(في شهر اذار من عام 2011 تمكنت هيئة النزاهة من ضبط أمر لواء الرد السريع اللواء الركن نعمان داخل متلبساً بالرشوة بعد أن قدم له أحد المقاولين خمسين ألف دولار وذلك في ساحة عباس بن فرناس القريبة من مطار بغداد الدولي لقاء قيام داخل بعمل ما لصالحه… يبدو أن معلومات خطيرة تسربت الى هيئة النزاهة، ما اضطرها الى نصب مكمن بالاتفاق مع أحد المتطوعين حيث وثقت عملية الرشوة بالصوت والصورة عبر كاميرا رقمية صغيرة كان يحملها المتطوع…)
هذا ما تم تداوله في الفضائيات، واتصل بي اللواء نعمان داخل الخفاجي لأجل التوكل عنه، وأرسل لي أحد ضباطه، لأجل تنظيم وكالة وكان معي محامي صديقي يعمل في مكتبي، وانتقلنا اليه في المنطقة الخضراء، ونظمت الوكالة وجلست لأكثر من ثلاث ساعات معه وكانت هواتفه موجودة معه واستمعت لقصة اعتقاله وكانت متشابكة؛ لخلفيتها المتشعبة والموزعة بين عدة جهات عراقية وامريكية، ودخول فيها امر فوج تدخل سريع في محافظة الكوت في نفس لعبة الرشوة لأجل وقف عملية نقله، وهناك مقاول معروف من تكريت أيضا له دور بالقضية لأطلاق سراح احد قادة القاعدة، ودخول اطراف أمريكية من خلال عقد لمنشاة أمريكية، وكانت الأدلة تتأرجح بين الإدانة والبراءة بسبب عدم وجود المبرز الجرمي(مبلغ الرشوة)، وعند اطلاعي على أوراق القضية وافادات المحققين الذين تعرضوا للضرب بأعقاب البنادق، مما سمح للمتهم بالفرار وبعدها بيومين سلم نفسه لمفوضية النزاهة، والذين ذكروا بان هناك عملية استلام وتسليم، وان مبلغ الرشوة اختفى بسبب هجوم حمايات لواء نعمان عليهم وتعرضهم للضرب مما أدى الى فقدان المبلغ وهروب(لواء نعمان) بعدها، وهذا ما أكده لي احد حمايات(اللواء نعمان) من الضباط، حيث تحدث بفخر كيف اختطفوا(اللواء نعمان) من ايدي محققي النزاهة، وعندما سألته عن كيفية اختفاء المبلغ الخمسين الف دولار، اجابني بطريقة تشير بالدليل القاطع انه يعرف الكيفية التي اختفى بها المبلغ، وعندما اخبرت (اللواء نعمان) في لقائي الثاني عن المبلغ قال، انه لا يعلم به ولدى اصراري وبطريقة أبعدت بها الكلام عن المبلغ لفترة وعدت سئلت السؤال بطريقة مختلفة بان قلت له :هل محققي النزاهة اخذوه، اجابني بالنص(اني لم استلم أي مبلغ بيدي، ولا اعرف اين ذهب المبلغ) عندها عرفت ان هناك مبلغ كان موجود واختفى بين حمايات اللواء ومفرزة عسكرية كانت برفقة محققي النزاهة لدى تنفيذ عملية التلبس، ولا علاقة لمحققي النزاهة او السيد رئيس الهيئة في وقتها القاضي رحيم العكيلي بمبلغ الرشوة، لان الأدلة معدومة وغير كافية، وعدم وجود المبلغ لا ينهض دليلا على توافر القصد الجرمي ولا يقوم بيانا لتحقيقه، وللتنويه، ان المحققين لم يحسنوا التصرف ومنحوا الثقة بالمفرزة العسكرية التي تحميهم، وكان عليهم تثبيت الواقعة وفق الأدلة القانونية، من خلال الاحتفاظ بالمبلغ كونه المبرز الجرمي الوحيد في الدعوى.
المهم اتفقت مع لواء (نعمان) ان لا يتابع الدعوى او يتصل بي أكثر من شخص واحد، وان يكون الاتصال عند الضرورة القصوى فقط، لان الدعوى في وقتها اخذت صدى كبير، وكان فيها خطورة كبيرة لأني بعدها علمت بان الامريكان يضغطون باتجاه حل القضية لوجود مؤشرات فساد عديدة تخص عقد لمنشاة أمريكية، لاسيما انهم كانوا يزوره في التوقيف المريح جدا ومرة اشتبكوا مع حراس الموقف من اجله.
ودققت في كافة الأدلة المبسوطة والوقائع المطروحة في الدعوى وكان هناك سراً أو حلقة مفقودة في عملية الاعتقال وضياع المبلغ، إذ أن اللواء نعمان داخل، يعد الأداة الأساسية التي تعتمدها القوات الأميركية والحكومة العراقية في ملاحقة أمراء وعناصر تنظيم القاعدة والمجموعات المسلحة، واللواء نعمان مرتبط بمكتب القائد العام، ويتلقى الأوامر منه شخصياً وهو ما يعني أنه يتمتع بثقة كبيرة منه، وتخصص له أموال كبيرة تدفع على شكل دفعات نثرية لتغطية نفقاته ودفعات أخرى غير منظورة وعناصر اللواء الذي تعول عليه الحكومة كثيراً في تنفيذ العمليات المباغتة لتطهير بعض المناطق من سيطرة المجموعات الإرهابية، وآخرها كان في إحدى القرى التابعة لمدينة تكريت، وربطتها في دخول مقاول من تكريت في القضية، كل هذه المؤشرات، رافقها اتصال الامريكان بي في المحكمة المركزية من خلال العسكري الكولونيل(س ب) ومسؤول في السفارة الامريكية، حيث اكدوا لي ان الفيديو الموجود على اليوتيوب مسرب من قبلهم عن طريق البالون وان( اللواء نعمان داخل لدينا علاقات وثيقة الصلة معه من الناحية المهنية…وأنه قائد ومحارب..، لكن لا صلة لذلك بمدى صحة التهم الموجهة إليه) وغيرها من كلام، واخبروني بان اعمل لأجل تبرئته، واخبرتهم باني لم اقرا الدعوى لحد الان، وكانت لدي معلومات نقلت لي من احد المترجمين الكبار تشير إلى تورط أميركيين في قضية الفساد المتهم بها لواء(نعمان داخل)، ورافق ذلك أيضا اتصال احد اقربائه بي واخبرني(اذا لم يطلق سراح لواء نعمان المالكي خلال شهر راح نكشف كل تفاصيل التزوير في الانتخابات بالتصويت الخاص…)، وهذه الوقائع حفزتني لان أحاول اللقاء بالمشتكي الرائد (ع) الذي تم حجزه من قبل هيئة النزاهة لحمايته، واتصلت بأحد المحامين من أقرباء المشتكي وشرح جملة أمور ازالت عندي بعض النقاط الغامضة واكملت الأخرى لدى جلب المشتكي لتدوين افادته استطعت ان التقي به من خلال احد المحققين ومعرفة بعض الخفايا التي انارت لي بعض الزوايا المعتمة، هذه الوقائع بالمحصلة، زادت من تحسباتي وقلقي وشكوكي، بانها لا توافق الواقع وتصادق الحق، لأنها لو كانت كذلك؛ لاتسقت فيما بينها واتفقت مع الواقعات المادية، التي تسير باتجاه قوة الأدلة المتحققة بحق اللواء (نعمان داخل)، وبعدها بحوالي ثلاثة اشهر؛ لاحظت ان الدعوى يتابعها اكثر من ضابط من ضباطه ويحضرون الى المحكمة ويتحدثون معي بالدعوى في غرفة المحامين والمكتب وبطريقة لا تليق بالأطر التي اتبعها في عملي عند التوكل في أي دعوى؛ هذه الأمور وغيرها جعلتني اقرر الانسحاب من الدعوى؛ مما ولد حالة من التشنج بيني وبين اللواء(نعمان) الذي الح كثيرا على بقائي؛ لكني قررت الانسحاب لوجود تداخل امني وامريكي وحكومي وسياسي في القضية، يجعل من بقائي في الدعوى فيه خطورة ويضعني في دائرة الشك خصوصا اني محامي معروف ورئيس غرفة المحامين في المحكمة الجنائية المركزية، وقناعتي بقوة الأدلة المبسوطة في الدعوى، اضف؛ كان هناك توجه حكومي تتعاون فيه مجموعات ضغط اجتماعية وسياسية واقتصادية، لتبرئة ساحة اللواء (نعمان داخل) تمتزج معها تحركات واتهامات لبعض القضاة نحو توريط هيئة النزاهة والمحققين الذين كانوا يتصدون للقضية ومنهم(م ع ، ع خ، ي ج، إ ح) وبعضهم من أصدقائي واعرف نزاهتهم.
وفي شهر أيلول من 2011 علمت ان المحكمة أصدرت حكمها على اللواء (نعمان داخل) وفق المادة 308 في حين كان التكييف القانوني لجريمة اللواء نعمان طوال فترة التحقيق يستند على المادة 307 والتي تفيد بان كل من طلب رشوه لقاء عمل يخص عمله، والمادة 308 مفادها كل من طلب رشوه لقاء عمل معين يزعم انه في مجال اختصاصه.
أن جانبا من القضاة خصوصا في الميدان الجزائي يفهمون بشكل خاطئ استقلالية القضاء معتقدين أن استقلال القضاء مرادف لشعار افعل واستبد ما تشاء بدون حسيب ولا رقيب واحكم بذريعة استقلالية القضاء، والحال أن استقلال القضاء هو التطبيق السليم للقانون بوحي من ضمير حي دون تدخل خارجي ولا وازع داخلي، لذا لا يجوز التستر مطلقاً على متهمين يستقوون بالقوات الحكومية ويقفون ضد القانون.
ان دور المحامين يعتبر دورا أساسيا في حماية حقوق الانسان ويجسد ضمانات المحاكمة العادلة، والسلطة القضائية في مظهرها وجوهرها هي الرحاب الذي لابد أن يجد فيه الوطن والمواطن معاني العدالة ومفاهيم الحق ودواعي الأمان، وتوكل محامين عديدين في القضية بعدي أتذكر منهم(ط ح، م ش، م س) ولاحظت في هذه القضية وقضايا عديدة ان بعض المحامين كانوا أقرب الى سماسرة لدى بعض القضاة والمحققين.
ولدى سمعاي بخبر اصدار الحكم الغيابي بحق القاضي الفاضل رحيم العكيلي حول نفس الدعوى ونفس المتهم، استغربت كثيرا، لانتفاء أي علاقة جرمية بينه وبين الجريمة، وانتفاء أي علاقة سببية للقاضي العكيلي قد تكون نتجت عن ذلك، خصوصا ان تحريات القائمين بالتحقيق في الدعوى مجرد تحريات مرسلة من أي دليل يدعمها وأقوال فارغة من أي يقين يسندها، فتتنافى مع المنطق وتتجافي عن الصدق، بخاصة ان الحكم غيابيا (مع كل الاحترام لقرارات القضاء متى ما كانت وفق القانون)، وكان في اعتقاد البعض انه لدوافع سياسية ومهنية ترشحت عن ذلك، وقطعا عند اعتراضه على الحكم سيكون هناك تأكيد لما سبق وصفه.
ومن خلال عملي في المحكمة المركزية لسبع سنوات تقريبا عاصرت هيئة النزاهة منذ ان كانت غرفتهم بجانب غرفتي في بناية ساعة بغداد، وتوكلت عن قضايا عديدة وتوكلت عن موسى فرج رئيس الهيئة وراضي الراضي وأيضا كان رئيس هيئة النزاهة، ان أفضل وقت للمحققين وجميع الموظفين كان وقت القاضي راضي الراضي ورحيم العكيلي الذي أعطى للمحقق صلاحيات واسعه ودعمه بشكل مؤثر، غير متناسين، السيد موسى فرج، الذي لم يعطوه الوقت الكافي لرفع مستوى الهيئة، والرجل كان نزيها لكن تنقصه الحنكة الإدارية المطلوبة.
وللتذكير، بعد انسحابي من قضية اللواء (نعمان داخل) بفترة كانت لي زيارة لاحد المحققين الذين حققوا في قضية اللواء نعمان في بيته في المنطقة الخضراء، وكان يراس العمليات الخاصة، وذهبت بصحبة احد أصدقائه وكان صديقي أيضا وكنت وكيله وهو الماني الجنسية، وقد اخبرني عن سطوة ونفوذ المحقق وبطريقة دفعتني لأجل الذهاب ولقائه، وعندما جلست معه لاحظت ان عمره وطريقة كلامه وخبرته لا تنسجم مع رئاسته للعمليات الخاصة، وتحدث بطريقة توحي بان غالبية المسؤولين والسياسيين لديه عنهم مكالمات وتسجيلات وصور تبين فسادهم المالي والإداري والأخلاقي في بعض الأحيان، والامكانيات مسخرة تحت امرته بطريقة تعلوها الغرور الكبير الذي يطغي على عمله بعيدا عن الأطر المهنية المفترض ان يتحلى بها، وامكانياته المادية تجلب الريبة ولا تتفق ما يستلمه من راتب وفق عمله كمحقق، وبعدها علمت انه تم ملاحقته بعدة دعاوى منها هذه القضية ولا اعرف مدى صحة الاتهامات فيها..
كتب العظيم عمر بن عبد العزيز لأحد عماله:
(لقد كثر شاكوكَ، وقلَ شاكروك، فإما عَدِلتَ، وإما اعتَزلت)
وفي الأخير نؤكد: لمن لبسوا ثوب الحق على فصال الباطل، أنتم مصداق لقول اﻹمام علي عليه السلام:
(أﻻ وإن من ﻻ ينفعه الحق يضره الباطل، ومن ﻻ يستقيم على الهدى يجره الضلال الى الردى)