23 ديسمبر، 2024 9:36 م

قصة القرش عاثر الحظ

قصة القرش عاثر الحظ

كان يجوب البحر مرعبا ً كل سكانه مدفوعا ً بقوته التي جعلته لا يتوقف عن حركته منذ ولادته لم ير َالنوم ولم يعرف له عدوا ً كانت الرهبة رفيقته تنزل على المكان الذي يحل به فالأسماك تتفرق فزعا ً من أمامه . حيوية.. قوة.. وشباب جعلته محبا ً لأرتقاء المصاعب , شغوفا ً بركوب التيارات فأحس ذات مرة بتيار قادم من رأس الخليج –طبقا ًلعلمنا بالاتجاهات- فقرر بروحه الوثابة الولوج غير مهتم بعكرة المياه وانعدام الرؤيا فهو على اية حال لديه وسائله ففشل في لجم رغبته بالسير نحو المجهول هذه المرة كما كان يفشل في كل مرة لكنها كانت الأخيرة .
كان ابو حسام متوسطا ً مشحوفه في مياه المصب العام في الفضلية غير عابئ باهتزاز قاربه كان كالصاري يميل حيثما يميل القارب وتعابير وجهه تصيح لا توجد موجة تُرجّلني عن مركبي ولعدم وجود الأمواج قرر ان يُصّعد التحدي فيتلاعب بقاربه ساخرا ً حينما حزم سليته المثقلة بالرصاص ممررا ً اياها بسرعة وقوة الى الخلف قرب فخذه الأيمن قاذفا ً بها بعيدا ً فاختفت بصوت ارتداد ٍ قليل ككاتم للصوت كبير وكثيف ولم يبق منها بعد ابتلاعها سوى طرف حبل مربوط بيده .ارتد قاربه للأسفل ثم عاد للأعلى استمر بالارتداد قليلا ً ثم تمايل جانبيا ً بقوة اقل ثم اقل حتى سَكن .
شعر بشيء ثقيل يجرها ..سحبها ويا لعجبه عندما رأى انها سمكة قرش تجمع حوله الناس فبدأوا بالعادة القديمة القيل والقال وبالعادة الجديدة التصوير بهواتفهم لكنهما كانتا ممزوجتان في ساحة الحدث فمن لا يصور يتكلم ومن لا يتكلم يصور قالوا ان هذا القرش كان من ضمن ما ألقاه الامريكيين .(وهو احتمال لا بأس به ان يكون سبب التهام اسماكنا فنحرم من البني والشبوط ونستورد المجمد الايراني لكن ماذا عن اخطر سلاح فتاك نوجهه دائما ً نحو ثرواتنا بأنواعها ونهلكها وهو عقول وافكار مسؤولينا وما تنتجه هذه العقول من افكار ارتجالية هي نتاج ملائم للطارئين والمتزلفين المتسلقين وهو حال اغلب مسؤولينا فقد قام احد المسؤولين المجهولين باستيراد اصبعيات الى مياه المحافظة تحولت الى كارثة بيئية بإنتاجها اسماك مفترسة لم تبق من الثروة السمكية المنتهية اصلا ً أي باقية وفرع الزراعة وأعضاء المجلس يتبادلون الأتهامات حتى يخلصوا من الوقوع بأزمة هي اشد عليهم -هُم الحساسين- من كل عقوبات الدنيا وهي الازمة الأخلاقية امام ضمائرهم ).
قرر الناس المتجمهرين ان يتصلوا بالشرطة لتتحقق من دخوله الى مياهنا المحلية جاءت الشرطة ونقلته الى مركز شرطة الفضلية بسيارتهم المكشوفة وبدأ شعوره المؤلم بالاختناق فقليل من الماء يلقى عليه لا يكفي .ومن هناك بدأوا اتصالاتهم الى جامعة ذي قار وقسم علوم الحياة وطلبوا منهم ان يأتوا ويخلصوهم من الفك المفترس فيأخذوه الى مختبراتهم العلمية وأحواض الحياة المائية خاصتهم المتوفرة لديهم لكن الرد كان بارد ومُسّوف ” سنأتي ونأخذه “.ثم اتصل مدير المركز في الناحية بمرجعه مديرية شرطة سوق الشيوخ ليتلقى منهم التعليمات حول ارساله اليهم او كيفية الحفاظ عليه حيا ً حتى يأتي منقذ من مكان ٍ ما لكن رد المديرية لم يكن بالمشجع او بالمساهم ايضا ً .فكر مدير شرطة الناحية بمكان لأيواءه فبحثوا ولم يجدوا الا حوض اسمنتي في منزل قيد الإنشاء أجلوا القرش اليه لكنه مات من ليلته .مات قرشنا العراقي في حفرة كونكريتية بالوعة منزل –باعتبار مآلها – . اتصل مدير المركز  مجددا ً بالخبراء النهريين والبحريين في الجامعة وأعلمهم  بالوفاة فأجابوه ان احتفظوا بجثته حتى نأتي ونتسلمها منكم لأننا نريد تحنيطها !!
ان الأرض بأسرها تعيش فطرتها الاولى بتناسق وتناغم ابدي ورائع كما اراد خالقها لكن هناك عنصر وحيد طارئ على هذا المشهد قد أقحم فيه إقحاما ً فكان النغمة النشاز في هذا المشهد المتكامل انه الانسان فبان النقص بدخوله .لكنها المحنة والاختبار ان نرتقي او لا الى مستوى ان نكون خلفاء لله على أرضه فنبقي مشهد العذرية الطبيعية على حاله دون ان نخربه وكلما اقترب الانسان من تحقيق هذه الغاية كان بحق خليفة لله وكلما ابتعد عنها ابتعد ان يكون مستحقا ً ليخلف الله في ارض كماله .وضمن هذا المقياس المنطقي اعتقد اننا بعيدين عن ان نكون خلفاء لله صالحين لان الخلافة تتضمن الرعاية منا لكل مخلوقات الله وبحفاظنا عليها نحافظ على ما صنع الله بيديه من بديع الجمال لكننا نُصر على ان استخلافنا في الأرض ليس الا قيوميتنا على الدجاج والأغنام التي احل لنا دمائها ولم نفهم القيومية على انها المسؤولية تجاه ما خلق الله عامة ً.لقد اخطأ القرش عندما ظن انه يبحر في بلاد أناس يعرفون الله فقد اكتشف انهم لا يعرفون عنه شيئا ً .