بعد ثمانية وعشرون عاما والى اليوم يتحسر الجمهور العراقي على جيل 1993, حيث كانت تلك الكوكبة من النجوم تستحق التواجد في مونديال 1994, حيث كان يتواجد الاسطورة احمد راضي في سنة نضوجه الكروي, وبجانبه المهاجم الخطير علاء كاظم, اما الوسط فكان هو الاكثر جمالا, وكيف لا وهو يتكون من ليث حسين وعلى جانبيه حبيب جعفر وسعد قيس في عز نضوجهم وعنفوانهم, ولا ننسى الارتكاز العصري نعيم صدام, ثم خط الدفاع وهو يملك قلبين عظيمين (راضي شنيشل وسمير كاظم), ومعهم سعد عبد الحميد وسليم حسين, ثم الحراسة مع تواجد عملاقين وهما (عماد هاشم وابراهيم سالم), بحق كان تشكيل اسطوري, حيث يعتبره الجمهور العراقي منتخب متكامل وناضج, وكان يستحق التواجد في كاس العالم عام 1994 التي اقيمت في ملاعب الولايات المتحدة الامريكية, لكن كانت الفاجعة ان يفشل هذا الجيل بالصعود رغم قوته.
فاجعة الهزيمة حصلت نتيجة تراكم الاخطاء, والتي قصمت ظهر هذا المنتخب! وادت به ان يكون خارج كاس العالم.
هنا سنحاول تشخيص علة هذه الهزيمة, وما هي اسباب الخسارة المؤلمة؟ والتي احزنت العراقيين جدا, بعد ان تشعب الحديث, وكثرت التأويلات والاجتهادات في تفسير الحدث, والاسباب هي كالاتي:
1- خطيئة الاتحاد في اختيار مدرب المنتخب:
في عام 1992 بعد نهاية موسم كبير وحافل انتهى بمبارة الزوراء والجوية التي حسمت اللقب, مع اخطاء تحكيمية غريبة جدا حصلت بسبب تواجد عدي صدام في الملعب, وبعد انتهاء مسريحة ختام الدوري وتوزيع مداليات الفوز امتنع مدرب الزوراء (عموبابا) عن الصعود للمنصة لاستلام المدالية, بسبب امتعاضه مما حصل في مباراة ختام الدوري, عندها قرر عدي عدم تكليف عموبابا بمهمة مدرب للمنتخب الوطني مع انه افضل الموجودين, وكان الغريب ان يكلف المدرب عدنان درجال الذي كان في وقتها لا يملك اي خبرة في التدريب في المنتخبات الوطنية, مع فتاح نصيف كمدرب لحراس المرمى, وايوب اديشو كمساعد, وكلهم جدد على عالم التدريب, وكان الافضل ان يختار اما عموبابا صاحب الانجازات الكبيرة, او انور جسام الرجل الذي لا يخسر, لذلك كانت الهزيمة التصفيات النهائية بسبب سوء ادارة اول مباراة ضد اضعف فرق التصفيات (كوريا الشمالية), والذي خسر جميع مبارياته الا فوز يتيم حققه علينا, في تلك الانتكاسة الغريبة.
2-الاستعداد المتخبط والضعيف
كان يجب توفير اقل شيء خمس مباريات للمنتخب ضد منتخبات وطنية, قبل دخول التصفيات النهائية, والمتاح كان (الاردن – اليمن – دول الاتحاد السوفيتي الجديدة – السودان – دول اوربا الشرقية), كي يصبح المنتخب في اجواء المباريات الدولية, لكن فشل الاتحاد العراقي بقيادة عدي في تهيئة اي مباراة امام اي منتخب وطني قبل انطلاق التصفيات النهائية, وكان يمكن ان يشارك في بطولة ودية كي يستعد جيدا, لكن الاتحاد العراقي فشل ايضا في ذلك, ويبدو ان رئيس الاتحاد لم يكن مهتما او فاهما لما يجب ان يكون, فكان معسكر بائس في رومانيا لعب خلاله ست مباريات مع اندية مغمورة بل احدها كان فريق محافظة وليس نادي, ثم مباراة ودية بائسة مع نادي بروكريسول بوخارست الروماني الضعيف على ملعب الشعب قبل السفر الى الدوحة, وانتهت بالتعادل 1-1.
ودخلت التصفيات النهائية من دون اعداد حقيقي, حيث لاحظ المتابعون ان المنتخب العراقي كان مستواه يتصاعد بين المباريات, اي ان المنتخب افتقد للاستعداد كي يدخل التصفيات بقوة.
3-ظالم الاستدعاءات للمنتخب
بسبب عدم خبرة درجال والمساعدين, كان هنالك غبن كبير في الاستدعاءات وقد ظهر الامر واضحا خلال التصفيات النهائية بعدم توفر بدلاء بمستوى الاساسي, ونحن نختصر الامر في بعض الاسماء المهمة, حيث كان يمكن استدعاء الاتي:
أ- الارتكاز ناطق هاشم: كان يمكن استدعائه كلاعب ارتكاز احتياطي, خصوصا انه كان يقدم مستويات مبهرة مع الجوية, وهو يملك خبرات دولية كبيرة, فكان من الممكن ان يكون بديلا لنعيم صدام, لكن تم ظلمه بابعاده.
ب- المدافع الايمن كريم محمد علاوي: كان نقطة الضعف في المنتخب هي مركز المدافع الايمن, وقد كان كريم علاوي متاحا وهو صاحب الخبرات الدولية الكبيرة, وكان متألقا مع الكرخ, لكن تم اقصائه.
ت- الحارس سهيل صابر: شهدت التصفيات اهتزاز غريب لمركز حراسة المرمى والدليل دخول 9 اهداف في خمس مباريات وهذا ما لم يحصل في تاريخ العراق, حيث اخطاء عماد في مبارتين كلفتنا خمس اهداف ثم اخطاء ابراهيم سالم كلفتنا 4 اهداف في 3 مباريات, كان يمكن الاستعانة بخبرة سهيل صابر والذي قدم مواسم رائعة جدا في تلك الفترة, لكن تم ظلمه باقصائه.
ث- المهاجم كريم صدام: كل متابعي الشأن الكروي كانوا منبهرين بالانسجام الكبير بين المهاجمين (احمد راضي وكريم صدام) من نهاية عام 1990 الى عام 1994 حيث شكلا ثنائي مرعب للزوراء, وكان ثنائي غزير الاهداف, فكان الافضل استدعائهما معا للمنتخب, لكن تم تغييب كريم صدام لنخسر ثنائي كان يمكن ان يدهش دول المنطقة ويحقق الافضل للعراق.
· تكليف عموبابا بعد خراب عكا
بعد ان غرقت سفينة المنتخب العراقي في رمال الدوحة في اسهل المباريات, وخسرنا مع المنتخب الاضعف في البطولة, قام عدي صدام بخطوة تغيير المدرب حيث قام بأقالة عدنان درجال ومساعده ايوب اديشو, وتكليف بدلا عنهم عموبابا ويساعده اكرم احمد سلمان ويحيى علوان, مع الابقاء على مدرب حراس المرمى فتاح نصيف, في خطوة متأخرة جدا وفي وقت لا يمكن للعطار ان يصل ما افسده الدهر.
حاول عمو بابا تصحيح مسار الفريق, لكن كان عليه مقابلة المنتخب الاسيوي الاقوى (كوريا الجنوبية), وحاول عمو بابا تحقيق الفوز, لكن بسبب اهتزاز حارس المرمى خسرنا نقطة, كنا بامس الحاجة لها كي يستعيد المنتخب توازنه, وبعد المباراة قرر عموبابا ابعاد الحارس عماد هاشم حيث تم تقييمه بانه سبب دخول خمس اهداف بمبارتين, لكن لا يوجد بديل جيد حيث ان الحارس الاحتياطي ابراهيم سالم من دون اي خبرات دولية, وكان الاجدر سهيل صابر او احمد جاسم, لكن لم يستدعيهم درجال لذلك عمل عموبابا بالموجود, وهكذا لم تنفع الترقيعات فدخل مرمى ابراهيم سالم 4 أهداف, واستمر نزيف النقط.
وحقق لاحقا منتخبنا فوز على ايران, وكان يجب ان نفوز على السعودية لندخل مباراة اليابان والبطاقة بيدنا, لكن تعادل مخيب جعلنا ندخل مباراة اليابان من دون طموحات حيث كان يجب علينا ان نفوز على اليابان بست اهداف كي ننافس على البطاقة الثانية, وهذا امر شديد الصعوبة ففي وقتها كان اليابان بطل اسيا عام 1992, فتعادلنا معهم واقصيناهم معنا لنهدي البطاقة الثانية للكوري الجنوبي وذهبت البطاقة الاولى للسعوديين.
· احاديث مقاهي
ذات مرة حدثني احد المشجعين القدامى وهو صاحب ثقافة كروية كبيرة, تكلم بحرقة عن نكسة تصفيات 1994 فقال: “صدقني يا اخي لو مشاركين بنادي الزوراء مع مدربهم عمو بابا, او مشاركين بنادي الجوية مع مدربهم عادل يوسف, كان صعدنا لكاس العالم 1994, كان الانسجام والنجومية ونوعية المدربين متاكملة جدا, لكن قرار الاتحاد كان غير صائب في تشكيل خلطة غريبة غير منسجمة ومن دون وديات كبيرة مع منتخبات وطنية, فكان مؤكد ان نخسر ونخرج, دوما الاتحاد يتسبب بالهزائم للكرة العراقية”.
· اوهام التحيز
حاول اعلام عدي صدام رسم قضية يتعكز عليها ويجعلها شماعة, لتبرير الهزيمة ويسكت الجماهير, والوهم هو قصة التحيز, وان الحكام الاجانب كانوا ضد منتخبنا, مع ان التصفيات قام بتحكيمها كبار الحكام العالم, ومن جنسيات متعددة, لكن كان الاعداد النفسي للاعبينا سيئاً جدا للاعبينا, مما جعلهم يظهرون بمظهر عنيف او مشتت, مثلا طرد سعد عبدالحميد في مباراة كوريا الشمالية, كان مستحق, حيث تصرف برعونة ومسك الكرة بيده عن عمد! وهو كان قبلها يملك انذار! وهنا استحق الطرد, وبسبب تصرفه الغير محترف خسرنا المباراة.
لكن الاعلام المرئي والمقروء كان يعزف على نغمة ان العراق محاصر ودول العدوان ضده, والخليج ضده, وهم يمكرون ويدفعون بسخاء, كي يتم اقصائنا, وهكذا تم اقناع فئة واسعة من الجمهور عبر رسائل اعلامية منمقة.
· كذبة ان امريكا تمنع العراق من المشاركة!
خلال التصفيات ومع خسارتنا الاولى ثم التعادلات, نشرت صحف النظام خبراً مفبركاً مفاده: (ان امريكا ستمنع العراق من المشاركة بحال تأهل لكاس العالم), وهو خبر كاذب لانه ليس من حق الدولة المضيفة لكاس العالم ان تمنع بلداً متأهل للبطولة, مثلا الان قطر ليس من حقها منع المنتخب السعودي او الايراني بسبب خلافات سياسية, او حتى منع الصهاينة من المشاركة بكاس العالم في حال تأهلهم, لكن كان خبر كاذب لتخفيف الضغط الجماهيري, ولامتصاص نقمة الجمهور الغاضب, وجعل الكل يسير في خط المؤامرة! وان هناك قرار خفي من الدول العظمى بمنع العراق من المشاركة مهما حصل.
متناسين ان العراق شارك في اولمبياد برشلونة 1992 في اسبانيا, ولاحقاً اولمبياد اتلانتا 1996 في امريكا, ولم يمنع احد بعثتنا من رفع العلم والمشاركة بمن تأهل.