18 ديسمبر، 2024 6:12 م

قصتي مع كتاب اقتصادنا في عقدين من الزمن

قصتي مع كتاب اقتصادنا في عقدين من الزمن

الخالدون ………………… وان تفنى أعمارهم وينطفئ سراجهم , لكن لا يخسرون الحياة لأنهم يحيون في أذهان الأحياء ويذكرون مدى الدهور والأجيال وكلما تقادم عهدهم ومضت السنون على وفاتهم زادت منزلتهم في عقول الناس وكبروا في أعين الأجيال وهذا هو شان فقيدنا الشهيد محمد باقر الصدر الذي ترك لنا تراثا فكريا خالدا يحق لنا أن نفتخر ونتباهى به على الأمم  والشعوب .
في منتصف السبعينات بالتحديد حيث كنت طالبا متفوقا ومتميزا في المرحلة الإعدادية , لم يكن لي مكان الجأ أليه أثناء العطلة الصيفية وأيام الجمع والعطل آلا المكتبة العامة .
قرأت قصص ما كتبه أنيس منصور ويوسف السباعي ونجيب محفوظ ثم انتقلت لقراءة العقد الاجتماعي لجان جاك روسو وجمهورية أفلاطون وقرأت للفارابي وابن سينا وغيرهم….. فقد قرأت فلسفة ابن سينا ومفهوم الخير والشر في الفلسفة وعيون الحكمة وكتاب ابن سينا بين الدين والفلسفة وآراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي مما خلق في ذهني أثراء أدبي وفكري لاسيما كنت شابا يافعا يتقبل القراءة بل الحفظ على ظهر قلب ….. وقع بين يدي صدفة كتاب اقتصادنا للسيد محمد باقر الصدر اطلعت على بعض منه فعجبت بجزالة المفردات وقدرة الكاتب في جذب القارئ وإقناعه بالفكرة رغم أنني كانت قراءتي على الظاهر حيث لم يكن بمستوى طالب لا يتجاوز السابعة عشر من عمره ان يمتلك قدرة في التحليل والتفسير والاستنتاج حيث تنقصه المباني للمنهج العلمي والتصور الفلسفي … على العموم انتابني شعور غريب لهذا الكتاب ودخل في قلبي حب مؤلفه فعزمت ان أعود لقراءته مرة أخرى بدقة وتأني بعد الانتهاء من الامتحانات النهائية للدراسة الإعدادية وبذلك أصبح الموضوع لي بحكم الواجب المؤجل إلى الغد
خلال النصف الثاني من عام 1979 حصلت ضجة عارمة في الشارع العراقي سببها قيام أجهزة النظام الحاكم باعتقال شباب ورجال دين وطلبة حوزات بذريعة انتمائهم الى أحزاب دينية وتأيدهم للثورة الإيرانية ,  ثم قام النظام بعد فترة قصيرة بعمل متهور ووحشي شرس باعتقال السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية الفاضلة بنت الهدى وهذه هي المرة الأولى التي يجرا فيها النظام باعتقال مرجع ديني بأسلوب مسدري ثم تطور الأمر الى تضيق الخناق على الناس وكبح الحريات بان منعت المؤلفات الدينية التي تشيد بأهل البيت وتبين مكانتهم ودورهم التاريخي فقد منع كتاب الملل والنحل للشهرستاني رغم مرور عشرات من العقود على تأليفه لان فيه أشارة لأهل البيت كما منع كتاب بطلة كربلاء لمؤلفته الدكتورة عائشة بنت الشاطئ وهي باحثة مصرية وقد كان هذا الكتاب من ضمن الكتب التي قراءتها في المكتبة العامة وكان كتابا قيما ومنصفا لدور السيدة عقيلة الطالبين في معركة ألطف وما بعدها , وقد شمل المنع مؤلفات السيد الصدر بما فيها الكتاب الذي اعتبرت قراءته واجب عليً إلا وهو كتاب اقتصادنا ولم تبقى في المكتبات والأسواق لبيع الكتب آلا مؤلفات خير الله طلفاح بسلسلته كنتم خير أمه أخرجت للناس … لقد أحزنتني تلك الإجراءات وأثرت في نفسي لوعة وغصة مريرة لاسيما كنت شابا طموحا يبحث عن الشهرة والتميز من خلال القراءة والثقافة والاستزادة من المعرفة العلمية , ثم زادت لوعتي عندما تخرجت من الدراسة الإعدادية الفرع العلمي بمعدل محير لا يؤهلني للقبول في كلية الطب بفارق كبير من الدرجات ولا في كلية الهندسة بفارق قليل جدا هي ثلاث درجات على المجموع نصف درجة للدرس الواحد …. لذا كان نصيبي ان التحق في جامعة الموصل بكلية دون رغبتي وأصبح حالي في حينها كمن يزوج بإمرة لا يحبها , ولكن كان لابد لي من مواصلة الدراسة في هذه الكلية لان تركها يعني الذهاب الى محرقة الموت المشتعلة في جبهات القتال في الحرب الدائرة بين العراق وإيران … في جامعة الموصل بقيت على نفس المنوال في سعيي للاطلاع على الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية وكان شارع النجيفي ومكتباته محط رحالي كلما سنحت لي فرصة .
لقد كان في نفسي أمل ان أجد بين طيات الكتب المعروضة للبيع نسختي المفضلة من كتابي المفقود لكنني لم اعثر عليه بل علمت فيما بعد ان حيازة أي مؤلف للشهيد الصدر يعتبر جريمة كبرى وخيانة عظمى للوطن يعاقب عليها القانون بالإعدام تصوروا حيازة الكتاب ؟؟؟ مجرد الحيازة ؟! فانقطع أملي بالمرة في امتلاك هذا الكتاب القيم حتى ولو وجدته في الأسواق فلا أقدم على شراءه فربما يعتبر وضعه في مكتبة السوق كمين او مصيدة تقوم بها الأجهزة الأمنية لصيد ضحاياها …. ولكن تحول الأمل الى البحث عن شخص موثوق به يمتلك هذا الكتاب لاستعارته منه لانجاز الواجب المؤجل كما ذكرت لان هذا الواجب أصبح عهدا عليً في نفسي احرص على انجازه حيثما سنحت الفرصة ولا يمكن جعله واجبا مباحا او مستحبا ولكن السؤال المطروح أين أجد مثل هذا الشخص الموثوق به ونحن نعيش الخوف والذل والمتابعة وعد الأنفاس علينا من قبل الأجهزة الأمنية ؟؟؟ كما نحن بالأساس نعيش حالة الجبن والانبطاح التي أطمعت الحاكم الظالم فينا … وبعدما يئست من معرفة الشخص الموثوق به قلت في نفسي لأترك هذا الأمر لأنه أوجع راسي كما ان البحث عن هذا الكتاب أصبح محفوفا بالمخاطر حتى ولو كان  من يملكه أخي لامي وأبي …. مرت السنون وتخرجت من الكلية وأكملت دراستي العليا ثم أصبحت موظفا حكوميا .
في منتصف التسعينات بدا النظام الحاكم يترنح وآيل للسقوط والأجهزة الأمنية أخذت تضعف وانتشرت فيها الرشوة والمحسوبية , على سبيل المثال لا الحصر ففي احد الأيام كنت أشاهد برنامجا في تلفزيون بغداد منقول من تلفزيون الأردن يسمى بنك المعلومات يستضاف فيه نخبة من الشباب المثقف يطرح عليهم بعض الأسئلة في مجالات علمية وفلسفية وادبية شتى , فقد سالت شابه في حقل الفلسفة بالسؤال الأتي: من هو فيلسوف القرن العشرين ؟ فأجابت بسرعة وبدون تردد وقبل نفاذ الوقت المخصص لها (( محمد باقر الصدر )) من حينها منع البرنامج نهائيا في تلفزيون العراق … انظروا الوهن الذي خيم على عمل الرقابة الأمنية الإعلامية للنظام بحيث مرت هذه المعلومة عن أنظارهم ولم يلحظوا ذلك الا بعد ان أذيع البرنامج عبر التلفزيون …… هذا الأمر بعث في نفسي الأمل في البحث من جديد عن كتاب اقتصادنا بجدية وإصرار  ولكن هذا البحث المضني لم يقودني الى مكان الكتاب فقط عرفت من احد الأصدقاء انه يعرف شخصا اشترى هذا الكتاب بمبلغ ربع مليون دينار وكان لا يملك هذا المبلغ فاضطر ان يعمل كعامل بناء حتى يتمكن من جمع المبلغ ووعدني بأنه سوف يتصل به ويستعيره او يشتريه منه لي , لكن هذه المحاولة هي الأخرى فشلت بسبب خوف هذا الرجل وعدم اطمئنانه من صدق نيتي والحق معه لأنه لا يعرفني أصلا وإنا اعذره في ذلك … فكرت كثيرا مع نفسي وقلت لماذا لم أوفق في الحصول على هذا الكتاب ؟ رغم أنني كانت تصلني عن طريق بعض الأصدقاء أوراق مستنسخة لكتب ممنوعة من قبل الجهات الأمنية كمؤلفات الشيخ ألتيجاني ( ثم اهتديت , الشيعة أصل السنة ) وكتابات حسن العلوي ( الشيعة والدولة القومية في العراق ,  شيعة العراق وشيعة السلطة , أسوار الطين ) كما أني اشتريت كتيب الرجعة لمؤلفة عبد الحسين دست غيب وكانت لهذا الكتيب قصة طريفة حيث اعتدنا ان نزور كربلاء المقدسة كل جمعة او بين جمعة وأخرى وفي إحدى الزيارات رأيت بائعا للكتب القديمة على الرصيف فلمحت عنوان الكتيب المذكور وسألته عن سعره  قال لي ألفان وخمسمائة دينار رأيت المبلغ كبيرا في حينها فغادرته , ولكن بعد رجوعي الى البيت ندمت كثيرا على عدم شرائي لهذا الكتيب ,  وفي الجمعة التالية ذهبت الى نفس البائع فلم أجد الكتيب مع معروضاته فسالت عنه بنفس العنوان ارتبك الرجل وقال لي لا يوجد هذا العنوان فأعلمته بالقصة وكيف أنني رايته في الجمعة الماضية فاطمئن لي وأخرجه من كيس كان بحوزته واشتريته بنفس المبلغ وألان موجود في مكتبتي وهو كتاب غني وكبير في معلوماته صغير الحجم في شكله ولابد من الإشارة ان الرجعة يغفلها الكثير قصورا او تقصيرا رغم انها من أساسيات مذهب آهل البيت .
عام 2002 وفي النصف الثاني منه بالتحديد كلفت مع اثنين من الخبراء الاقتصاديين لأعداد دراسة بعنوان مشكلة البطالة في القطاع الزراعي , اتفقنا نحن الثلاثة لعقد جلسة لأعداد الإطار النظري وتم اللقاء فعلا في مقر الوزارة وبينما نحن نتداول حول عدد فصول الدراسة عرضت عليهم فكرة اعتماد النظرية الكنزية الخاصة بالعمل ونتاجه والتملك في هذا البحث فانبرى احد الخبراء بقوله يمكن أن نعتمد أراء السيد الصدر التي بينها في كتاب اقتصادنا بدلا من أراء كنز صدمت من هذا الكلام وجمد الدم في عروقي لسببن أولهما كما بينت بحثت عن هذا الكتاب ولم أوفق في العثور عليه وهذا الرجل وجده وقراه واستفاد منه وثانيهما نحن في مقر وزارة فيها مخابرات وامن وحزب وأي شخص يوشي بنا سأكون المتضرر الوحيد انا لان الأخوة معي لا يمكن اتهامهما كما اتهم انا فالتهمة جاهزة لي هو الانتماء لحزب الدعوة ام زملائي فليس من طائفة الشهيد الصدر كما أنهما مسئولان في الدولة … بدا هذا الباحث يقص لنا كيفية حصوله على كتاب اقتصادنا رغم منع تداوله وتجريم حيازته قائلا : كنت مديرا لمكتب الوزير فجاء مواطن من مدينة النجف الاشرف لانجاز معاملة له تحتاج موافقة الوزير بالتحديد وبعد ان تم ذلك حجبت هذه المعاملة في مكتبي الى ان جاء المواطن في طلبها فقلت له هذه هي معاملتك قد أنجزت ولكن لا أعطيك إياها الا ان تقوم لي بخدمة وتهديني هديه فضحك الرجل وقال انا في خدمتك متصورا أنني أريد منه مسبحة يسر او فيروز او با زهر وربما عباءة عربية مذهبة ,  فقلت له لا يذهب ذهنك بعيدا أنني أريد كتابا فقال مكتبات النجف عامرة  فيها كل ما تريد وتطلب من كتب قديمة وحديثة فقط أعطني عنوان الكتاب فسيكون غدا في مكتبك قلت له أريد كتاب اقتصادنا للسيد الصدر ارتبك الرجل واضطرب عندما سمع بالطلب فهدأته قليلا وقلت له لا تخف قال كيف لا أخاف وعقوبة هذا الكتاب الإعدام من يمسك بحوزته ولو فرضا حصلت عليه كيف استطيع إيصاله لك ؟ وهذه العيون الأمنية مزروعة في كل مكان وخاصة في استعلامات الوزارة , قلت له ضعه في كيس وعندما تصل إلى الاستعلامات اتصل بي فانا سأنزل أليك واستلمه … بعد ايام قليلة جلب هذا المواطن الكتاب واستلمته منه حسب الاتفاق وسلمته معاملته شاكرا منه هذا الفضل الكبير … بدأت أسئلتي متواصلة مع هذا الباحث وبطريقة الاستفهام الإنكاري , مثلا من هو مؤلفه ؟ ماذا في الكتاب من معلومة ؟ وما هو رأيه في الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي وما هي أطروحاته لحل المشكلة الاقتصادية العالمية بماذا اتفق وخالف العلماء في حقل الاقتصاد ؟ هل يقر بإمكانية ان يكون اقتصاد أسلامي والرجل يجيب عن أسئلتي مفتخرا انه قرأ هذا الكتاب واستفاد من أفكاره بشكل مميز عن ما اطلع  عليه في دراسته العليا , في اللقاء الثاني اعددنا الدراسة في نظرية العمل وفق رأي الشهيد الصدر دون ان نذكر المصدر واعتمادا على ما فهمة الباحث المذكور من قراءته لفكرة السيد الصدر بإملاء منه على ما اعتقد او بتقديمه مسودة في ذلك لا أتذكر هذا بالضبط , طبعا انأ أصبح لدي تصور عن مضمون كتاب اقتصادنا على ضوء ما أوضحه لي زميلي في لجنة البحث … تقدمنا في أعداد البحث وحتى انا فرغت وظيفيا لانجازه  ولكن بعد فترة سقط النظام وارتبك الوضع العام وعمت الفوضى فتفرقنا نحن الثلاثة حيث هذا الباحث المذكور خطف ولده الصغير ولم يفرج عنه آلا بفدية كبيرة كان ثمنها بيع مسكنه والباحث الأخر بعد فترة تقارب أكثر من عام قتل الارهاب ولده الأكبر فقررا الاثنان ترك العراق ولم ينجز البحث لحد ألان ولازلت احتفظ بمسودات كتابة أجزاء منه .
سقط النظام الحاكم الى غير رجعة وانتهت بسقوطه مرحلة تكميم الأفواه وحل عهد الحرية والتحرر من القيود الفكرية ن فأول عمل قمت به سارعت الى زيارة أمامنا علي بن موسى الرضا (ع)  بناء على نصيحة تلقيتها من احد مراجع الدين في النجف الاشرف ثم حققت رغبتي لشراء كتاب اقتصادنا بالطبعة اللبنانية الأنيقة من مدينة قم المقدسة بل اشتريت كل مؤلفات الشهيد الصدر فلسفتنا , الأسس المنطقية للاستقراء , فدك في التاريخ ، البنك اللاربوي , التفسير الموضوعي للقران الكريم  , أهل البيت تنوع ادوار ووحدة هدف , دروس في علم الأصول الحلقة 1 -3 , الفتوى الواضحة هذه الكتب الآن  مصابيح تضيء في مكتبتي وانعم ببركاتها … تصوروا للمرة الثانية يقع نظري على كتاب اقتصادنا فبين عام 1979 وعام 2003 سنوات عجاف هرم فيها الجسم وتغيرت فيها الأفكار وتبدلت الأمزجة لكن بقي هاجس هذا الكتاب ومعرفة الكنز الفكري فيه ثابتة راسخة في عقلي … لقد وودت ان اصف حالي وانأ أمسك الكتاب بين يدي وامتلكه بعد ان دفعت ثمنه , لقد كنت أشبه بطفل رضيع فطم من حليب أمه وفجأة أرجعوه الى رضاعتها , او كشخص منع من الطعام وبلحظة الجوع المقارب على الموت يقدم له الأكل ,  نسيت نفسي وبدأت بقراءته وانأ في مكتبة السوق انه السر الذي ربطني بهذا الكتاب طيلة هذه الفترة الطويلة من الزمن لا أجد تفسيرا له وانا في عمر الأربعين عاما قد يبرر ذلك في مرحلة الشباب حيث الرغبة قد يكون أصلها من المنع , وفق قاعدة كل ممنوع مرغوب لكن الظاهر ان هذه القاعدة لا يمكن وضعي في إطارها … أجلت كل أعمالي وبدأت بعملي المؤجل على مدى 20 عاما حتى أنني تركت فرصة لأجراء دراسة مع باحثين دعوت لها لي فيها مبلغ مغري , بدأت بقراءة الكتاب بانقطاع تام عن أي عمل أخر أكملت هذا الواجب  ثم عدت من جديد لقراءته حتى اشبع الرغبة في نفسي بعد ذلك عزمت ان اعرض هذا الكتاب بصيغة وحلية جديدة وفق ما استوعبته … كان لا بد لي من اختيار عنوان فكان العنوان محاولة لاستيعاب فكر الشهيد محمد باقر الصدر في الجانب الاقتصادي … نعم هي محاولة ليس آلا وآلا من هو الذي يستطيع أن يقول أنني استوعبت فكر الشهيد في الجانب الاقتصادي ؟ بدأت الكتابة تحت أشراف اقتصادي كان معي في الدائرة حاصل على شهادة الدكتوراه وبدرجة الأستاذية ,  كنت كلما اكتب فصلا اعرضه عليه , فكان الرجل يسر لمضمون الفكرة المقدمة وطريقة العرض أنجز البحث بعدما أضفت فصلا جديدا وعرضت الأفكار بمخططات سهمية لغرض التوضيح والاستيعاب , طبع البحث ثم عرضته على خبير أخر بنفس المؤهل العلمي علاوة انه درس المقدمات والسطوح في مدينة كربلاء المقدسة وسبق وان قراء هذا الكتاب في فترة السبعينات , طلبت منه التقييم فلم يوافق على ذلك الا بعد ان عاد وقرا الكتاب الأصل من جديد خوفا من زللي وشطحي في نقل أفكار الشهيد , بعد مضي ثلاثة أشهر منحني تقيما خطيا مذيلا بتوقعه مشيدا بالجهد وعرض الأفكار بطريقة جديدة ومنسقة… أيضا عرضت هذا البحث على خبير اقتصادي في مجال الاستثمار حاصل على شهادة الدكتوراه فبين رأيه بالبحث خطيا بعد الإشادة بالجهد … اليوم وبفضل بركات الشهيد الصدر احضى بمؤلف حول كتاب اقتصادنا بالعنوان المذكور خضع للتقييم والتحكيم من قبل ثلاث أساتذة اختصاص ومن حملة شهادة الدكتوراه وبدرجة خبراء كما تم كتابة فصول هذا الكتاب تحت أشراف احدهم والمؤلف المذكور , نشر ملخصا منه في مجلة المبين بالعدد الثالث لسنة 2005 وهي مجلة تعني بالفكر الإسلامي المعاصر هيئتها الاستشارية نخبة من أساتذة جامعة الكوفة بأشراف العلامة والمفكر الإسلامي الكبير باقر القرشي … هذا البحث وصل الى أيادي رجال دين في الحوزات العلمية ورجال في قمة الهرم السياسي للدولة العراقية ,… كما ان كثيرا من أساتذة الجامعات العراقية ومن المختصين في علم الاقتصاد يشرفوني بطلب الحصول على نسخة منه بين الحين والأخر, وقد رفضت أكثر من عرض لدور نشر أرادت طباعاته لغرض التسويق التجاري .
اليوم يعتبر هذا البحث مشروع لأطروحة دكتوراه جاهز للمناقشة في أي جامعة يتقدم أليها الباحث من الجامعات التي تعتمد نظام البحث لا الكورسات في دراساتها العليا.
لقد تابعت قراءة مؤلفات الشهيد الصدر الواحد تلو الأخر فقد اقتحمت كتاب الأسس المنطقية للاستقراء فرايته بحرا متلاطما من المعرفة العلمية ذات المنحى الرياضي والذي كتبه الشهيد لذوي الاختصاص من العقول المتميزة والنيرة , قرأت هذا المؤلف مرات ومرات حتى استوعبت جزء منه فعزمت ان اكتب الأفكار المستوعبة من قبلي بطريقة ميسرة بكتاب سميته دور الشهيد محمد باقر الصدر في تطوير المعرفة العلمية أنجز هذا المؤلف عام 2006 .
ثم ألحقته بمؤلف أخر بعنوان هل باستطاعة البنوك تجنب الفائدة الربوية ؟ رؤية اقتصادية بمنظور أسلامي وقد كان هذا المؤلف يستند على أفكار كتاب البنك اللاربوي ولي قصة طريفة كانت سببا في أعداد هذا المؤلف أحببت ان اسردها … ففي أواخر عام 2004 وبحرم جامعة كيرتن الاسترالية بالتحديد تعرضت الى سؤال من  احد أساتذة الاقتصاد المشهورين حول سعر الفائدة ولماذا حُرم في الشريعة الإسلامية ؟ وهل من دليل علمي تستند عليه هذه الحرمة ؟ فكانت إجابتي على هذا التساؤل بسؤال للسائل ، ما هو الأساس الذي تستند عليه قاعدة التملك في الاقتصاد ؟  كانت إجابته العمل بالدرجة الأولى ، فقلت له هل من الممكن ان نلتمس عمل لمن يضع أمواله في البنك ويتقاضى فائدة سنوية عليها ؟ فتردد الأستاذ في الإجابة  فقلت له أذن انتم من حرمتم الفائدة في البنوك وليس نحن  بل كل حرمة عندنا لها بديل فحرمة الفائدة (الربا) بديلها المضاربة والتي هي ان تحصل شراكة بين من يملك رأس المال ومن يملك قوة العمل وتتقاسم الأرباح وفق عقد ينظم هذه المضاربة وبالتالي تحصل دورة اقتصادية ينتفع الآخرون بها في حين تنحصر فائدة البنك لصاحب رأس المال وحده .
اقتنع الأستاذ على مضض ولكن تساءلَ عن مصدر هذه الأفكار فقلت له أنها مستوحاة من أطروحات الفيلسوف والمنظر الاقتصادي الكبير محمد باقر الصدر فقال أين هو وهل يمكن التواصل معه ؟ قلت له راقد في مقبرة وادي السلام بالنجف الاشرف وهو ابرز شخصية أسلامية وفكرية أطالتها يد النظام السابق .
وأخيرا وبعد … لقد تعسر وتيسر هذا الكتاب القيم , تعسر الحصول عليه لحد الحرمان على مدى أكثر من عشرين عاما ثم تيسر فجأة لحد أن غصت به مكتبات الأسواق … فقراءته لحد الإشباع … اليوم السؤال الموجه لي ماذا تريد من هذه المقدمة الروائية ؟ أو ما هي النتيجة والثمرة التي تصبوا أليها من هذا السرد القصصي الذي كأنه من الخيال الواقعي ؟ ثم ما هو المؤثر النفسي والأثر الفكري الذي تشعر به  ؟؟؟ الجواب … على صعيد المؤثر النفسي لا زلت أحس بان أنفاس الشهيد الصدر تعيش معي وأنني انعم بها لاسيما كما أسلفت كنت قليل الحظ معدوم الفرص سابقا ولكن بعد هذا أصبحت
–         من الطلبة الاوئل الذين بعثوا الى خارج العراق للدراسة بعد 2003
–         تميزي في الدراسة على عموم الطلبة الأجانب حتى منحت أربع توصيات من علماء استراليين معروفين تبين أهليتي للدراسة والتدريس في عموم جامعات منظمة الكمن وليف
–         تقديمي بحث متميز اعتمدته دولة استراليا وأوصت ان يعتمد في العراق
–         عام 2008 منحتني الجامعات الاسترالية زمالة جديدة للبحث والتطوير وتبادل الخبرة العلمية في جامعة ادلايد الشهيرة ومركز بحوث لكوستن
ولازالت انعم ببركات الشهيد الصدر فما من عمل أقوم به آلا وقد حصل على التقدير والتميز والسلسلة طويلة والشواهد كثيرة ولكن لنأخذ أخر ما فيها … بداية عام 2013 أنجزت بحثا بعنوان خصخصة القطاع الزراعي في العراق ورغبت أن يتم تحكيمه في جامعة عريقة كجامعة قناة السويس في مصر , أرسلت ملخصا بذلك وما هي آلا أيام حتى أعلموني بان البحث قبل للنشر في مجلة سيناء تحت رقم دولي ISS:2314-6079 ومن بعد ذلك قلمت اللجنة التحكمية فاختارته من بين المئات من البحوث التي قدمها خيرة الباحثين في الوطن العربي للمشاركة في المؤتمر الدولي للتنمية الاقتصادية الزراعية بالمنطقة العربية وإفريقيا …. تصوروا بحث عن العراق يقيم في مصر ويتميز على جميع البحوث ويرشح الى مؤتمر دولي  صدقوني هذا لا يتم لي مطلقا لولا أنني لازالت انعم ببركات الشهيد الصدر .
أما على صعيد الأثر الفكري فاستيعاب أفكار الشهيد محمد باقر الصدر تجنبك الانغلاق الذهني والتكلس الفكري فتجعل من ذهنك متحركا متطورا مجددا , هذه الحالة أعيشها ألان وبحمد من الله , فأي نشاط فكري أقوم به كلما راجعته أضفت له جديدا وطورته نحوا الأحسن والأفضل .. بمعنى ان الشهيد الصدر يمدك بقدرة التجديد والتطوير والرقي الفكري دائما .