23 ديسمبر، 2024 5:00 ص

قصة قصيرة…(( الشيبة المباركة )) الجزء الثاني

قصة قصيرة…(( الشيبة المباركة )) الجزء الثاني

هدأ من روعه الممرض العسكري الذي معه ولكنه بقي حائرا متجمدا في مكانه لا يعرف هل يستلم جثة صديقه في وحدته العسكرية ام جثة اقاربه موسى فأشار اليه الممرض ان يعود الى وحدته العسكرية ويبلغ امر الوحدة بالمستجدات التي حصلت معه حتى يرسل جندي آخر يوصل جثة صديقه ويتفرغ هو لإيصال جثة اقاربه وفعلا هذا ما حصل في اليوم التالي ظهرا وعند وصولهم المستشفى توجه سعد لاستلام جثة اقاربه بينما ذهب جندي آخر لإيصال الجثة للشهيد الاخر وهنا وفي نفس الوقت انطلقت السيارتان من المستشفى وكانت الساعة تشير الى الرابعة عصرا وسبب التأخير في الوقت هو تأمين سيارات لنقل الجثث وكانت الوجهة الى مدينة الموصل مرورا بعدة محافظات منها العاصمة بغداد التي تتوسط مدن العراق..
اصبح الطريق صعب جدا على المقاتل سعد فهو يفكر ماذا سوف يقول لذلك الشيبة المباركة والد موسى وكيف سوف يفاجئ اهل قريته وهو يحمل جثة الشهيد الموضوعة في صندوق وملفوفة بالعلم العراقي فوق السيارة… اسئلة كثيرة تدور بأفكاره يرافقها الحزن والدموع لهذا الموقف الصعب جداً… واثناء مرور السيارات من قرب بعض المدن في جنوب العراق كان يسمع صوت زغاريد النساء وهي تودع الشهداء وهذا ما اصبح متعارف عليه بين الناس في تلك الفترة… وما ان وصلت السيارتان الى العاصمة بغداد حتى قام احد سائقي السيارتين بأجراء صيانة سريعة لسيارته كونه اكتشف وجود خلل فني فيها وبما انهم في العاصمة بغداد فيستطيعون تصليح السيارة وتكملة مشوارهم وهنا حدثت المفاجأة الاخرى اذ لاحظ سعد وبعد ان توقفا بنصف ساعة تقريبا في اطراف بغداد تجمعات بشرية تركض في شوارع العاصمة وسيارات تطلق المنبهات وعندما سألوا احد المارة اخبرهم بإعلان وقف الحرب ونهايتها وقبول الاطراف المتحاربة بهذا الاعلان.. قام سعد وبصورة لا ارادية وهو يصرخ مخاطبا جثة اقاربه الشهيد موسى لقد انتهت الحرب ياموسى فلماذا الرحيل.. ماذا سوف اقول لاهلك غدا وانا افسد فرحتهم بنهاية الحرب… اصبح ليل العاصمة بغداد كنهارها في تلك الليلة.. الناس في الشوارع غير مصدقين انفسهم انهم مازالوا احياء ومن فقد شخصاً من عائلته يشكر الله على الحفاظ على الباقين… حرب ثماني سنوات وصلت فيها اعداد القتلى الى المليون وخسائر اقتصادية لاتعد ولاتحصى وتقييد لحرية شعبين جارين كلها بتوقيع قلم تنتهي… رحل من الشباب من رحل وظهر القادة في البلدين محتفلين هم ووزرائهم بالنصر.. وهكذا هي الحروب تعلمنا من دروسها يدفع الفقير ثمنا لها حياته ليحتقل القادة بنشوة النصر فيها….وعودة الى صناديق شهدائنا الذين لم يحالفهم الحظ للوصول الى العاصمة بغداد ولكن ارواحهم الطاهرة شاهدت فرحة الاهالي في اعلان وقف اطلاق النار…
اكمل السائق تصليح سيارته بعد ساعتين تقريبا والتي اعتبروها استراحة لهم وانطلقا من العاصمة بغداد متوجهين الى طريق مدينة الموصل الذي يبعد اربعمائة كيلو متر تقريبا…وبما ان الوقت ليلا فاصبح سائقي السيارات يتمهلون في سياقتهم حتى يصلون في الصباح ومن باب الإنسانية فتلقي خبر استشهاد الابناء على الاهل ثقيل جدا ولابد من تخفيف الصدمة عليهم….
انتهى الليل الحزين المفرح وبدأت خيوط الشمس تظهر باحمرارها بعد طريق طويل وما ان وصلت السيارتان صباحا الى مفترق طريق ناحية القيارة والتي تبعد مسافة خمسين كيلو متر عن مركز مدينة الموصل حتى افترقا فسارت الاولى الى مدينة الموصل اما الثانية فأخذت طريقها الى ناحية القيارة مروراً الى قرية الشهيد موسى والمقاتل سعد وعند وصولهم توجهت السيارة الى منزل اهل الشهيد حتى وصلت وبدأت القرية تتجمع وعويل وصراخ النساء والرجال فوق الصندوق وهنا انتبه سعد لعدم وجود والد الشهيد موسى فسأل احد الموجودين فابلغه بوفاته قبل عشرة ايام تقريبا فصرخ سعد بأعلى صوته لماذا لماذا رحلت ايها الشيبة المباركة لقد لحقك ابنك الشهيد ووضعت الحرب اوزارها وانتهت ياعم.. لماذا رحلت عنا ونحن نحتاجك لترشدنا في هذه الدنيا الفانية.. اليوم سوف يلتحق معك ابنك موسى الذي كنت تدعوا له وتخاف عليه من الحرب لقد استشهد في آخر ليلة منها وحضرت جثته اعلان وقف اطلاق النار في العاصمة بغداد وكنت حائرا كيف اوصل لك خبر استشهاده ولكنك خففت من اعذاري برحيلك ايها الرجل الطيب وانا متأكد انك الان تنتظر اللقاء مع ابنك الوحيد موسى…
وبعدها تمت اجراءات الدفن للشهيد وعاد اهل القرية وهم يحملون الاحزان في قلوبهم لفقدانهم الاب والابن ولم تبقى سوى الام وهي امرأة كبيرة طاعنة في السن….
انتهت الحرب ولم تنتهي اخبارها وبعد سنتان دخلت البلاد في حرب اخرى ومازالت الحروب والقتل في هذه البلاد وكأن الارادة الربانية قد كتبت على هذه الشعوب الخيار بين ان تموت من الجوع او تموت مقتولاً….
هذه القصة من واقع العراقيين وهم يعيشون حياتهم المليئة بقصص الخيال وعالم الف ليلة وليلة….