23 ديسمبر، 2024 12:23 ص

قصص الأنبياء في الكتب (المقدسة) 1/2

قصص الأنبياء في الكتب (المقدسة) 1/2

قصص الأنبياء في الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية الثلاث الرئيسة فيها مشتركات كثيرة، كما وفيها تفاوت طفيف أحيانا، وحاد وجوهري أحيانا أخرى. وبما أن موضوع الأنبياء، من وجهة نظر العقل المجرد والمحايد دينيا، هو من المواضيع التي تقع في دائرة الممكن العقلي، مما ينفي كونها واجبا عقليا كما يصر معظم الدينيين، كما ينفي كونها من الممتنعات العقلية كما يصر الكثير من اللادينيين، وذلك من حيث أصل النبوة، أي وجود ثمة تكليف إلهي لأشخاص مصطفَين منه تعالى للتبليغ والإنذار والتبشير والأمر والنهي عنه سبحانه، ومن حيث أصل حصول القصص المنسوبة إليهم، أو كل أو بعض تفصيلاتها، ذلك بقطع النظر عن التصديق، أو عدم التصديق بنُبُوّتهم ورسوليتهم، فهي من الأمور التي لا نملك إذا تجردنا من اعتماد مقولة دينية لهذا أو ذاك الدين دليلا على حصولها، إلا عبر الثقة بالمصدر، بالنسبة لمن يؤمن بإلهية مصدر الخبر، وهو الكتاب المقدس الذي يؤمن به. فإذا ما توثقنا من صدق أحد المصادر الراوية لتلك القصص، يكون ذلك مبررا للتصديق بها، إذا لم يكن عرضها من قبل الواحد أو الآخر من الكتب المقدسة بدرجة من اللامعقولية، بحيث يجعل نفس المصدر موضع الشك في مدى صدق إلهيته. وإذا ثبت – حتى من قبيل فرض المحال – صدق أحد هذه الكتب كوحي إلهي، تبقى تلك التفصيلات من قصص الأنبياء التي تتناول الجوانب الإعجازية خاضعة لفهم سنبحثه بشكل مستقل لاحقا. فإنهم من وجهة نظر العقل المجرد، إما رسل وأنبياء مُكلَّفون من الله، وإما هم شخصيات إصلاحية؛ مؤمنة بالله واليوم الآخر وبوحدانيته تعالى، دعَوا إلى الإيمان به سبحانه وعبادته وتوحيده والتمسك بقيمه حسب اجتهادهم، أو أرادو تصحيح السائد في زمانهم من عقائد، رأوا انحرافها، كما واقترنت دعوتهم الإصلاحية الدينية في بعض الأحيان بدعوة إصلاح اجتماعية، على الصعيد الأخلاقي أو السياسي أو ما سواه، أو يكون هناك دافع آخر لدعوى النبوة، قد يختلف من حالة إلى أخرى، أو يكونون قد انطلقوا بدوافع، ثم واصلوا دورهم باستجداد دوافع لاحقة مغايرة، كما يبدأ كثير من قادة لثورات تحررية بصدق في النضال في سبيل تحرير شعوبهم من الطغيان أو الاحتلال، ثم يتحولون هم إلى مستبدين، بعدما تكون لهم السلطة، فيستعبدون شعوبهم بعدما حرروها من الاستعباد على يد غيرهم.

أما وجود مشتركات في سرد تلك القصص بين الكتب المقدسة للديانات المختلفة، فيمكن تفسيره بأحد تفسيرين على ضوء فرضيتين:

1. إذا كانت هذه الكتب والدعوات إلهية المصدر، فمن الطبيعي جدا أن تكون دعواتها وقصصها متطابقة، وبعكسه يكون التفاوت هو الأمر غير الطبيعي في ذلك، ولعله الداعي إلى الشك بصدقها جميعا، أو بصدق بعضها.

2. إذا كانت مُؤلَّفة من قبل بشر، فيكون التطابق أيضا طبيعيا، لأنهم إنما يدعون لشيء واحد، أو متشابه في كثير من أسسه وملامحه وأهدافه، ويكون من الطبيعي أن يقتبس اللاحق من السابق، وتظهر بعض حالات التعديل أو الإضافة أو الحذف.

مع لحاظ أن الكثير من قصص (الكتب المقدسة) قد عثر على مثيلات لها في أساطير الديانات ما قبل التوحيدية، قد تشابهت وإياها حتى في الكثير من التفاصيل، مع فارق التسميات لشخوصها.