السائق الكردي الذي نقلني من مطار أربيل إلى الفندق أجابني عن سؤالي له: كيف الأحوال الآن؟ بالقول: زينة .. صارت حركة في السوق بعد الإعلان عن قرب توزيع الرواتب.
كان هذا قبل يوم من الشروع بتوزيع الرواتب بعدما وصلت مبالغها من بغداد التي حجبتها عقاباً للموظفين الكرد على خلفية الازمة التي نشأت بين حكومتي بغداد وأربيل بشأن قضية الاستفتاء على الحق في تقرير المصير، وهي قضية كانت حجّة وليس السبب الحقيقي والوحيد للأزمة.
السائق، وهو يشرح لي كيف عانى الموظفون وسواهم من هذه العقوبة القاسية غير المبرّرة، لفت نظري إلى أمر وصفه بأنه “كلش زين”. قال إنه برغم عدم تسلّم الموظفين رواتبهم لفترة طويلة، لم يلجأوا إلى أخذ الرشى وابتزاز الناس لتأمين مستلزمات حياتهم وعوائلهم.
بالنسبة لقادم من واحدة من أكبر بؤر الفساد الإداري والمالي في العالم، ما كانت المعلومة إلا أن تثير قدراً من الدهشة، ففي بغداد والمدن العراقية الأخرى، الرشوة والسرقة من المال العام صارتا من الممارسات الروتينية في الجهاز الإداري للدولة، مع أنّ موظفي هذا الجهاز يتقاضون رواتبهم المجزية شهرياً، ولم يحصل لها انقطاع برغم الظروف الصعبة التي مرّت بها البلاد في السنوات الاخيرة، وبخاصة انهيار أسعار النفط واحتلال داعش والحرب ضده التي دامت ثلاث سنوات. بل إنّ الأكثر فساداً في جهاز الدولة هم في الغالب الموظفون الأرفع في مناصبهم ورواتبهم، مدراء ومدراء عامون ووكلاء وزارات ووزراء ونواب ومستشارون وسواهم. من المفارقات أنّ حجم الفساد في بلادنا يتناسب طردياً مع حجم ما يتقاضاه موظفو الدولة من رواتب ومخصصات!
وما دمنا في سيرة الفساد والفاسدين، فإنك في أربيل تسمع من زملاء المهنة القادمين من الموصل قصصاً عجيبة غريبة هي الأخرى عن هذه الممارسة الدنيئة. يقول الزملاء الموصليّون، مثلاً، إنّ معظم كبار ساسة المحافظة داخلون في منافسة ضارية هذه الأيام ليس فقط على مقاعد مجلس النواب القادم وإنّما أيضاً على أعمال إعادة الإعمار في المحافظة.،لا بقصد السرعة والكمال في إنجازها، بل لغاية أخرى، فكلّ واحد منهم قد حدّد لنفسه، أو بالأحرى لشركته، حصة من هذه الاعمال فإنْ عُهِد بها إلى شركته كانت خيراً على خير، وإلا فلا يتورّع عن الوقوف في وجه عملية إعادة الإعمار. لا يهمّه إنْ كان الأهالي الذين يحرص على وصفهم في مقابلاته التلفزيونية بـ “أهلي” قد عادوا ليعيشوا في بيوتهم المُدمّرة مع بقايا الجثث المتخلّفة من العمليات الحربية ومع العبوات والقنابل التي لم تنفجر بعد، أو أنهم مازالوا في مخيمات النزوح يعيشون الظروف غير الإنسانية القاسية.
هؤلاء الفاسدون هم في الغالب سيكونون أعضاء البرلمان المقبل الذين يقرّرون مصير الناس والبلاد .. وقانون الانتخابات في صالحهم والمفوضيّة إلى جانبهم..!!