23 ديسمبر، 2024 9:27 م

قضايا حمورية…

قضايا حمورية…

التقى حماران كانا جاران لبعضهما البعض، إلا أن الزمن لعب لعبته وأدار ظهره عن أحدهما، وأخذ بيد الثاني.. حتى ذلك اليوم قرب حائط المبكى العراقي، الذي نال من بؤسهما الكثير وعذابهما، توجس من جاءت الدنيا معه خيفة من صاحبه، حاول ان يحيد بالتغاضي عنه،إلا ان صاحبه نهق بصوت مكبوت… هل يعقل ان تكون أنت ذلك الحمار .. صديقي؟ ذاك الذي فتقت أوجاعه السياط، حين كانت تنزل مثل المطر علىظهره، لا استطيع ان أصدق عينيي!! هل أنا في حلم؟
لم يستطع التملص من مواجهته فقال: أهذا أنت يا صديقي الحمار، لا أكاد أصدق أيضا!! أنك لا زلت تتسود الحائط نفسه، ألم تشعر بالضجر والسأم منه، أرى أنك قدرسمت خيالك خليلا بعد غيابي… أعني هروبي عن ذلك العاق الانسان المتوحش صاحب رقبتي، لقد انهك قواي حين أبقى على معاملتي في حنق وجور حتى ترملت كل حواسي، بت لا أشعر هل انا حمار؟ أم بني آدم؟! فكثيرا … ولعلك تذكر حين كان يصب جام غضبه عليكنت اتلقى حنقه دون فعل أي شيء…،طالما أخذ الليل من بكائي نهيقا الى هروب، في حينها قلت لك… علينا ان نتظافر معا، نخرج من هذا المستنقع والهرب الى عالم آخر، لكنك عصيت كالحمار الذي لا يفقه معنى الحرية بعيدا عن يد الانسان المتسلط المستبد أتذكر….؟؟؟
أجابه: نعم أجل وأنا نادم كثيرا على معارضتي لك.. لقد حسبت ان طيبة صاحبي في وقتها ستغير الكثير من حياتي، كونه من محبي السلام والرفق في الحيوان، كنت ساعتها عولت على ان يتغير هو مع تغير كل شيء حوله،  لكن العكس حدث فحتى صاحبك طاله جور ظلمه فمات شر ميتة، لكني كنت احسب بهروبك سيكون المكان لي وحدي، ارتع فيه واصول واجول بحريتي، إلا ان كل حساباتي ذهبت أدراج الرياح، خاصة بعد ان عكس الحظ ذيله لصاحبيفاعوج بلأنكسر بكل ما تعنيه الكلمة، بات حائرا بتوفير لقمة لأهله ونفسه، طفق يجرني من زقاق الى زقاق، ومن إجرة هنا الى إجرة هناك، فبالكاد يعطيني ما يقوي جسمي على العمل، حتى سقطت في مرة الى الارض، عمد حينها الى نكش جلدي، حتى تطايرت كل آمالي بالتغيير، ندبتُ أيامي على عدم الهروب معك، اسلمت أمري للذي خلقني، فما بي قوة على مجاراة صاحبي هذا، الذي بات ظلمه أكثر من صاحبك، إلا من بعض المرات حين يلجأ لي ويحدثني عن ظلم أبناء جلدته له، وهو الذي كافح في محاربة الطاغوت من خلال اعمال روج لها في فترة ما، تسيد فيها أصدقاء له المناصب، إلا هو فقد نُشر على الحبل كغسيل ثياب مستعمله، بعد ان أقترح إن تكون الجماهير هي صاحبة القرار في الأختيار، لم يرغب بالتزوير او العمل على استنزاف قوت شعب، عبر تيارات وكتل واحزاب… تسارعت العناوين فيها جريا لبيع ضمير لمناصب، فاعتزل العمل معهم، ظنا انهم سيعمدون الى مصالحته والاعتذار منه،أوتصحيح الخطأ، أو على الأقل يهادنونه إلى أن يركب السفينة، يتعود على دوار البحر الذي مخرت به كل أشكال السياسة الآدمية خروقات الانسانية بدستور منقح عالميا، شهد الانتظار ساعات ملل وضيق عيش، حتى طاله التهميش من قِبلهم، توارى عن العامة، ثم ركن بقربي هناك… أتراه؟؟
يا لك من حمار… رد عليه صاحبه، إني اقسم أنك رضعت لبن أمك حتى أصبحت حمارا مصفى، قد أكون مخطئا في وصفك هذا، لكني لا أعول أنك ستتغير، فأنت والحمير الذين مثلك هم الوسادة التي نرتقي عليها، خاصة أني لبست وجها جديدا، حملت هوية غير التي تعرف، لذا ترانا ما ان ننهق بصوت يروق لكم حتى رددتم بالمثل… نقوم بعدها نَصِف لكم العهود مصفوفات إلكترونية تغازل مخيلتكم، وهي في الواقع وصفات تخدير طبية لحبوب هلوسة، فتعمدون الى النهيق بشكل جماعي تؤيدون ما نقول، وإن كان نفاقا وكذبا، إن الهروب يا صاحبي والاحتكاك بحمير الشوارع ولقطاء الزمن مع أصحاب اللجوء السياسي وغيره، سرب لي التجارب المختلفة… فلولا حنكتي ودهائي ما تربعت على ما تراه الآن، الحقيقة أقول لك ..أني في حيرة من أمري بشأنك وحالك!؟ أتراك تستطيع ان تقدم لي ما يمكن ان يرتقي بك من مكانتك هاته الى حال أفضل؟ أم تحمل خيالك الحموري معك ولا تتغير؟ إن القضايا التي نطرحا كبيرة وشائكة، نحتاج فيها ان تكون أكبر منافق، تتوشح السواد غطاء دين، ضميرك يكون مستتر تحتها، وأيا كان يقرئك لا يجدك ظاهرا أو حتى فاعلا… فمن هم على شاكلتك نظهرهم على أن يكونوا مفعول به معلوم، أما المجهول فهو من نظن انه كذلك، إلا أنه في الواقع المبتدأ والخبر…
مهلا يا صاحبي… مهلا.. أرى ان ثقافتك قد أزدادت، وما عدت افهم لغة التغيير التي تتحدث بها؟ أراك فعلا أصبحت ملما في قضايا الزمن الحديث، لا شك انك اليوم وقد جئت الى أرضك التي ترعرعت فيها، لابد ستغير فيها وترحم من تعرف، فقد نالك من الظلم والحيف ما نالهم، وسؤال لو سمحت لي.. ما الذي يمكنك ان تقدمه ليتغير الوضع؟ فلا زالت تلك بيوت العنكبوت هي .. هي ، ولا زال الليل والنهار حين يتداولان هما… هما لا شيء يتجدد، فنحن نعيش في دوي من الرعب، لا ندري هل نحن أبناء وطن أم غرباء؟؟ بعد أن تسربت وجوه تحمل السخط قناني غازية مرجوجة، ما أن تعمد على فتحها حتى تثور في وجهك، تجعلك لا تشتهي ان تعيد فعلتك، أما من سكنوا خلف تلك الجدران العالية، فلا يمكن ان تعرفهم، بعدما هيكلوا لأنفسهم برلمانا ذو خطوط برؤى مستقبلية… مستقبلية لهم، ليس لأمثالي او من غير بني جنسي، فبات من يسكن هذا الوطن لا يفرق بين الحيوان عن الانسان، قد نكون تشابهنا في التهميش المخطط، لا أدري ماذا أقول لك؟ إني احمل هموما لو فرقتها على يتامى الزمن لنفقوا، قبل أن تثمر أيامهم في الحياة، لكني سأسالك سؤال مرة أخرى… هل يمكن ان نتغير فعلا من خلالكم؟؟ أم إنها أكذوبة ملونة تماما،فحين تدخل صالات الدعر ترى الكرة المعلقة المزججة وحولها الاضواء الملونة تدور بك حتى تودي بك الى الترنح، ثم تخلط  بين من كان يصلي ومن لم يكن مصليا، ناهيك عن الصخب الذي تسمعه دون فهم ماذا يعني ذلك؟ هل انت مثل هؤلاء؟؟
صمت قليلا صاحبه.. ثم نفض رأسه وهز أذنيه الى الامام والى الوراء، كأنه يغير من سرعة البديهة التي لطمته فجأة من هذا الحمار الذي أمامه، فرد قائلا: أراك يا صديقي تفهم وتعي الأمور بشكل جيد، بيد أني لا أدري هل أشد على يدك أم أتركك تعيسا تعاني الأمرين!؟ مُر… ما أنت فيه، ومُر أحساسك بالحموضة من كلامك الذي تردد، فأنا أراك وهذا من خبرتي أنه لا يمكنك ان تتغير، بما أنك تشير الى المتغيرات بأنها مجرد إشاعات بأركان هشة لوقوف الأمال، ما أن تتحرك حتى تدفع بالاركان الايدي الخفية لتطيح بكل أحلامك وما تأمل الى نهايات دون غايات محققة، لذا أنصحك أن تعيد حساباتك وترضخ للواقع، ثم تبقى متوسدا حائطك هذا، تشرع الى خيالك، تسامره، تشكي له همك اليومي، أما صاحبك فدعه يكيل لك الضرب، كونك تريد ان تفهم الواقع الذي يدار به بلدك، فلا أنا ولا ألف حمار مثلك ومثل صاحبك، يمكنهم ان يغيروا ما خط بنجوم وخطوط حمراء وزرقاء، فتلك يا صديقي هي الهيمنة، احببت الحديث معك، لكنك تنشد حلحلة قضايا حتى أنا وبما أحمله من تغير في نظرتي للواقع، لا يمكنني مناقشة خباياها ومساوماتها من بيع وشراء ومحاصصة خلف تلك الجدران… فقد باتت أرض محرمة على أمثالك، لذا إنصحك بأن ترضى بالواقع، عش ما بقي لك من أيام وابتعد عن التفكير، كن حمارا تعيش فترة أطول، ولا تأمل التغيير في أمة نكثت عبائتها وخرجت تبحث عن الحقيقة، فلا حقيقة في وطنك يمكنك تلمسها، إنها مجرد هواجس يومية وحقائق مزورة، فأقنع بما لديك واترك الامور تسير الى ما قدر لها، ولا تنطق لتقول هذا استسلام، فمن أضاع الوطن هم من أمثالك الذين طبلوا وصفقوا، حتى توالت اللعنات عليكم فبتم شعب بلا وطن.