23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

( قصيدة الشعر ).. فراغ المفهوم وخلو المصداق

( قصيدة الشعر ).. فراغ المفهوم وخلو المصداق

أول ما يواجهه القارئ من ردّة الفعل الشعرية على الكساد الذي لحق سوق الشعر من مجاميع شاغرة من القرّاء، وأمسيات بلا مستمعين.. هو مصطلح ( قصيدة الشعر )، في محاولة يائسة لمقابلة ما أضاعته ( قصيدة النثر ) ممثِّلةً و لقمة الحداثة والتجديد الشعريين. فحينما نطّلع على مصاديق ( قصيدة الشعر ) التي مارست طقوسها في تسعينات القرن العشرين، بأسماء ربّما أعادت لسلطة الشعر شيئاً من مكانتها المتزعزعة.. نتوقع أن نجد شيئاً مغايراً ومختلفاً عن ( قصيدة النثر ) وعن ( قصيدة الشعر الحرّ ) وعن ( القصيدة التقليدية )، بل نتوقع أن نجد خرقاً لكل ما عرفته هذه القصائد من معايير وأعراف وسنن، وأن نجد خروجاً عن السائد، أو انحرافاً عن المألوف. ولكن ( ولا داعي للأسف في هذا الموضع) لم نجد شيئاً من ذلك، وإن وجد فليس باعتبار ( قصيدة الشعر) الحداثة الأخيرة  للشعر، بل باعتبار الحداثة الشعرية المندفعة بلا توقف في الشعر عموماً.
       فقد تحدث منظرو قصيدة الشعر عن الإيقاع داخلياً وخارجياً، ولم يفوا به. لذا كان الإيقاع فيها يمثل حلقات التطور المألوف للشعر العربي بأشكاله المعروفة التقليدي والحر وقصيدة النثر، ولذا نجد كل هذه الأشكال في ( قصيدة الشعر )، بما جعلها مجمعاً للأشكال الإيقاعية للشعر العربي، وبتعبير أدق بلا شكل إيقاعي يميزها. وبالتالي يصبح السؤال عن مفهوم قصيدة الشعر وسمتها المائزة التي تمنحها حق اجتراح المصطلح سؤالاً مشروعاً. فهم يضعون المصطلح مفهوماً يستوعب الشعر العربي بكل تفاصيله وبكامل قامته التاريخية المديدة وعصوره بديلاً عنه ولم تستبدله. وبما جعل البديل هو المبدل منه ذاته.
       وتحدّث منظرو قصيدة الشعر عن وحدة تلمّ الموضوع، وعضوية حركية تجمع مفاصلها، متجهةً من المفتتح لحبكة تتفاعل مع أجزائها، وتشارك القارئ عيناً وأذناً، لتتلاشى في خاتمة القصيدة، تاركة أثرها الشعري في المتلقي صدى يثير فيه التساؤل والاندهاش.. أو لنقل بتعبير أدق: هكذا أرادوها أن تكون. ولم يكن ذلك الوصف، أو ما أرادوه للشعر من وصف.. لم يكن من بركات قصيدة الشعر، وإنما هو سمة شعرية تفاوت حضورها في الشعر العربي قديماً وحديثاً باختلاف مدارسه وأجياله، ولم يكن جماعة المهجر أو جماعة الديوان وأبوللو بعيدين عنها، فضلاً عن الحلقات الأكثر تطوراً الشعر الحر وقصيدة النثر. ما يجعلنا نعيد صدى التساؤل مارّ الذكر عن السمة المائزة لقصيدة الشعر.
       هل كانت خبطة إعلانية لجيل جديد من شعراء الهامش يرتجون ا لصعود لمؤسسات المتن الأدبي، حيث رأوا أنفسهم خارج دائرة الضوء، وصيحة إعلامية تفتح أبواب وشبابيك فتنة الجدل لإثارة الاهتمام!! مصطلح بلا مصاديق، يقتات وجوده من مصطلحات سابقة، مغايراً لفظاً مطابقاً معنى، يؤكد الاختلاف ولا يمارسه، وينقض السابق ولا يجدده. أهي لعبة الإثارة تحاول إعادة المهجور إلى الواجهة، والمنبوذ إلى الاهتمام! هي لعبة ذكية ( والشعر لعبة اللغة )، حاول جيل من الشعراء إشغالنا وإشغال المشهد الشعري المجدب بها ولكن.. إلى حين. لأنها وإن استطاعت التخلص من عقبات تعالي الشاعر، وعقبات إبهام القصيدة، فلن تستطيع حلحلة أزمة المتلقي من القناة الورقية البالية في ذوق العصر.
 [email protected]