18 ديسمبر، 2024 6:58 م

قصة قصيرة /معدة لتكون فيلم روائي قصير الغاردينيا … وهزيمة المسدس

قصة قصيرة /معدة لتكون فيلم روائي قصير الغاردينيا … وهزيمة المسدس

بعدما تبددت الأزمة التي كانت عالقة في تفكيرنا ، أشياء عديدة افتقدتها… الأخٌوة … الصداقة .. الذكريات الجميلة والآن اعتلاها البارود ، أجساد عاجية بعثرتها شظايا بلهاء ..وأخرى شوهتها رصاصات رعناء .. السنونو الذي هاجر ولم يعد .. فراشتي التي ولدت من شذى الياسمين… فكري القلق …ومسدسي الذي طبع على خاصرتي .. اطلاقاتي التي ابتسمت والتي ما زالت تنتظر الأمكنة المناسبة التي ستستقر بها لاحقا .. . العندليب لم يعد يطرب على شجرة التين التي تنتصف حديقة بيتنا التي قطع نصفها أثر الشظية التي استشهدت بها شقيقي الصغير وهو يلعب الكرة .. فراشتي لا اعرف مصيرها منذ بدأت المأساة التي فرضها علينا الجالسون حول الموائد المستديرة .. تمتمت في سري أين لي أن أجدها في زحمة هذا العالم ؟ هل ستعرفني ؟
من المؤكد أصبحت في ذاكرتها حبيبا استشهد في حب الوطن ، أم لازلت باقيا في الصورة نفسها التي تأطرت في مشاعرها ؟
آخر اللحظات حينما ودعنا بعضنا على تلك الرابية عندما كلفت بواجب (استشهادي) وهي تهدي لي بأناملها (زهرة لوتس) تعلوها الدموع التي أمطرت من عينيها إثر عناق الوداع ، ما أجملها تلك اللحظات .. وما أقساها حينما ودعنا بعضنا وهي تلوح لي بيدها مثل عصفور مذبوح، لم تكن تعلم بعد وداعنا بلحظات استدعيت إلى مقر القيادة {{لأنفذ واجبي لكنني ترددت ورفضت لأشياء كثيرة….. منها (لأني أحبها ) وأخرى دوافع إنسانية…. إذ كيف سأفجر مكانا قد يكون فيه أبرياء أطفال ….أو مسنين ….أو أمهات ….أو أرامل …أو حبيبات …أو أي شيء جميل آخر }}لماذا أكون أنا السبب في إطفاء حياة الآخرين ؟؟؟ لماذا لم ينفذ هذا الواجب الاستشهادي ( الرئيس ) ؟؟ اعني رئيسنا أليس هو الرئيس ؟؟؟ ومن المفترض ان يكون هو البطل ؟؟؟ المهم إني شعرت أن حبي لها هو السبب الوحيد الذي منعني من تنفيذ الواجب وبعد مشادات كثيرة وكبيرة و..و….حل محلي احد الأصدقاء ، أما أنا فأن كل الحاضرين وصفوني بـ( الجـ……ان ) لذا كلفت بواجب آخر استمر سنين طوال في مكان ما كعقوبة طويلة الأمد .
*******
في هذا اليوم بدأ فجر ميلادها يبزغ ليزيح الظلام الذي عشش في داخلي .. خيوط الشمس الذهبية كانت ولا تزال امتدادا لشلالات شعرها الذي عزفت عليه أناملي آلاف الأغاني للعصافير وهي توقد الشموع على عدد السنين التي أحببنا فيها بعضنا .. زهرة اللوتس ما زالت احتفظ بها في كيس بلاستيكي مع مصحف أهدتني إياه في يوم ميلادي
الشموع تنير ظلمة الشاطئ المسحور…
الشمس تومئ براحتيها …
شعلة الحب تبقى كالأزل .
*****
ارتسمت الحياة من جديد ، راحت تدب في كل شيء بدءا من أديم الأرض مرورا بصحوة التفكير انتهاء بالاستقرار النفسي الذي سرقوه منا ، رمقت راحة يدي بنظرة كانت الخطوط متداخلة فيما بينها وكأنني أشاهدها للوهلة الأولى على الرغم من فقدان توأمها ، بت أراها شيئا جديدا غير الأشياء التي كانت تفرض وجودها ،
الوردة إحتلت مكان المسدس
عطرها اكتسح لغة البارود و الدخان
غناء العندليب هزم أصوات المدافع و الصقور
الندى خاصم المدرعات وودع الصخور
وراح يقبل زجاج الشرفات و يعانق الزهور .
أين عساي أن أجدها في هذا الكون؟ وعلى أية بقعة مباركة تسكن؟ أحسها تجول هنا … وهناك من خلال نبضاتي التي ارتوت بشذاها لكن أين … ؟ لست ادري .
اللعنة عليك أيتها الشظايا …
اللعنة عليك أيها السواد …
اللعنة عليكم أيها القتلة …
بماذا ابدأ ووحشة الغربة وخطوات الضياع تداهمني أينما خطوت؟ ألا يكفي انطفاء شمعة شقيقي ..
ورحيل نورستي ..
وقطاف أزهار الأبوة
مودعا أحضان أمي
ليأتي القدر بثوب جديد ينتزع الأمل الذي كاد أن ينكسر ويقطع آخر وتر تبقى من قيثارتها ليسدل الستار ؟
هكذا ترعرعت ..
تعريت من الأفراح ..
ألبست ثياب الحزن ..
اتكأت على عكازة الأمل ..
مشيت حيث لا أدري ..
أبحر ضد التيار ..
امخر عباب الحزن..
انتزع الكراهية بالزهور ..
محطما قيود اليأس بالطموح والإرادة ..
واجهت الحرب بالحب ممتشقا سيفا هو ( حبك لي ) لأقاتل به حتى الشهادة .
* * * * *
الديار التي سارت عليها فراشتي… وطأتها قدمي… بحثت عنها في كل وجوه النساء التي صادفتها والتي لاحقتها حينما وجدت شيئا من ملامحها موزعا عليها ، أخر المطاف سراب في سراب، أعياني التجوال والبحث…. أنهكتني قساوة الغربة … وصفعني بردها القارس … الفصول تتوالد فيما بينها .. أوراق الشجر تخضر … تكبر …. تتغير ألوانها …تتساقط…. وهكذا تمر الشهور تتزاحم اطوي المسافات بين خطواتي الواثبة ونظراتي التي لم تستقر لحظة واحدة . في تلك اللحظات انتابتني حالات أقسى علي من الطلقات التي اخترقت جسدي المشبع برائحة البارود… أعوام وأنا على هذا التجوال ابحث عن حلم كاد أن يتحقق لولا الـ (هـؤلاء) ……؟؟؟؟ ابحث عن حبيبتي لكي تشاطرني هذا الحب ….لكن لا وجود لها وكأنما طائر كان أمامي واختفى فجأة مؤكد انه حلم ….انه حلم…نعم انه حلم ….
جلست في مقهى لأستريح من تعب السنين اقلب أوراق ذاكرتي ….استنشق الدخان بكل ما أوتيت من قوة ….لأقتل كل شيء في دواخلي….تمنيت مواجهة الموت وجها لوجه مرات عديدة …. فجأة اصطدم نظري بمحياها سرعان ما انعكس بريقا لامعا .. شعاعا أفلاطونيا على مرآة قلبي .. أنامل اللقيا بدأت تعزف على أوتاره سيمفونيات رقيقة .. صادقة .. ولدت آنيا ….. نظراتها منحتني دفئا مفتقدا إنها هي …..نعم إنها هي …اعرفها تماما من عينيها اللتان أغرقتا آلاف السفن…أخيرا التقيتها …. كانت تصطحب معها طفلين احدهما جالس في عربة والأخر يحاذيها المسير صعقت في مكاني …. هرعت أليها……… التصقت بالزجاج الذي يفصل الصالة عن الرواق السائرة فيه ….كانت خطواتي سريعة….. متلعثمة….. أثارت انتباه الجميع….. رمقتني بنظرة تساؤل مقطبة حاجبيها وهي بالقرب مني ولا يفصلنا سوى هذا الزجاج اللعين، وقفنا صامتين احدنا ينظر في هيئة الأخر بنظرة تفرس غريبة……… تمنيت أن يطول هذا المشهد ما تبقى من عمري ….أتلذذ بحلاوته… وعذابه …. لكن دونما اصدر أي إيعاز لقدمي بدأت خطواتنا المسير إلى أن وصلنا الباب…. بقيت صامتا أبحر في عينيها …. حينها فقط رأيت الشيخوخة المبكرة التي ارتسمت على وجهي إثر الحرب والبحث عنها والذي جعلها لن تعرفني بالمرة : –
-عذرا … لا أفهم ما تريد ؟ ؟؟ أتعرفني ؟؟؟
*كادت دموعي تنهمر وراحت تخنقني حينما أستقر نظرها على كفي المقطوع بفعل القصف المتواصل على ضيعتنا حتى تيقنت من نظرتها تلك حسبتني متسولا .تدلى رأسي خجلا لم انتبه لشكلي الحالي الذي تلبسني …فعلا كنت غير مكترثا بمظهري، لان البحث عنها سرقني سنوات طوال من نفسي قالت : –
ديــار ….
*( َفرَحتُ ) أجبتها : نعم رافعا رأسي … ( حزنت مجددا ) اتضح أنها تنادي ولدها .
– ديــار…. هل توجد عندك قطعة نقود؟ ( تيقنت أني ما زلت في ذاكرتها بل في كل لحظة تمر وفي نفس الصورة التي بقيت في بروازها الكوني حيث منحت أسمي لولدها البكر ) .
* (بقيت يدها ممدودة أمامي فترة من الوقت ماسكة قطعة نقود) .
أجبتها : كلا فهمتني خطأ أردت أن أقول لها(………..) لكنني خشيت عليها من الصدمة تدمرها. تداركت الموقف غادرت ميناء أحزاني للحظات قلت لها أنا… أنا …..أنا من بلد النخيل ،
– حقا
*صرخت بأعلى صوتها وراحت تعانقي بلهفة ، ارتسمت فرحة كبيرة على محياها حينما عرفت أنني من بلدها قالت :

أتعرف … ؟
* قلت : أجل أعرف
-ماذا تعرف
*اعرف الكثير .
أنت من أي منطقة ؟
*أنا من كل بقعة في بلد النخيل ولو تحدقين للحظات في عيني ستشاهدين كل الذين تحبينهم .(فترة صمت)
-أتعرف أناسا من (مدينة ملكة الليل) ..؟ (فترة صمت ودموع تتساقط سرا)
*بالطبع إنهم أهلي وظلي وكل شيء .. هل تعرفين أحدا منهم ؟
( فترة صمت ) .
* قلت من ؟
(فترة صمت ممزوجة بالمرارة والتردد)
– انه جرح عمييييييييييييق لا يندمل……. وعطر أثيري لن تبرح رائحته فؤادي .. انه معي أينما ذهبت …انه ظلي أينما توجهت
*كررت من تقصدين ؟
-بالتأكيد انه الإنسان .. البطل .. الحبيب .. الشهيد .. العندليب…السنونو…وكل شيء جميل في هذا الكون هو امتداد له ….
ساد جو من الصمت برهة من الوقت وعينيها راحت تمطر عزاءا جميلا لذكراه
* قالت ( والعبرة تخنقها )
– البطل ديار كامل …..
* بدأت قدمي ترتجف ولم تستطع أن تحمل ثقل الكلمات حينما نطقت أسمي الذي داعب شفتيها .. الكرزيتين وأنا واقف أمامها كالطود شامخا ..ولن تعرفني …. لكني أحسست يد الرحمن احتضنت فؤادي المهشم …حينها حبست شلالات ادمعي كي لا تصحو من دواخلي غفوة من براكين (عبـــوة) تنسف كل شيء وتدمر ما تبقى ….
لما عرفت إنها متزوجة ولها ولدان قررت أن أخفي عليها سر وجودي وأعود …..أعود إلى الوطن
*.. بدأت تلح علي للكشف عن هويتي والإجابة عن سؤالها ( سنين طوال من البحث والتجوال وأنا أبحث عن هذه اللحظة لكي أعانقها ……لكي أذوب في ملامحها ……لأقول لها إني(…..) .. لكني لا اعرف من أين أتت لي هذه الكلمات ، أحسست أن العالم كله توقف عن النبض ….توقف عن الحركة ينصت بأيمان مطلق …يصغي بإحساس صادق لما سينطقه قلبي لانني ادركت حينها ان الصمت هو ابلغ من الكلمات لذا رحت أنصت بما نطقه فؤادي :
اجل اعرفه تماما كان أوفى صديق التقيته
لكنه أستشهد في اعنف حرب وأجمل قصة حب .