قصف قاعدة العديد تصعيد نحو مواجهة أوسع أم تمهيد لتسوية قادمة؟

قصف قاعدة العديد تصعيد نحو مواجهة أوسع أم تمهيد لتسوية قادمة؟

قصف قاعدة العديد في قطر شكّل نقطة تحوّل خطيرة في مسار الحرب الدائرة بين إيران والكيان الصهيوني وهي حرب لم تعد مقتصرة على حدود جغرافية ضيقة بل أصبحت صراعًا مفتوحًا تتقاطع فيه المصالح الإقليمية والدولية بشكل معقّد وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط المواجهة تحت ضغط من اللوبي الصهيوني داخل واشنطن الذي بات يمارس نفوذًا هائلًا على صانع القرار الأمريكي لدفعه نحو حماية ما تبقى من هيبة الكيان الغارق في مأزق عسكري واستراتيجي غير مسبوق الحرب التي ظنت إسرائيل أنها ستكون جولة سهلة وسريعة مثل حروبها السابقة مع بعض الأنظمة العربية الضعيفة سرعان ما تحولت إلى كابوس استراتيجي أفقدها القدرة على المناورة أو المبادرة فلم تكن تتوقع أن إيران تمتلك هذه القدرة على الصمود والهجوم في آن معًا خصوصًا بعد إعلان طهران أنها مستعدة لخوض حرب طويلة الأمد قد تمتد لعامين وهو إعلان كان له وقع الصدمة في الأوساط السياسية والعسكرية سواء داخل الكيان أو في الدوائر الغربية الحليفة له الرد الإيراني جاء متسقًا مع هذه الرؤية الاستراتيجية إذ انتقل من الدفاع الذكي إلى الهجوم المحسوب وفي لحظة مفصلية قررت واشنطن التدخل بشكل مباشر واستهدفت منشأة نووية إيرانية بهدف التأثير على ميزان الردع إلا أن هذه الخطوة أتت بنتائج عكسية فبدلًا من أن تعزل إيران زادت من تعاطف العالم معها وأحرجت الغرب أمام الرأي العام الدولي الذي بدأ يرى في طهران ضحية لعدوان أمريكي إسرائيلي مشترك وهو ما أضعف الموقف الأخلاقي والسياسي للولايات المتحدة في نظر كثير من الشعوب حتى داخل بعض المجتمعات الأوروبية في ظل هذا التصعيد تحركت الدبلوماسية الإيرانية نحو موسكو وكان اللقاء بين وزير الخارجية الإيراني والرئيس الروسي محطة بالغة الأهمية حيث أكد بوتين دعم بلاده لطهران في وجه ما وصفه بالعدوان المزدوج مع تأكيده على أهمية تفادي الانفجار الإقليمي عبر مسارات تفاوضية واضحة وهذا التقارب الإيراني الروسي أزعج الولايات المتحدة وأربك حلفاءها في المنطقة خاصة أن موسكو باتت تميل إلى دعم محور المقاومة في ظل صراعها المفتوح مع الغرب على أكثر من ساحة الرد الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد الأمريكية في قطر أرسل رسالة غير مسبوقة ومباشرة مفادها أن طهران لم تعد تقبل بأن تُستهدف دون رد وأنها قادرة على توسيع نطاق المعركة إذا لزم الأمر وهو تطور خطير لأنه وضع القوات الأمريكية في مرمى النار بشكل مباشر وأعاد ترتيب أولويات واشنطن التي تجد نفسها اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما إما التصعيد الكامل والدخول في حرب غير مضمونة النتائج أو العودة إلى طاولة التفاوض وفق شروط جديدة تعكس توازنات القوى القائمة في هذا السياق يجب التنبيه إلى أن التصعيد المفرط قد يخدم المصلحة الإسرائيلية التي تبحث عن إحراق المنطقة برمتها للهروب من مأزقها الداخلي والانهيار العسكري الذي تواجهه في أكثر من جبهة ولذلك من الحكمة أن تواصل إيران تركيزها على إنهاك الكيان سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا دون التورط في حرب استنزاف مع الولايات المتحدة في هذا التوقيت الحرج إذ أن توسيع المواجهة قد يصب في مصلحة خصومها وليس بالضرورة في مصلحتها الكرة الآن في ملعب واشنطن وإذا ما استجابت للضغط الإسرائيلي وواصلت التصعيد فإنها ستورط نفسها أكثر في مستنقع الشرق الأوسط أما إذا اختارت التعقل وفتحت باب الحوار عبر وسطاء مثل روسيا أو تركيا فإنها قد تنقذ ما تبقى من حضورها ونفوذها في المنطقة وتجنب نفسها تداعيات صراع طويل لا يمكن السيطرة عليه أما بريطانيا التي سارعت إلى إرسال طائرات إلى الشرق الأوسط بذريعة حماية مصالحها فهي على الأرجح تسعى إلى استعادة دورها الاستعماري التاريخي في هذه المنطقة وهي تدرك أن واشنطن اليوم تعاني من تآكل نفوذها لذلك تحاول لندن ومعها باريس التقدّم خطوة إلى الأمام واستعادة مواقع النفوذ القديمة في إطار صراع خفي على من يرث الهيمنة على المنطقة إذا ما تراجعت الولايات المتحدة أكثر وهو ما يجعل الوضع أشد تعقيدًا ويؤكد أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من الصراع الدولي تحت عنوان إعادة رسم النفوذ لا أقل ولا أكثر فإن قصف قاعدة العديد ليس مجرد حادث عابر بل هو عنوان لتحول استراتيجي كبير في طبيعة الصراع ومستوياته وربما يكون مقدمة لتوازنات جديدة ستُفرض على الجميع بقوة الفعل لا بقوة الخطاب