في مطلع شهر شباط عام 2011 م بدأت حملة أحتجاجات وتظاهرات شعبية واسعة في بغداد وأغلب المحافظات العراقية الأخرى قادها الآلاف من الشباب العراقي ومن كل شرائح المجتمع يطالبون بالقضاء على الفساد وإيجاد فرص عمل لأعداد كبيرة من العاطلين عن العمل خاصة حملة الشهادات الجامعية ، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية . فيما غابت الأحزاب والكتل السياسية والرموز الدينية التي استحوذت على الشارع العراقي بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 م. والتي المفروض أنها تمثل كل أطياف الشعب العراقي وتحمل همومه . دعا المتظاهرون حينها إلى تغيير الدستور الذي أسس للمحاصصة الطائفية , كما استنكروا ممارسات انتهاك حقوق الإنسان , وعمليات الاعتقال العشوائية . ودعوا لإطلاق سراح المعتقلين والتخلص من طبقة السياسيين الفاسدين القابضين على مقاليد الحكم ، ومحاربة انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة كسرقة المال العام من قبل كبار المسؤولين والاستحواذ على المخصصات المالية وعدم الاهتمام باحتياجات العراقيين . بالإضافة إلى تردي الخدمات الأساسية وانقطاع التيار الكهربائي والمياه , ونقص الخدمات . والنهب المنظم الذي يستنزف الخزينة من جراء الرواتب الهائلة التي يتقاضاها السياسيون ، فضلاً عن الأخطاء الكبيرة التي تعاني منها عدة مشاريع تنموية وخدمية ، الأمر الذي ترك أثره السيئ على حياة المواطنين وكرس ظاهرة الفقر والعوز وانتشار البطالة , وحرمان العراقيين من أبسط حقوقهم . وعدم توفر فرص العمل للعاطلين . كما دعا المتظاهرون إلى إحالة كبار المسؤولين إلى المحاكمة لسرقتهم أموال العراق وتسببهم في الخراب الواسع للبلد وتشريد أبنائه . ومما يُذكر صنفت منظمة الشفافية الدولية العراق خلال العام 2010 م كرابع أفسد دولة في العالم ، بينما ظل البلد يراوح مكانه بين المرتبتين الثانية والثالثة في تقارير المنظمة ذاتها في الأعوام الستة الماضية منذ 2011 . ويعتبر برنامج إعادة إعمار العراق من أكبر عناوين الفساد في العراق . ولم يقتصر الفساد في العراق على الأجهزة الإدارية والحكومية بل يمتد نحو الأجهزة التشريعية والرقابية . ورغم أن العراق يحتوي على ثاني أكبر احتياطي في العالم، ويصدر أكثر من 2.2 مليون برميل يوميا من النفط ، وتزيد موازنته للعام الحالي على 85 مليار دولار فإن أكثر من 45% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر ، وأكثر من نصف سكانه عاطلين عن العمل ، ونفس النسبة تقريبا من مواطنيه يعانون الأمية . ولأيقاف هذه التظاهرات الشعبية الحرّة المطالبة بالتغيير والأصلاح ، خرجت فتاوى المرجعية العليا تطالب الشعب العراقي وجماهيره بضرورة وقف التظاهرات والأحتجاجات بدعوى أنها ستؤدي الى الفتنة ! ، ومما تجدر الأشارة له : نفس الجهة الدينية قد أوجبت على الشعب أنتخاب القوائم الكبيرة الشيعية الحاكمة الآن في الأنتخابات البرلمانية التي سَبقَت عام 2011 م : http://www.youtube.com/watch?v=pgbcqZd4nF4 .
ولكي تتم وتكتمل حلقة خداع الشعب وأمتصاص غضبه وتذويب مطالبه وأخماد جذوة ثورته ووأدها ، أعطى السيد مقتدى الصدر حكومة المالكي حينها مهلة مائة يوم لتحسين أداء حكومته ، والذي أوعز لأنصاره بعد أنتهاء المهلة بالخروج بتظاهرة يشكر فيها الحكومة على تنفيذ مطالب الشعب ! علما جميع ابناء الشعب العراقي يعلمون جيدا ان الحكومة والبرلمان لم ينفذوا أي مطلب من مطالب الجماهير . ويستمر مسلسل الأستهانة والأستخفاف بالجماهير العراقية وحقوقها وسحق أرادتها ويستمر تراجع الوضع العراقي من سيء الى أسوأ ومن أزمة الى أزمة ومن مفسدة الى مفاسد اكبر وأعظم من سابقاتها . وفي السنة المنصرمة 2013 خرجت الجموع الشبابية بعدّة تظاهرات للمطالبة بأرجاع الحقوق المسلوبة والارادة المنتهكة .. وآخرها كانت تظاهرة ألغاء تقاعد نواب البرلمان وخرجت على أثرها أصوات الحيلة والمكر والخداع من أجل تذويب هذه المطالب مرة أخرى ، فواحد تنازل عن راتب كتلته في الظاهر ، وواحد آخر أمر كتلته ايضا بهذا الظاهر ، وأقيمت دعوى قانونيّة مثّلتها وتابعتها شخصيّات قانونية عراقية نزيهة نقابة المحامين وقُدّمت هذه الدعوة الى المحكمة الاتحادية والتي أسفرت عن ألغاء الراتب التقاعدي عن رئيس البرلمان ونائبه فقط ، وبَقِيت الدعوى بألغاء الراتب التقاعدي لكل البرلمانيين وما يدخل من مناصب في هذا الأطار قيد النظر من قبل المحكمة : http://store2.up-00.com/2014-02/1391635942351.jpg .. ولم تَبت بها المحكمة الى حد وقت تصويت اعضاء البرلمان العراقي على الراتب التقاعدي لهم منذ يومين . يتسائل العراقيين في هذا الخضم وهذا الأرباك وهذه المهازل وهذا الأستهزاء والأستخفاف بهم وبأرادتهم وحقوقهم ومقدرات بلادهم ، لماذا لم تتدخل المرجعية الدينية العليا وباقي المراجع والشخصيّات الدينية والسياسية والاجتماعية في هذا الأمر كما تدخلوا بغيرها من أمور سياسية داخلية وخارجية ، وكما تدخلوا وأفتوا بمنع التظاهرات ، ولماذا لا تتدخل المرجعيّة لمنع هذا الأمر وتمنع تحقيقه كما تدخلت سابقا بحجة حماية الدين والمذهب وأوجبت على الشعب العراقي وألزمته بأنتخاب هذه الحكومة التي ثبت فسادها .. أم أن هذا ليس من شؤونها ؟ ولماذا ولماذا ولماذا ؟ . أسئلة بديهيّة تفرضها نتائج الواقع المأساوي العراقي .. وقضيّة أمام أنظار المرجعيّة على وُلاة أمر الناس الأجابة عليها .