8 أبريل، 2024 1:15 م
Search
Close this search box.

قصر الخالة جوري

Facebook
Twitter
LinkedIn

كوجه عجوز ما زالت تحتفظ بقوتها وبقايا جمالها الذي كان فاتنا ذات يوم ,يقوم ذلك البناء المتواضع الذي كان ذات يوم يقف شامخا بين بيوت متداعية وتنظر اليه من بعيد بألوانه وابوابه ونوافذه بحسد وغضب بينما كان بدوره ينظر اليها لوانه ملك حاسة النظر بتيه وغرور. ذلك البيت الذي تتثاقل خطواتي كلما عبرته في طريقي الى دارنا القديم ذلك هو (قصر الخالة جوري).
اجل تتثاقل خطواتي وتتسارع نبضات قلبي بينما يستعيد فكري ذكريات ايام خلت وتتجسد امامي صورة تلك المرأة وكأنها حية لم ينالها الزمن بتغيير او كبر ولم تزل ملامحها كما كانت وهي في العقد الرابع من العمر وكأنها شبح حي لامرأة عاشت سنوات وسنوات.
كان هذا البناء مسكنها وبيت حياتها وموتها وانا استذكر صورتها بل واسمع نبرة صوتها وهي تتحدث لأمي وانا طفل صغير ادخل البيت واخرج كيفما شئت لأني ابن الجيران الصغير الذي يؤنس وحشة البيت الفخم الذي تسكنه هي وشقيقتها الكبرى فقط وليس فيه للطفولة وانسها غيري انيس لأني ايضا ابن صديقة العمر والحياة لتلك المرأة والتي كانت امي تدعوها ب(جوري).
استعيد كلماتها وهي تتحدث بمرارة عن حوادث حياتها الذي كان للمال دخل كبير في تعاستها بل وتؤكد انه يكاد يكون هو اس بلائها.
حين كنت صغير واسمع ان المال كان سبب بلاء تلك المرأة يصيبني العجب فانا اجد فيه المتعة والسعادة ,حين يمنحني الوالد مصروفي اليومي وكان ضئيلا جدا لكني كنت اشعر انني امتلك جناحي طائر اطير بهما الى الاعالي واحلق بالأفاق فاسرع فرحا الى الحوانيت اشتري ما لذ وطاب ولكني ابدا لا انفقه كاملا فقد كنت حريصا على ان اترك جزء منه اجمعه لشراء الصور الملونة والقصص .
كان يبدو الامر لي غريبا ومثيرا للتساؤل ولكني ابدا لم اشأ ان اوجه سؤالا بهذا الخصوص سواء كان لأمي او الى ذا ت الشأن (جوري) بل احتفظت بذلك وكأنه سر من الاسرار عليَّ ان اكتشفه بنفسي ذات يوم.
………………..
في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت وقفت سيارة صغيرة امام ذلك البيت وهبط منها شاب عشريني متجها الى الباب دون سؤال وما لبث ان اخرج من جيب سترته مفتاحا فتحت به البوابة بمجرد ان اداره …شعرت بأن عليَّ واجب الاستفسار كون البيت بيت جار وايضا صاحبته صديقة امي فاندفعت نحوه وانا احمل حقيبتي المدرسية إذ حدث المشهد أمامي حين كنت في طريقي الى المدرسة وقد تناسيت حينها اهمية الحضور مبكرا استعدادا للامتحان لذا اسرعت وامسكت بيد الشاب العشريني وانا اهتف غاضبا :
هذا بيت الخالة جوري …هل تعرفها …ماذا تريد…؟
فاجئه تصرفي ونظر اليَّ نظرة شزراء بكبر وتعالي وكانه السيد الذي تطاول عليه طفل لا يعقل ولا يحترم الكبار في العمر خاصة وهم من علية القوم لذا انتهرني وسحب يده بعنف فكادت يدي الصغيرة على اثرها ان تصاب بتمزق الاعصاب وانتفض صائحا .
اليك عني يا ولد …لم يبق الا ان تمنعني دخول بيت جدي وابي …!!!
شعرت بغضب شديد ازاء صلفه وحماقته فعدت احاول الامساك به مجددا وانا اصرخ مكررا عليه كلماتي , لم يتركني اكمل عبارتي إذ دفعني بعيدا عنه ودخل البيت واغلق الباب بقوة.

للحظة تجمدت حواسي وعجز عقلي عن تقبل ان يكون للخالة جوري اخ او ابن اخ او اي من الاقارب ومما زاد الطين بلة ذلك التصرف العنيف والمعاملة القاسية التي لقيتها من هذا الشاب المغرور لكن ما لبثت ان استعدت رباطة جأشي فاندفعت الى الباب اطرقها طرقا عنيفا انفس به عن غائلة غضبي ففاجئني وجهه خلال النافذة وهو يتوعدني بأشد العقاب يرافق ذلك سيلا من الشتائم.
عجبت وانا في تلك السن الصغيرة للأسلوب الرخيص الذي اتبعه ذلك الشاب العشريني وشعرت بالغضب من امي التي كنت اراها تفخر وتعتز بصداقة عمرها للخالة جوري باعتبارها سليلة الشرف والحسب والنسب فكيف يكون تصرف شاب ينتمي للأسرة هكذا.
لم استطع ان افعل شيء اذ وجدت ابي يقف الى جواري وهتف بي مستفسرا ما لذي اخرك عن المدرسة الم تقل ان لديك اليوم امتحان وانك تبكر استعدادا لمراجعة الدرس …؟
لذا لم اجد بدا من حمل حقيبتي المدرسية والعدوسريعا الى المدرسة وظل السؤال يرافقني (ما الذي حل بالخالة جوري وما علاقة هذا الشاب العشريني السيء بها)…؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب