصدير، وهذا هراء، فمنصات التصدير العائمة الخمسة قد نصبت أربعة منها والخامسة في الطريق للنصب، ومنصة العدادات في الخليج قد نصبت أيظا، وجرى نصب منظومات عدادات أخرى في مناطق أخرى من مفاصل العمل، وجرى تحديث لميناء البصرة العميق، والخطط جاهزة لتحديث واعادة بناء ما تحطم من ميناء خور العمية العميق لرفع طاقته التصديرية إلى1.5مليون برميل يوميا، وتم ربط هذه المنشآة بشبكة أنابيب متكاملة، وتم بناء وتحديث وتوسيع ثمانية حقول خزانات في الجنوب، وهذه الخزانات قد اكتمل أجزاء كثيرة منها ومازال الباقي تحت البناء، ويشرف على بناء المنظومة لجنة عليا من وزارة النفط، يدعم عملها استشاري عالمي على مستوى عالي جدا، هذه المنظومة تستطيع الآن تصدير4.5مليون برميل يوميا وستكتمل المرحلة الأولى منها نهاية عام2015 بطاقة تصديرية تصل إلى6 مليون برميل، وستصل طاقتها الكاملة بنهاية عام2017 إلى8.5مليون برميل يوميا، وهذا التزامن يتماشى مع خطط الإنتاج في الحقول التي تجري عمليات التطوير فيها على قدم وساق ويتزايد الإنتاج منها يوميا بشكل واضح، وفي أي وقت من الأوقات، تم التخطيط لهذه البنية التحتية بحيث تسبق زمنيا الزيادات المتوقعة بحوالي السنة، أي حين يكون الإنتاج4 ملايين ستكون الطاقة التصديرية5 ملايين، وسيستمر هذا الحال حتى اكتمال المشاريع المتعلقة بهذه المنظومة العملاقة جدا والتي يصل عدد مشاريعها إلى أكثر من مئة مشروع، ما تبقى سواء تحت الإنجاز أو سيبدأ التنفيذ به هو حوالي50 مشروع أخرى متفاوتة السعة.
كما ويجري العمل على قدم وساق من أجل نصب منظوماتSCADA في كل شركة منتجة، ومنظومة أخرى لشبكة البنية التحتية للتصدير بحيث يتم مراقبة كل شيء من خلالها وتشغيلها عن بعد، كما وبدأ العمل على بناء منظومة أخرى للSCADA تجمع كل تلك المنظومات بشبكة واحدة متكاملة يمكن من خلالها مراقبة كل صغيرة وكبيرة في الصناعة الاستخراجية في الجنوب ومن غرفة واحدة.
بالتوازي مع هذه الأعمل العمل جار على توسعة وبناء الجديد للبنى التحتية في باقي أنحاء العراق بحيث يكون لدى العراق طاقة تصديرية تزيد على تسعة9.5 مليون برميل يوميا إضافة إلى شبكة أنابيب تغذي المصافي العراقية التي يجب أن يصل إنتاجاها إلى ما يقرب من2.5 مليون برميل يوميا، جزء كبير من هذه المصافي مخصص للمستثمرين الأجانب، بحيث يتحول العراق بعد بضعة سنوات إلى دولة مصدرة للمشتقاتالنفطية أيضا.
أما شبكة الغاز، فإنها تقريبا لم تكن موجودة يوم سقوط النظام السابق، لأن الموجود منها متآكل ولا يصلح للعمل، ويجري الآن مد عدد كبير من أنابيب نقل الغاز، وبناء منشآة معالجة وفصل مكونات الغاز عن بعضها لأجل الاستفادة المثلى منها، وهذه المنشآة موزعة في مناطق مختلفة من العراق بحيث تغذي جميع محطات الطاقة والمجمعات البتروكيماوية المخطط لإنشائها، وكذلك تسد الاستهلاك المنزلي.
إن كل هذه المشاريع وأكثر تجري على اساس من استراتيجية وطنية متكاملة للطاقة وليس للنفط وحسب، هذه الاستراتيجية المتكاملة وضعها أحد أكبر بيوت الخبرة العالمية بمساعدة من حوالي100 مختص عراقي يعمل في قطاع الطاقة، وإشراف مباشر من رئيس مستشاري مجلس الوزراء، وربما يعتبر العراق متفردا بوجود هذا التخطيط المحكم وعلى أسس علمية في منطقتنا بالكامل، فقد سمعت الخبراء اليابانيين في صناعة الطاقة الذين أعمل معهم كاستشاري يؤكدون أن هذه الاستراتيجية تعتبر الأكثر تكاملا والأكثر علمية على مستوى العالم.
يجب أن لا ننسى أن العراق قد بدأ العمل فعلا على تطوير الحقول وبناء البنى التحتية وغيرها من منظومات عملاقة قبل نحو أربع سنوات فقط، وهي فسحة زمنية لا تكفي لبناء بيت متواضع وليس تطوير واعادة تطوير ل17 حقلا و13 أخرى تجري عليها تطويرات بجهود وطنية خالصة، ومنظومات عملاقة متكاملة بهذه السعة الغير مسبوقة في العراق.
إنهم يتحدثون جزافا، ويكيلون التهم لغاية في نفس يعقوب، بل إبليس، لأني لا أشك أنهم مأجورين أو لديهم أغراض بالتأكيد غير شريفة.
أعود لهؤلاء الكتاب المزعومين، فإنهم تحدثوا عن فساد موثق، لكننا لم نرى وثيقة واحدة تؤكد ما يقولون، كما ولم يتوقفوا عن توجيه الشتائم، ومع ذلك استطيع القول أن قرائتي لمقالاتهم عدة مرات كانت مفيدة، حيث وجدت بعض المشتركات بين الكاتبين المزعومين محمد اللامي وحبيب سامي وهي:
• كلاهما بلا هوية
• لم يكتبوا مقالا واحدا في أي موضوع
• يكتبون بطريقة مفككة ولغة ركيكة
• يشتمون بلا تحفظ
• يهاجمون جهة واحدة فقط وهي المسؤولين في قطاع الطاقة
• يكيلون التهم بدون دليل
• ويسردون علينا حكايات لا ترقى لمستوى المعلومات
وأخيرا، كلاهما يعيد علينا افتراءات كتلة سياسية بذاتها، لست بصدد مناقشة أدائها ولا أهدافها، حيث أن المضحك المبكي في الأمر، سمعت أن هذه الكتلة تريد مراجعة آليات شركة سومو المسؤولة عن تصدير النفط العراقي، وهي آليا وعقدة وشفافة، في حين هم يبيعون النفط بواسطة الحوضيات بثلث سعره تهريبا إلى أفغانستان وتركيا وباكستان وإيران، ولا أحد يعلم أين تدخل إيرادات النفط المهرب هذا.
بما تقدم استطيع القول بلا تحفظ أن الكاتبين المزعومين هما شخص واحد، لتشابه الأسلوب فيما بينهم بالرغم من استعمال محمد اللامي عبارات اسلامية كثيرة.
سأكتفي بدليل واحد على نجاح قطاع النفط في العراق، فمن خلال رصدي لما يدور في الساحة الإعلامية، خصوصا المدفوعة الثمن، أستطيع القول أن جميع منافسي الحكومة غالبا ما يرددون عبارة واحدة لكن بصيغ مختلفة، وهي أن العراق قد صرف600 مليار دولار أو نحو ذلك منذ السقوط ولحد الآن والعراقي لم يلمس شيئا واحدا منها، نسمعها حتى من المواطن العادي أيضا، بل هي عبارة درجت على لسان كل شخص.
هذه العبارة تحمل في طياتها اعترافا ضمنيا وهو أن قطاع النفط استطاع ادخال أكثر من600 مليار دولار، وقد رفع الميزانية من نحو20 مليار دولار إلى ما يقرب من150 مليار دولار حاليا، وسدد العراق من خلال عائدات النفط مبالغ تزيد على200 مليار دولار كتعويضات أو ديون مترتبة على العراق، ومازالت عائدات العراق تزداد يوما بعد آخر، حتى بتنا نتحدث عن ميزانيات في السنوات القادمة تصل إلى300 مليار دولار سنويا.
أما مسألة أن العراقي لم يرى شيئا من هذه الأموال، فهذا موضوع آخر مختلف تماما، لأنه موضوع يتعلق بإدارة المال العام للدولة العراقية، وكما هو معروف أن هذه الإدارة ليست من اختصاص قطاع الطاقة، فهذا القطاع نجح وقدم الأموال الطائلة وعلى الباقين تحمل مسؤوليتهم بإدارة المال العام.
وهنا يجب أن نسأل عن الجهة التي تقف وراء هذين الكاتبين المزعومين، أو الكاتب باسمين مختلفين.
كثيرون هم أعداء النجاح ولا شك في ذلك، لكن المشتركات التي تجمع الكاتبين المزعومين تدفعنا للاستنتاج وهو أن هناك جهة واحدة تقف ورائهم، فلنحاول معرفة هذه الجهة.
من خلال اعادتي لقراءة المقالات، وكما أسلفت، وجدت أن هناك تشابها بالطرح بينها وبين ما تطرحه جهة تعتقد أن المسؤولين عن القطاع النفطي هم العائق الوحيد الذي يمنعهم من نهب النفط العراقي لمصالحهم الشخصية، وهنا يجب أن اترك الاستنتاج للقارئ الكريم، لأني لا أشك بقدرة العراقيين على التشخيص الصحيح.
هذه الجهة وبعد أن أفلست تماما وتيقنت أن لا سبيل لتحيق الأحلام الشاذة، أعلنت إفلاسها وبدأت الهجوم بهذا الأسلوب السمج، بل الحرب على هؤلاء المسؤولين الذين يقفون حجر عثرة بطريق أهدافهم القومية الشوفونيةالتي تبنوها، لكن للإنصاف أقول هي أهداف ليست بالعسيرة على التحقيق فيما لو كان الذي يمسك بملف النفط غير هؤلاء المسؤولين عن هذا القطاع حاليا.