7 أبريل، 2024 6:49 ص
Search
Close this search box.

قصة قصيرة الام مفاصل

Facebook
Twitter
LinkedIn

. في لحظات الراحة من العمل كما في اللحظات التي تسبق النوم كان يحاصره سؤال زامنه منذ تفتق الوعي ( لمن ينتمي ؟ ) لتلك الأرض التي يعيش عليها ويسكن فيها ويشق سمائها كل صباح صوت التوحيد أو للأخرى التي يعمل فيها ويكسب قوته منها ويشيع في أرجائها الإلحاد وإنكار وجود الخالق ولن تنتهي تلك الحيرة حتى يتسلل الرقاد إلى جفنيه او عند انتهاء لحظات الراحة .
. كانت أجساد من يعيش بينهم وياوي اليهم بعد انتهاء العمل كما وصفها صاحب ( الدون الهاديء ) ضخمة وذو شوارب كثة تغطي الجزء الأكبر من الافواه ولغتهم حادة لا تعرف المهادنة على عكس من يعمل معهم حيث كانوا يميلون للوداعة والهدوء ويكرهون الصخب ويبتعدون عن الضجيج وكانت سلواه الوحيدة بينهم هي صديقته التي تعاني مثله من العمل مع قوم يختلفون عن من يعيش بينهم وكانا حتى في التواجد على الأرض التي تؤمن بوجود الرب يتفاهمان ويتحارون بلغة اهل الأرض الملحدة حيث يجدانها اقرب الى نفسيهما من لغة اهل الايمان .
. ذات ليلة نزل بها البرد بكثافة سألها وهما يجلسان قرب الموقد وحيدان : لمن ننتمي ونحن لا نؤمن بايمان هؤلاء ولا بكفر أولئك ولا نتفق مع طرف في النوايا ولاتجذبنا الميول نحو بعضمها إلا تشعرين مثلي بالغربة والضياع بين طرفين يجمعهم الجوار وتفرقهم المعتقدات ؟ قالت : قدرنا ان نعيش الاغتراب مرتين تتمثل الأولى في العيش بين قوم لم نعتاد على طباعهم ولم نالفها والثانية العمل مع قوم لا نحب الحادهم ولا نقره سلوكا في حياتنا .. لكن أخبرني هل تذكر كيف جئت إلى هنا ؟ .
. كل ما أذكره اني وجدت نفسي هنا من غير ام ترعاني أو تهتم بي أو تأخذني في حضنها لاشعر بالدفء في الليالي شديدة البرودة وحتى أيام المدرسة كنت اتدبر شأني وحيدا إلا من رجل ذو شوارب معقوفة وجسم معروق كان يهتم بي قليلا أثناء تواجده في المكان وعندما يغادر كان يوصي جارته برعايتنا في غيابه لكن مشاغل تلك الجارة في البيت والحقل ورعاية أولادها تدفعها لاهمالنا طويلا فتعلمنا الاعتماد على نفسينا وما يحيرني كيف تعلمنا انا وانت لغة أرض الإلحاد ونحن لم نعش في طفولتنا بينهم أو ندخل مدارسهم أو حتى نختلط بهم قبل بلوغنا سن العمل والاشتغال هناك .. إلا ترين في ذلك سرا ؟ .
. ما يحيرني هو الغموض الذي يلف حياة الرجل ذو الشارب المعقوف الذي نعيش في بيته حيث ما ان يعيش بيننا عدة أيام حتى يختفي بعدها شهور ولم نشعر معه يعطف الاب أو حنانه أو حتى خوفه علينا من الوحدة ووجهه المتجهم دوما لم يترك لنا مجالا بسؤاله هل نحن أولاده؟ واذا كنا هكذا فأين امنا ؟ وكيف تعلمنا لغة اهل الأرض الأخرى؟ كما أن الجارة التي كانت ترعانا احيانا لم تحدثنا يوما عن من نكون نحن وماعلاقتنا بالرجل الغامض المتغيب عنا دوما ؟ إلا ترى اننا نختلف عنهم ؟ كما أنهم لايتحدثون باي امر يخص اهل هذه الأرض أمامنا حتى بعد أن كبرنا وأصبحنا ليس بحاجة لرعاية احد منهم ؟.
. علينا معرفة من نكون وكيف وصلنا إلى هنا واذا كان الرجل ذو الشارب المعقوف والدنا أو لا ومن هي امنا وهل هي ضمن الموتى أو تعيش في مكان اخر شرط ان لاتثير هذه المعرفة ريبة احد ولنبدأ من تلك الجارة التي تقدمت في السن وكبر أبناؤها وقلت مشاغلها وعلينا أن نغريها بتقديم هدايا لها بمناسبة أو بغيرها وبعد أن ننال ثقتها ندعوها إلى زيارة أرض الإلحاد وقضاء يوما هناك للمتعة والترويح عنها وربما عرضها على طبيب مفاصل هناك ومن ثم نتسلل إلى السر الذي اخفته عنا سنوات طويلة خوفا من ذي الشارب المعقوف .
. تقربا للجارة واغدقا عليها الهدايا ووصفا لها جمال مدن أرض الإلحاد وبراعة الأطباء فيها وقدرتهم على شفاء مرضاهم واطنبا في وصف المطاعم وفخامتها وما تقدمه من وجبات لذيذة للزبائن حتى تمنت الجارة ان تزور أحدهم للكشف على مفاصلها التي اتعبتها السنين والعمل المتواصل وتربية الأطفال فوعداها خيرا وزادا في اكرامها فأخذوا بمناداتها بكلمة ( ماما ) حتى اطمأنت لهم تماما .
. حدد ثلاثتهم يوم الذهاب إلى أرض الكفر سرا وقررا عدم الذهاب إلى العمل في ذلك اليوم ليحصلا على السر الذي أصبح مصيرهما مرتبطا به ثم رتبا كل شيء من تحديد عيادة الطبيب إلى المطعم الذي يتناولون فيه وجبة طعامهم مع الجارة واحتياطا لما قد يتطلب الأمر اختارا فندقا هناك لو اضطرا للمبيت .
. سارت الأمور كما خططا لها وقاما بجولة في الأسواق واشتريا لضيفتهم بعض الهدايا من ملابس وعطور ثم اتجها بها إلى المطعم واختارا مكان قريب من الموقد وسط المطعم واجلساها كضيفة شرف وتسابقا في اكرامها وعلى الطعام رفعت الجارة رأسها وتفرست فيهما ثم ضحكت بحنان وقالت لهما : انا سعيدة بكما وبما فعلتموه من أجلي وهذه الزيارة والاحتفاء وتدليلكما لي بكلمة ( ماما ) مع اني اعرف تماما الغرض منها ولماذا اتيتما بي إلى هنا ومع ذلك سأتكلم واخبركما عن كل شيء لادخل السرور على قلبيكما لأنكم سررتم قلبي هذا اليوم وافرحتموني .
. أكملت الجارة وجبتها بمزاج عالي واعتدلت في مجلسها وقالت : لقد عشق جارنا ذو الشارب المعقوف في شبابه اجمل صبية في المكان لكنها لم تبادله هذا العشق رغم انه بذل كل مافي وسعه من أجل الفوز بقلبها ولم يفلح فاشتراها من أهلها بنصف أرضه الزراعية التي ورثها عن أبيه وزفت عليه في يوم مشهود لكنها لم تبقى معه طويلا وهربت إلى أرض الكفر بعد أقل من سنة من الزواج وبعد هروبها لم يقر له قرار وبدأ بالبحث عنها هناك وكان ما ان يعود من رحلة بحث خائبة حتى يمكث عدة أيام فيعاوده الحنين إليها ويبدأ رحلة بحث أخرى وهكذا دارت أيامه وبعد سنوات قليلة عاد من رحلة بحث خائبة ومعه طفلان مدعيا أنه وجدها من اول رحلة بحث عنها واشترى لها بيتا هناك ومن جاء بهما هما طفلاه منها وعندما عاوده الحنين لها مرة أخرى قرر الذهاب وترككم في رعايتي لكنه نسى أن ينزع من رقبتيكما قرصا التعريف الخاصة بكما والتي تحمل اسم كلا منكما واسرته وتاريخ تولده وعنوان العائلة ثم مدت يدها في جيبها واخرجت من حافظة قديمة القرصان وسلمتها لهمها فعانقاها ثم تعانقا وشكراها واكملوا معها جولتهما ثم اوصلاها إلى بيتها .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب