كنا نعتقد أن معاناة الشاب تبدأ عندما تقسو عليه الظروف المجتمعية والاقتصادية وتحول بينه وبين الوظيفة والمستقبل أما بسبب الشهادة التعليمية أو الخبرة الجيدة أو المهارات المتوفرة، أصبحنا اليوم نحلم بالوظيفة في الملاك الحكومي وكأنها شيء مستحيل التحقيق خاصة وإنها تحولت إلى قضية بيع وشراء، هذا ماجعل الكثيرون يلجأون إلى بناء مستقبلهم المهني والحياتي عن طريق جهدهم الفكري والذاتي مستعينون بموهبتهم أو مالهم الخاص لبناء مشروع صغير مستغنون عن العمل الحكومي..ولجأ البعض إلى العمل في المحلات والشركات والمولات التجارية والمطاعم والكافيهات وغيرها وإن كان ذلك لايناسب البعض في مستواهم العلمي والثقافي.. والبعض الآخر يلجأ إلى شركات القطاع الخاص فينصدم أكثر وهذا مادعاني إلى الكتابة بشأن هذا الموضوع أو هذه القضية لأنها إنسانية أكثر من مجتمعية…
الشاب حمزة الياسري من مدينة العمارة خريج جامعة ميسان قسم الهندسة المدنية بالرغم من إمتلاكه الشهادة والمعرفة إلا إنه لم يُقبل في أي وظيفة إلى الآن ولكن هذه المرة السبب لا يرتبط بالحظ أو المحسوبيات أو الخبرات وإنما سببه أكثر ماأقول عنه “سبب تافه” فذلك الشاب غير سليم جسمانياً، وهذا هو الحائل الوحيد بينه وبين مستقبله !!! .
قال حمزة: “هذه ثالث شركة صينية ما تقبلني بسبب جسمي وأرجلي، آخر شركة قبل أسبوع أجروا معي مقابلة بالموبايل وشافوا إنگليزيتي زينة وقبلوني وبلغوني أداوم لكن لما داومت نظر المدير لي بتعجب من بعيد وقالوا: مانريدك لأن ميفيدنا جسمك!!!! .
أي يظلم يواجهه هذا الشاب فهو لم يختار أن يتعوق.. وهل العوق في الأجساد أم العقول؟ أقول لهؤلاء معوقي العقول إنه شاب يمتلك الطموح، من غير المعقول ترفضون طموحه وتدَّمرون أمله وحياته لمجرد مظهر.. وهل المظهر يبني ويغير مثل ما الأفكار تغير!!؟ أعتقد أن هكذا شروط شكلية هي “غبية وتعسفية” .
مارفضه مدير الشركة الصينية وكل من سبقه ليس مظهر الشاب فقط بل رفض إنساناً ..رفض طموحاً وإرادة ورغبة بالحياة وأعوام قضاها ذلك الشاب في الدراسة لكي يقولون له: ماتفيدنا .
شيء أخير أريد أن أذكره.. بلدنا في حال مأساوي جداً، فالشاب أما يشتري الوظيفة بقيمة ستين أو سبعين ورقة دولار مثلاً أو يفقد الأمل بالعمل الحكومي ويستسلم للأمر الواقع والفساد فيتجه للقطاع الخاص ويواجه الإستنزاف في مؤسساته، بعد ذلك يرى في نفسه الطموح والإمكانية والفائدة لخدمة بلده ويتجه الى شركة كبرى فينصدم مرة أخرى كون هذه الشركة تحت يد الصيني مثلاً وهو الذي يأمر وينهي أما العراقي تحت أمره وهو في بلده! .