لم ينشر حزب الدعوة الإسلامية رسمياً قرار مكتبه التنظيمي القاضي بتعليق عضوية عضو مكتبه السياسي ومحافظ بغداد الأسبق، صلاح عبد الرزاق، لكنّه لم ينفِ صحة القرار المتضمن أيضاً التحقيق في شبهات فساد طالت عضو قيادته، ما يعني أن البيان صحيح.
وحزب الدعوة عادة ما يوصف بأنه الحزب الحاكم في العراق منذ 2005، لأنه حزب رئيس الوزراء الحالي ورئيس الوزراء السابق ورئيس الوزراء الأسبق، إضافة إلى أنه مركز الائتلاف الأكبر في مجلس النواب: دولة القانون، وعليه فإن قرار تعليق عضوية السيد عبد الرزاق والتحقيق معه بشأن شبهات فساد، تُعدُّ مبادرة جيدة لكنَّ فيها خللاً فادحاً، ما يجعلنا نتشكك في الدافع الحقيقي والهدف النهائي لهذا الإجراء، فثمة خشية من أن يُسفر عن تبييض صفحة المسؤول الحكومي السابق، مع انطلاق السباق الانتخابي غير الرسمي تحضيراً للانتخابات البرلمانية والمحلية المتوجّب تنظيمها في غضون ثمانية أشهر .
بيان المكتب التنظيمي للحزب جاء فيه ” نظراً لورود معلومات تثير شبهات فساد مالي حول الداعية صلاح عبد الرزاق، وقد أضرّت بسمعة حزب الدعوة، حيث ناقش المكتب التنظيمي في جلسته بتأريخ 22 / 8 / 2017 هذه القضية بجدية، ليقرّر تعليق عضوية صلاح عبد الرزاق، لحين تبين الأمر بشكل قطعي، وأن يُحال ملفه إلى هيئة الانضباط الحزبي للتحقيق بقضيته والبتّ في أمره”.
عبد الرزاق من طرفه أكّد صحة البيان، إلا أنه قال في بيان “إنني شخصياً طلبتُ من الأمين العام إجراء التحقيق معي والذي حوّله على الجهة المختصة لتوضيح الامور وإزالة الشبهات والاتهامات المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)”.
الخلل الفادح في هذه “المبادرة” أنها لا تشي بجديّة “الحزب الحاكم” في التعامل مع قضية الفساد الإداري والمالي التي تُعدّ الآن أمّ القضايا والبلايا في العراق، نسبة إلى تفشّي الظاهرة الخطيرة على نحو مريع وإلى عواقبها الوخيمة ليس فقط على صعيد الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بل أيضاً لجهة الأمن، فإلى انفلات ممارسات الفساد الإداري والمالي يُردُّ تفاقم أعمال الإرهاب والجريمة المنظمة، وتمكّن تنظيم داعش من اجتياح ثلث مساحة البلاد قبل ثلاث سنوات، بكل العواقب الكارثية الوخيمة المترتّبة على هذا الاجتياح الذي تكافح القوات المسلحة إلى الآن، ولأمد غير قصير لاحقاً، من أجل دحره وإبعاد خطره.
إدراكاً لجسامة خطر الفساد المالي ولعمق تغلغله في كيان الدولة والمجتمع، أُنشِئت هيئة النزاهة (المستقلة) لتتولّى مهمة مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة. وبوصفه الحزب الحاكم أو القائد أو ذا الموقع المميّز في السلطة، كان يتعيّن على حزب الدعوة السماح لهيئة النزاهة بالتحقيق في الاتّهامات الموجّهة للسيد عبد الرزاق، فهذه الاتهامات لا تتعلق بممارسات خاطئة داخل حزبه وإنما بشبهات فساد أثناء ما كان يحتلّ منصباً كبيراً في الدولة.
إذا كان كل حزب، ولدينا أكثر من 100 حزب، هو الذي سيحقّق في قضايا الفساد المتعلقة بأعضائه، ما الذي تبقيه هذه الأحزاب لهيئة النزاهة إذن؟.
تجربة التحقيق الحزبي لم تثبت أنها مثمرة.. لدينا على سبيل المثال تجربة التحقيقات التي أعلنت كتلة الأحرار إجراءها مع مسؤولين حكوميين كبار سابقين منهم متهمون بالفساد، فالتحقيقات لم تسفر عن شيء سوى خروج المسؤولين من البلاد بما قيل أنهم استحوذوا على المال العام.
مَنْ يضمن ألّا تأتي قضية عبد الرزاق في صورة قضايا مسؤولي “الأحرار” السابقين وسواهم من القوى والأحزاب الأخرى، وهم بالعشرات ومتّهمون بنهب عشرات مليارات الدولارات؟