الكتابة الابداعية… كيف تبدأ …؟
الكتاب هو الذي يتضمن القصص والحكايات أو الأشعار أو المقالات أو البحوث بكل أجناسها، ولكن كيف يصل إلى القارئ؟
الكتاب… أي كتاب يصدر في الكتابة الإبداعية… القصة… الرواية… الشعر…الخ كيف يصل إلى المتلقي… فهل يصلح ليكون مادة قصصية؟
الطريق إلى المطبعة تسبقه سنين قد تصل إلى ربع قرن فبداية الكتابة… تبدأ من شارع المتنبي الذي يحفل بالمكتبات ودور النشر والمطابع التي شغلت قلب العاصمة.
يقين إن الأمر لم يكن محض مصادفة عن قرب هذا الشارع من (القشلة) حيث مقر ودوائر الحكومة في مطلع القرن الماضي، وكذلك قربه من المدارس في تلك الحقبة… وهل أولى من الطلبة بالقراءة سواء كان الأمر مطلباً لغاية علمية معرفية أو وسيلة ثقافية وحب اطلاع.
لم يقف الأمر عند الكتب في هذا الشارع بل أصبح مخصصاً للمكتبات ونشر المطبوعات على الرصيف مما تفتق عند الباعة وتفنن ذهنهم من بدع وابداع… من تلخيص للمقررات الجامعية إلى بيع أمهات الكتب وروائع الأدب العربية والعالمية وبأثمان بخسة على رصيف (للإبداع).
وقف بجانب مكتبة مقابلة لمقهى الشابندر، مد يده تناول أحد الكتب… وقال: يبدو انه كتاب نقدي ثم سأل عن ثمنه… وتناول آخر ملقى على الأرض بين الكتب المكتظة المترامية. كأنما تلبي نجدته… وربما أراد أن يستنجد به في عمله، تنقذه أو تنقذها… لا يهم.
لا لم تكن الكتب جميعها من الروائع… كان بعضها يسرق النظر مثل كيف تصبح مليونيراً؟… كيف تكسب الأصدقاء؟… الكوابيس والحسد.. بدأ القلق على قسمات وجهه عندما طالع كتاب الأيام لــ (طه حسين) سأل في سره- وهل الأيام على زمن (طه حسين) تختلف عن أيام زماننا… ثم أجاب… بكل تأكيد على الأقل أيام (طه حسين) لم تكن الكتب تلقى في الشوارع… كان لها الصدارة.
في كل مكان… كيف لا، وكلمة كتاب بمثابة بركة واضحة للأديان وأول من سمي به .. الكتب المقدسة.
كتب… كتب… كتب فمن يشتري؟!
ابتسم البائع الذي يجلس على اريكة (إسمنتية) مرتفعة بعض الشيء عن الرصيف… فقال اختار منها ما تشاء وسوف (أسامحك) في الاسعارلم يعر قوله اهتماماً- كان يمد يده إلى كتاب ثم يعيده إلى مكانه ويتناول الآخر… على شكل خرزات السبحة أتراها تحبني ثم يبدأ بـ نعم ولا … وبالفرح الجامح إذا كانت الخاتمة نعم… وبالحزن عندما يقف الخطأ على الــ (لا)… هو اليوم يقول… إذا ترك كتاباً وتناول آخر هل اذهب إلى المطبعة… ويتمتم نعم… لا… نعم… ويتقصد ان تقف عند (نعم).
كان الخيار الصعب لطباعة الكتاب الأول ماذا سيكون مصير كتاب لم يولد بعد؟… اذا كانت جميع هذه الكتب ملقاة على الأرض فمن سيضع له كتاباً على رف مكتبته… واذا وجد هذا الكتاب فمن سيقرؤه ويترك جميع الكتب تخيل الكتاب الذي ينوي طباعته جمهوراً باسمه العربي الأصيل… كان ابيض مثل وردة الياسمين… كما تخيله… اما الغلاف فأنه ازرق بلون البحر وكأن جميع محابر العالم قد انسكبت فيه… اما الحروف فهي أشبه بالمراكب والسفن التي تمخر عباب الغلاف.
اقترب الموعد مع صاحب المطبعة… لم يكن يعرفه… كان صوته يشبه صوت (الشطري) بائع الكتب على الرصيف وتابع السير بأتجاه المكتبة والقي نظرة أخرى على أكداس الكتب… ويا للهول ما رآى… رأى المؤلفين الذين قرأ أسماؤهم وكأنهم سجناء هذا المكان أما الأغلفة الملطخة ببعض اللون الأحمر فأنها تشبه الجراحات النازفة التي تظهر في ساحات القتال على الشاشات الفضائية.
أما كتب العلوم التي تصور الهياكل العظمية فهي موتى الحروب في هذا العالم كتب الفيزياء… لم تكن دوائر أغلفتها الاّ قنابل موقوتة… ونقاط الضوء التي تصل بينها إلا أعواد كبريت على أهبه الاشتعال.
بدأ العرق يتصبب… سرت في جسده قشعريرة برودة تنبئ بحمى ودوار- لم يعد يرى الأقلام والدفاتر في المكتبة التي التصقت بها- مر بنظره الزائغ على محبرة بديعة يداعبها ضوء الشمس الذي اخترق زجاج المكتبة الأمامية حتى بدت تتلألأ كالماس… فقط كانت بحاجة إلى من يصور صبرها حُلياً خالدة على مر العصور والازمان.
فتح صاحب المكتبة الباب يشجعه على طلب ما يريد… قال بضاعتنا جميعها جديدة وصلت بالأمس من أفضل الماركات العالمية.
قال بحياء… عفواً آمل ألا أزعجك بسؤالي اربد التوجه إلى صاحب (أو دار النشر) لأطبع كتابي…!
نظر ملياً كأنه يلوم نفسه على فتح الباب وقال… هنا إلى اليسار حوالي (50) متر ثم الى اليمين (100) متر اخرى تجد اسم دار النشر بين فيض اللوحات المعلقة على بناية (فلان) والمطبعة في القبو، سمع صوت صرير الباب يعلو على صوت وليد جديد من الكتب التي تُطبع.
همـس في سـره (انهــا الكتـب مثل البشر… فلا بـأس مـن ولادة كتـاب آخـر) .