18 ديسمبر، 2024 11:42 م

قصتي مع احمد عسيري !

قصتي مع احمد عسيري !

برز اسم نائب رئيس الاستخبارات السعودية المقال اللواء احمد عسيري، حين اصبح متحدثا باسم” عاصفة الحزم” على اليمن.
واشتهر العسكري اللبق باجادته اللغة الانكليزية ومعرفته الفرنسية، وفصاحته العربية التي تبدو نادرة بين العسكريين.
كان اللواء عسيري، ضيفا منتظما على برامج RT ونشراتها الإخبارية باللغتين العربية والانكليزية، حيث اعمل . وأقام منتجو البرامج في القناة، علاقة عمل ودية مع العسكري النشط .
وحين اتيحت الفرصة ربيع العام 2016، اجراء مقابلة مع الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح في صنعاء ، لم يكن أمامنا غير الحصول على موافقة السلطات السعودية التي اغلقت الأجواء اليمنية، ولم تسمح الا لرحلتين الى مطار صنعاء واحدة من مطار القاهرة والثانية من مطار عمان.
وللوصول الى متن طائرة الخطوط اليمنية، يتعين الحصول على إذن من السلطات السعودية، التي تحقق في قائمة الركاب، قبل ان تقلع الطائرتان اليتيمتان، من عمان او القاهرة.
وطال انتظار الموافقة، فيما الأوضاع على الارض في اليمن تتدهور ، والحرب تزداد شراسة، والضحايا يتفاقمون.
ولان الوقت لم يعد يتسع، لجأنا الى ضيفنا شبه الدائم العميد(حينها) عسيري، ورجونا التعجيل باستحصال الموافقة.
وزيادة في التعجيل، كلمته شخصيا على النقال الشخصي، مذكرا بلقائنا في ستوديوهات RTARABIC بموسكو التي زارها مع ولي العهد محمد بن سلمان الى روسيا شتاء العام 2016 .
رحب العميد عسيري بمبادرتنا لتغطية الأحداث في اليمن، وعبر عن القناعة عن ان جولتنا في البلد”السعيد” ستكون مثمرة ومفيدة، وقطعا موضوعية” لاننا نثق بحيادية قناتكم”.
لم يسألنا العميد ، عن برنامجنا وخططنا اثناء زيارتنا الى اليمن، ولم يدخل في أية تفاصيل.
من جانبنا، لم نكن ملزمين بان نعلمه ببرنامج زيارتنا الى صنعاء؛ اذ ليس من حق دولة تخوض حربا في ارض دولة اخرى، منزوعة السيادة، ولو مؤقتا، ان تتدخل في شؤؤن صحفيين يسعون لتغطية الحرب، بوسائل سلمية، القلم والعدسة، ولاقطات الصوت.
وأخيرا، وبعد انتظار مضن في عمان، صعدنا الى اليمنية المتجهة الى صنعاء يوم 22ابريل/نيسان 2016 وأيادينا مع الركاب الصامتين، على قلوبنا، لان الطائرة القديمة، تبدو، متهالكة، او هكذا تشي، الاهتزازات، في الأجنحة، واللون الكالح للمقاعد!
وبعد تحليق اكثر من ثلاث ساعات، هبطنا في مدينة بيشة؛ بمنطقة عسير المحاددة لليمن، كي يتم تفتيش الطائرة والتحقق من جوازات وهويات ركابها.ومطابقة الاسماء مع قائمة الاسماء المرخصة من السلطات السعودية، والمسجلة لدى طاقم الرحلة .

مع” اصحاب سوابق”
——————
صعد الى الطائرة، موظفو الأمن، وأخذوا الجوازات، وعلمنا من الركاب” اصحاب السوابق” في الرحلات الطويلة من عمان الى صنعاء، ان لا زمن محدد لعملية التفتيش؛ فقد تستغرق عدة ساعات او ليلة كاملة، وأحيانا بضع ساعات.
وما ان غادر الأمن السعودي حاملا جوازات السفر؛ حتى همست سيدة
منقبة، بصوت حرصت على ان يصل مسامعنا؛؛
ربما يستحون من الصحفي معنا ويطلقونا بسرعة!
ورفعت نحونا عينين ، غارقتين بالحزن لم تخفيه الأهداب الطويلة، والبياض الداكن اللوزي.
وبالفعل، لم تمض ساعة، الا وطاقم الطائرة، يعلن انها ستقلع نحو صنعاء بعد قليل.
وأشرقت العيون، المكشوفة، والمتوارية خلف النقاب. وانشغلت مع زميلي سمير الشميري، ابن اليمن من ام روسية، بترتيب حقائب اليد؛ نرد على تحايا الركاب، بلغة العيون.
فقد كان الصمت يطبق على الجميع!

الطوفان
———
وصلنا صنعاء، واستقبلتنا امطار ربيعية، غزيرة أغرقت الشوارع، وبدت العاصمة اليمنية، بعماراتها الأثرية، الأقدم في العالم، كالحة، منكفئة، تنوء بأحزان اجيال من الحروب، والقهر؛ والفاقة والقمع. وطفحت أكوام القمامة في الشوارع وانفاق المرور.

اهذه صنعاء؟!
وكنّا نزورها في الخوالي ، ونراها تزهو، لكنها اليوم خابية مظلمة، بلا كهرباء، والطائرات الحربية تئز في السماء من بعيد؟!

مع “الافندم”
———-
نهار اليوم التالي، التقينا الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بعد سلسلة تغيير في المواعيد لأسباب مفهومة.
الرئيس الذي تخطى عقده السابع، بدا أنيقا، نشيطا، مرحا وحيويا. وفاجأني بسؤال:
“تعرف ربطة العنق حقنا هذي،منها ثمانية فقط في العالم!”
أجبت دون تفكير :
“اكسكلوزيف” وأعقبت” طبعة خاصة”!
والى اليوم، لم افهم ماذا كان يريد
” الافندم”كما يلقبه اتباعه، من لفت نظرنا الى رباط العنق الوثير؟
كان فريق العمل في الغرفة المجاورة الخالية من النوافذ يرتب الإضاءة والكاميرات.
حدثني عن أمور تتعلق بعلاقته مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كان يتدفق في الحديث، دون انتظار الاسئلة. فهو يعلم انها ليست للنشر وخارج التسجيل.
حدثني عن تصنيع الصواريخ البلاستية في اليمن وعن الإنفاق والمخابئ في الجبال المجهولة:
وقال مقهقها :
” يتصورون صواريخنا في جبل النهدين؛ ويضربون ويضربون حتى صار الجبل اسود سود الله وجوههم واحنا نضحك لان صواريخنا من زمان في مكان ثاني”
واضاف بانتشاء:
ضباط حك صدام عندنا!
أجرينا المقابلة؛ وكان منفتحا على الاسئلة، ولم ينزعج حين اتخذنا موقف العاكس للموقف السعودي، وطرح وجهة نظر الرياض، وهذا من أصول مهنة الصحافة، حين يكون الطرف الاخر غائب، عليك ان تكون القناة لإيصال موقفه، دون تحيز او محاباة.

نحو بيشة مجددا
———
جمعنا حقائبنا وغادرنا في اليوم التالي بعد جولة مؤلمة في بعض احياء صنعاء المدمرة بفعل القصف، والتقطنا صورا لقصر علي عبد صالح الذي حولته طائرات التحالف بقيادة السعودية الى ركام ولم تسلم من القصف، الا بعض الأشجار المتناثرة، مكسرة الأغصان، تعلوها اغبرة الحرب.
ومرة اخرى؛ هبطت اليمنية المتهالكة في مدينة بيشة، التي كانت يوما ؛ معبرا لأفيال ابرهة في طريقها نحو الكعبة، كما تشير المدونات التاريخية، وبقية القصة معروفة.
وصعد موظفو الأمن السعودي الى الطائرة، ودققوا في الاسماء، وأخذوا الجوازات، وتوقعنا تفتيش حقائبنا، لذلك قمنا، قبل مغادرة صنعاء، بإرسال المقابلة الى القناة في موسكو، عبر الأقمار الصناعية.
وعلى غير المتوقع، مر التفتيش الدوري، بلا منغصات، وفِي زمن قياسي قصير. وثانية سمعنا، بعد إقلاع الطائرة متجهة الى عمان، امنيات بالسلامة من بعض الركاب،مرفقة بعبارة” لولا وجود صحفي روسيا اليوم” لتأخرنا ساعات وساعات”.
شعرنا بالسعادة،لانا كنّا مفيدين لمن يشاهدنا في اليمن، ويحرص على متابعة برامجنا.
وحين سالنا بعض الركاب، ماذا تحملون معكم في الكاميرات. اكتفينا بابتسامة عريضة. ووعد بانتظار شاشة قناتنا الليلة.

سعير الغضب
————
بثت المقابلة من موسكو ، فاستعر غضب في الرياض.
https://youtu.be/2CRhsGNl8bA“رابط المقابلة ”

اتصل العميد احمد عسيري، بمنتجة البرامج الزميلة جيهان عبد الملك التي لم يرد لها طلبا من قبل، ولعلع صوته مثل طلق من رشاش، يتهمنا بالكذب والخداع، لانا لم نخبره بهدف الرحلة الى صنعاء ، وأجرينا مقابلة مع
” المخلوع المجرم” ووفرنا له منصة كي يقول ما يشاء!
نقلت السيدة جيهان اقواله كاملة لي ونحن في الطريق من مطار عمان، استعدادا للعودة بعد ساعات الى موسكو.
حاولت الاتصال بالعميد عسيري دون جدوى، فكتبت له رسالة، ذكرته فيها انه لم يسالنا عن برنامج رحلتنا، كما اننا غير ملزمين بتقديم توضيحات عن هدف الرحلة الى اليمن، لسلطات بلد المرور.
وختمت رسالتي القصيرة بالقول ” ارجو ان تستمعوا الى المبادرة التي عرضها السيد علي عبد صالح لاحلال السلام وانهاء الحرب، وان تخففوا حدة الغضب والالتفات الى الحقيقة”.
والحقيقة التي تبدت لنا في ركام اليمن، انه يستحيل قهر الشعب اليمني، الفقير مالا، الغني، تاريخا، وروحا، وشجاعة وآباء.
هذا ما التقطته عدساتنا في اليمن الذي لعبت بمقدراتها، دول خارج الإقليم وفِي الجوار، وتربع على عرشه، قادة، لم يكونوا لا بحكمة سليمان، ولا حصافة بلقيس، فدخل البلد العريق في دوامة حروب وصراعات لم تنته الى اليوم.
ربما، يعيد اللواء المبعد احمد عسيري، مشاهدة المقابلة مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بعين من القت به لعبة الكراسي المتحركة، والتستر على جريمة قتل خاشقجي، في مهب الريح، كبش فداء مجهول المصير .
لعله سيجد فيها الكثير من الدروس والعبر.
والعاقبة للمؤمنين!