في خطوة نوعية جاء قرار مجلس الوزراء العراقي بموافقة أغلبيته في جلسته المنعقدة البارحة 31/12/2013 على تحويل قضاء حلبجة الى محافظة تحمل تسلسل “التاسعة عشرة” للعراق. وقد أتُخذ هذا القرار “تكريماً” لسكان هذا القضاء الذي تعرض سكانه لضربة بالسلاح الكيمياوي على أيدي النظام الصدامي الدموي في آذار من عام 1988. ولا يختلف إثنان على أعتبار هذه الجريمة النكراء التي أرتُكبت بحق الأبرياء المدنيين من الأكراد العراقيين من الأطفال والنساء والشيوخ إبادة جماعية، حيث كان لها أثر كبير على الشعب الكردي والعراقي بكافة أطيافه، وإثر هذا القرار رحبت الأوساط الكردية به ووعدت السلطة في الأقليم بتحويل حلبجة الى إحدى أجمل المحافظات العراقية. لا شك أن غالبية العراقيين لا يختلفون على هذا القرار “التكريمي” الذي يستحقه سكان القضاء المنكوب. هذه الخطوة بحد ذاتها تعتبر رادعاً لسياسات الأقتتال الداخلي ورفضاً لمداولة وأستعمال الأسلحة الكيمياوية وغيرها من الأسلحة المحضورة دولياً.
وبهذه المناسبة لابُدّ لنا أن نقف عند “توارث” الحكومات العراقية المتعاقبة لسياسة القمع على أساس الأنتماء العرقي والمذهبي التي مورست بحق كافة الأطياف العراقية، والتي أنعكست سلباً على مجمل الشعب العراقي ولازالت آثارها شاخصة لحد يومنا هذا. ففي الوقت الذي تسعى الحكومة العراقية الحالية ومعها كافة القوى الوطنية لإنقاذ البلاد من خطر الصراعات الطائفيه والقومية والمذهبية التي تهدد وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وتعمل جاهدة لإرساء الأمن والأستقرار وإحلال الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات، لابُدّ لها أن تقف بشكل جدي ومسؤول على أحداث التاريخ المعاصر للعراق منذ إعلان حدوده الجغرافية كدولة مستقلة عام 1921 والمراحل التي مر بها، لتحديد مكامن الخلل وأيجاد الحلول الصائبة والمناسبة لها، حيث تعتبر مذبحة سميل التي تعرض لها الشعب الآشوري في آب من عام 1933 أول مذبحة في تاريخ الدولة العراقية، وتعتبر الأنطلاقة الأولى للسياسات العنصرية والقتل والإبادة الجماعية، كون مذبحة سميل أقتُرفت بقرار من الحكومة العراقية في حينها، ونفذها الجيش العراقي بدعم من بعض العشائر العربية والكردية، وراح ضحيتها أكثر من أربعة آلاف آشوري من الأطفال والنساء والشيوخ العُزل الذين قُتلوا بدم بارد، وتشريد الالاف منهم والأستيلاء على أكثر من 67 قرية آشورية في محافظة دهوك الحالية. حيث تعتبر سياسة التضليل وتشويه وإخفاء حقيقة هذه المذبحة التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة، تشريعاً لهكذا أعمال إجرامية وفتحت الباب على مصراعية أمام من يجلس على سدة الحكم لينفذ مشاريعه العنصرية التدميرية بحق العراقيين الذين يختلفون عنه قومياً ومذهبياً، ولهذا السبب أعقبت المذابح التي تعرض لها الآشوريون بمختلف مذاهبهم في سميل 1933 وصورية عام 1969 فضائع أُخرى أرتُكبت بحق العراقيين، كجرائم المقابر الجماعية التي تعرض لها الشيعة في الجنوب وحلبجة الكردية في الشمال، وعملية الأنفال السيئة الصيت التي أقتُرفت بحق الآشوريين والأكراد في المحافظات الشمالية.
الغريب جداً! والذي كان غير متوقعاً من القائمين على كتابة الدستور العراقي، بأعتبار الدور الشيعي والكردي بارزاً في صياغته، ففي الوقت الذي تعتبر هاتان الشريحتان من المتضررين بشكل كبير من جراء السياسات الشوفينية التي مورست بحقهم، ومعهم غالبية الشعب العراقي، على يد الحكومة العراقية السابقة، نجدهم وعن قصد قد غضوا الطرف على مذبحة سميل!، كما إننا لا نجد أي أثر أو ذكر للدور الأيجابي الكبير الذي لعبه الآشوريون ” الشعب الأصيل لهذه الأرض وبناة حضارتها” في دستور البلاد الجديد. إنها من المفارقات الغريبة فعلاً!، أن يدعي القائمين على الحكم بأنتهاجهم للديمقراطية وحقوق الأنسان وأدعائهم بأنهم يضعون مصلحة الشعب العراقي بكل مكوناته القومية فوق كل الأعتبارات، بينما يتنكرون لما تعرض له الآشوريين في البلاد.
وهذا التصرف بحد ذاته يعتبر محاولة فاضحة لتغييب الدور الوطني للآشوريين في العراق وتعمُد مقصود لإقصاء قضيتهم العادلة، لذلك وبحسب الدستورالعراقي الحالي يُعتبرالآشوريين مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة في العراق، مما أعطى الضوء الأخضر بطريقة غير مباشرة لتمارس أبشع الجرائم بحقه طوال العشرة سنوات الماضية، بأعتباره أقلية دخيلة على البلاد تفتقر الى الشرعية الوطنية والحصانة الدستورية، فخلال الفترة ما بعد سقوط الطاغية ولحد يومنا هذا تعرض الآشوريون الى مذابح راح ضحيتها الآلاف منهم، وهُجرت عشرات الآلاف من العوائل الآشورية قسراً من مكان سكناهم في الموصل وبغداد والعديد من المحافظات الجنوبية، دون أن يكون لهم معين أو قانون يحميهم كشريحة أصيلة من الشعب العراقي، واليوم ترك البلاد خلال العشرة سنوات الماضية أكثر من نصف مليون آشوري تشردوا في دول الجوار وقسم كبير منهم وصلوا الى دول الغرب أملا في الحفاظ على أرواحهم وأرواح أبنائهم.
إن الإخفاقات التي تخللت مسيرة التغيير في العراق والتي تدخل غالبيتها ضمن الصراع القومي والطائفي والسلطوي كانت السبب الرئيسي في تلكوء مسيرة التغيير والفشل في إرساء الأمن والديمقراطية في العراق، ويشغل الدستور العراقي الحالي حيزاً مهماً في هذا الفشل، كونه تمت صياغته على أساس التوافق والمحاصصة المقيتة التي تنصب في مصلحة القوى المؤثرة والمهيمنة على الساحة السياسية العراقية.
عليه وحفاضاً على مصداقية القائمين على البلاد، يتحتم عليهم دراسة الدستور بشكل دقيق، وإعادة صياغته بالأعتماد على المصلحة الوطنية العليا، لإنصاف جميع أطياف الشعب العراقي، لاسيما الآشوريين الذين كانوا أولى ضحايا إرهاب ممنهج للدولة العراقية في مدينة سميل عام 1933، وهذا بحد ذاته سيعتبر الحجر الأساس في إعادة بناء الثقة بين أبناء الشعب العراقي عموماً بأفراده ومؤسساته وقواه السياسية وأطيافه الدينية، لتكون هذه الخطوة نقلة نوعية في أتجاه حلحلة أزمات البلاد وإخراجها من النفق المظلم الذي تمر فيه.