23 ديسمبر، 2024 12:17 م

قصصنا في الجيش العراقي

قصصنا في الجيش العراقي

قصصٌ من الخدمة العسكرية هي إستجابة لدعوة الصديق الشاعر عبد الزهرة زكي للكتابة عن وقائع حقيقية مررنا بها خلال هذه الخدمة ، أكتب لكم هذه الوقائع بدقة ومن دون تزويق
إستذكاراتُ ثمانينية من الخدمة العسكرية والحرب ,,
في العام 1982 تم سوقي للخدمة العسكرية في مركز تدريب المحاويل ، بعد شهر من سوقي وفي عيد الفطر من نفس العام تأخرت بعد إجازة العيد لمدة يومين على الإلتحاق بالمعسكر
وعند وصولي وحال دخولي من باب النظام أوقفني الإنضباط وأتصل برئيس عرفاء المعسكر ليبلغه أن الجندي المكلف الخريج شاكر حامد قد وصل !
دقيقتان ووصل رئيس عرفاء الوحدة الذي كثيراً ماحدثت بيننا مشادات وأولها إنزعاجه من أناقتي وكان دائماً يجعلني زاحفاً لتتلوث بدلتي بعد إنتهاء التدريب ، وصل ووجهه باسماً على غير عادته وبالرغم من تأخري بالإلتحاق !! وإذا به يقول ( ليش ياأستاذ !! أنا بسببك كدت أسجن ، تفضل معي الآمر ينتظرك على جمر ) أصعدني بالسيارة مسرعاً الى المقر ودخل الى الآمر معلناً عن وصولي ، وإذا بالآمر يتقدم الى مقدمة غرفته لإستقبالي وأجلسني أمامه مُرحباً بي بعد أن أمر رئيس العرفاء بأن يجلب لي الشاي !! أنا منذ وصولي لم أتكلم بسبب دهشتي من الأمر جندي متأخر يومين يستقبله رئيس العرفاء ويقول له أستاذ ! والآمر يرحب به ويجلب له الشاي ، وبين الدهشة والإستغراب سألت الآمر وهو برتبة عميد ركن بصوت قلق هل غيابي لمدة يومين جريمة سأعاقب عليها ؟ وإذا به يضحك ويقول الجريمة ليست بغيابك بل إنت مجرم لأنك كدت تتسبب بموتي بالسكتة القلبية ! قلت خير سيدي ولماذا ؟ قال جائت برقية من رئيس أركان الجيش بإلتحاقك الى مديرية التوجيه السياسي والمعنوي خلال 48 ساعة وأنت تأخرت بالإلتحاق بالمعسكر بعد العيد بيومين وإن عدم تنفيذي قرار إلتحاقك حسب البرقية سيعرضني لعقوبة تٌأخر ترقيتي ، وإستمر يقول ستأخذ كتاب نقلك الآن ولكن قبل أن أودعك أريد منك أن تٌسدي لي معروفاً ، قلت أنا حاضر سيدي تفضل ، قال هل يمكن أن تطلب من السيد رئيس الأركان تأخير نقلي من المعسكر لمدة عام ؟ أنا بقيت منذهلا إذ أن الآمر يعتقد إنني على معرفة برئيس الأركان بعد البرقية التي تأمر بنقلي وأنا في الحقيقة ليس لي في الجيش العراقي كله قريبُ لي ولو برتبة جندي أول ، لكن كان لزاماً علي المضي في اللعبة وقلت له تأمر وسوف أبذل ماأستطيع وتبادلنا أرقام هواتف بيوتنا ، خرجت و ودعني بالقبلات وأمر رئيس عرفاء الوحدة  أيصالي بسيارة الآمرالى الكراج الخارجي حيث سيارتي المتوقفة هناك !! بعد أن إستقليت سيارتي وأنا مندهش تقافزت في ذهني الأسئلة حول ماجرى وهي أسئلة أجبرتني على التوقف منتصف الطريق نحو بغداد وجلست في دار إستراحة تُقدم فيها البيرةُ الباردة للبحث عن أجوبة لتلك الأسئلة اللعينة .
في اليوم التالي راجعت وأكملت معاملة إلتحاقي وتم تنسيبي الى وحدة السينما والتصوير العسكري كوني خريج قسم السينما من كلية الفنون الجميلة .
ذهبت الى الوحدة وإذا بي وسط جمع من زملائي وأصدقائي في الكلية والمعهد وجميعهم في هذه الوحدة وبينما نحن نسلم على بعض ونتعانق سمعت صوتاً يصيح وينك ياشاكر أنا أعتذر منك لأني تأخرت لكنني حال ماسمعت بسوقك للجيش قدمت إسمك لآمر السينما والتصوير حتى ينقلوك الى هنا ، كان ردي مسرعاً هو إنت ياعمار العرداوي كنت وراء نقلي ؟ وبعدها قلت له أنا حزين بالرغم من فرحي لأنني سوف لن أحقق ماكان يتمناه آمر معسكر المحاويل الذي طلب تأخير نقله وتمنيت أن يكون رئيس الأركان أحد أقربائي .
بعد أن عملت في هذه الوحدة التي ينتشر منتسبيها في جبهات القتال مصورين للمعارك وبسبب كوني أحد العاملين في الإذاعة والتلفزيون ، أصبحت المنسق بين وحدتي العسكرية والتلفزيون لعرض أفلام المصورين في الجبهات ، وبعد سنتين كنت من اهم اللذين يُعتمد عليهم في أداء أصعب الواجبات .
في ليل التاسع عشر من آذارالعام الف وتسعمئة وخمسة وثمانين ،، كلفني آمر وحدة السينما والتصوير العميد نجم عبدالله الراوي  بأن أتهيأ بمعداتي لواجب مهم يوم غد فجراً على أن أكون في مطار المثنى الساعة السادسة صباحاً دون أن يخبرني بتفاصيل هذا الواجب ، وفي التوقيت المحدد كنت هناك في تمام الساعة السابعة وصل موكبٌ من خمس عجلات وفيها الراحل الفريق أول الركن عدنان خيرالله وزير الدفاع العراقي الأسبق وصعدنا في ثلاث طائرات هليكوبتر ، كنت متوقعا إنني برفقة الوزير بزيارة على الأقل هي الى عمان لكن سير الطائرات أوضح لي إننا بإتجاه الجنوب  وبعد ثلاثة ساعات حطت طائراتنا في مقر قيادة الفيلق الثالث في البصرة علمت بعدها إن هذه ليست محطتنا النهائية بل ستكون مقر قيادة قوات شرق دجلة حيث نشبت معركة كبيرة قبل أربعة أيام وصل فيها الجيش الإيراني الى الطريق العام بين العمارة والبصرة ،، المعركةُ التي سميت في حينها  (تاج المعارك ) ،
بعد وصولنا بساعة واحدة وصل الرئيس صدام حسين الى مقر الفيلق وأجتمع مع عدنان خيرالله والفريق ماهر رشيد وإستمر الإجتماع لمدة ساعتين ، غادر الرئيس وذهبنا نحن برفقة الوزير الى دار الإستراحة في الرميلة وفي فجر اليوم الثاني توجهنا مبكرين مع موكب الوزير بإتجاه منطقة العزير حيث مقر قيادة قوات شرق دجلة قبل وصولنا بساعة أوقفت الموكب قوة من الإستخبارات العسكرية ومنعت الوزير من مواصلة السير بواسطة العجلات حفاظا على سلامته والوفد المرافق حيث كان الطريق العام تحت مرمى بنادق الجيش الأيراني ناهيك عن المدفعية ، وبعد عشرة دقائق وصلت ثلاث طائرات هليكوبتر وحطت على الطريق العام لتنقلنا الى مقر القيادة في العزير ، بعد وصولنا إجتمع الوزير مع العميد الركن محمد عبد القادر قائد قوات شرق دجلة ، بعد الإجتماع تقرر إقالة عبد القادر ونقله مديرا للتخطيط في الوزارة وتسلم مهام القيادة وزير الدفاع بنفسه وإلتحق معه اللواء الركن سلطان هاشم قائد الفيلق الرابع ،بعد مغادرة قائد القوات المقال إستدعاني الوزير وطلب مني الذهاب لتصوير الخط الدفاعي في قرية البيضة وطلب مني تفاصيل محددة وأمر أن أذهب بسيارته المصفحة مع حماية خوفا على حياتي وهو موقف من مواقف عدنان خيرالله الأخلاقية ( وزير يخاف على حياة جندي ) شكل وصولي الى قرية البيضة صدمة للضباط وكانو يصرخون أن أغادر المكان خوفا علي حيث كانت المعركة محتدمة ووجوه الضباط والجنود مغبرة كأنهم يلبسون أقنعة من التراب ولاتفرق بين شضايا القذائف والحشرات الطائرة ، أنجزت مهمتي وعدت بطريق نحسب فيه حساب الوقت بين قذيفة وأخرى كي لاتسقط علينا ، سلمت الشريط المصور للسيد الوزير وطلب مني تشغيله وقال لي إنتظرني في الخارج ، بعد ساعة طلبني وقال ستأخذك طائرة الى بغداد خذ الشريط وسلمه لمدير عام الإذاعة والتلفزيون لعرضه وإرجع يوم غد ، كان معنا ثلاثة طيارين عندما علمو بنزولي لبغداد تسابقو للفوز بهذه الرحله وكان علي الإختيار ، أحدهم قال أنا متزوج منذ شهر ولم أزور زوجتي من عشرين يوما ً ، حسمت الأمر لأنه الأحق كان هو الرائد الطيار محمد عبدالله من أهالي المحمودية  ، كان مقررا أن نهبط في معسكر الرشيد لكن الطيار قال طالما إنك إخترتني للرحلة سأطلب الهبوط في مطار المثنى لتكون قريبا على الإذاعة والتلفزيون وقريباً من أهلك في مدينة الحرية ‘ سلمت الفيلم وعرض في التلفزيون مباشرةً ، عدنا في اليوم التالي والطيار طيلة الرحلة يغني منتشيا شاكرا لي وقفتي معه لأنه على مايبدو قد قضى ليلة هانئة من الحنان .
بعد أربعة أيام حسم  عدنان خيرالله المعركة لصالح العراق ، وفي طريق عودتنا بالطائرة متوجهين من قيادة شرق دجلة في منطقة العزير الى قيادة الفيلق الرابع  في العمارة شاهد  خيرالله على الأرض تجمعا فأمر قائد الطائرة بالهبوط ، وكان الراحل الفريق الركن هشام صباح الفخري يروم تنفيذ حكم الإعدام حسب القوانين العسكرية بمئتي جندي متسرب من خطوط القتال الأمامية ،نزل عدنان خيرالله وإستفسر من الفخري بعد ذلك تحدث مع الجنود بروح أبوية وبدون تأنيب وهتفو بالأهازيج بعد أن ألغى قرار إعدامهم ورجعو جميعهم الى جبهات القتال حيث الموت المؤجل !!