23 ديسمبر، 2024 6:27 ص

قصة الشهيد الذي استشهد بأحضان والده

قصة الشهيد الذي استشهد بأحضان والده

شباب بعمر الزهور؛ لا يعرفوا معنى الحياة, ولم يتذوقوا حلاوتها, دفعهم ولائهم لوطنهم, وارتباطهم العقائدي, ليكونوا أول الملبين لنداء الزعيم الروحي للأمة, وينهضوا متطوعين للدفاع عن الأرض والمقدسات, لم يعرفوا كيفية استخدام السلاح, والأغلب لم يعرف الرمي بالسلاح البسيط, ولكن المبادئ جعلت أولئك الشباب؛ يَقاتلون ويُقتلون من اجل العقيدة والوطن.
صيف عام 2014؛ شهد انتفاضة عارمة, وثورة شعبية منقطعة النظير, وقف الجميع على سواتر الشرف, الكبار قبل الصغار, الإباء والأبناء معاً للذود عن العراق, الكل تركت إعمالها ومصادر رزقها, ودراستها والتحقت بالجهاد, تقاتل بالخطوط الأولى, وتقدم الدعم المعنوي والمادي للمقاتلين, هكذا بدأت واستمرت قصة العراقيين, بالدفاع عن أنفسهم ومقدساتهم بوجه أشرس العصابات إجراماً, وذات أفكار تكفيرية, ولا تعرف معنى الإنسانية.
عائلة السيد عقيل الياسري؛ من تلك العائلات التي كان لها الشرف العظيم في المشاركة والدعم, وتقديم احد أفلاذ أكبادها شهيداً, ملبياً نداء المرجعية الدينية, ولدها البار السيد مسلم الياسري, ذو الخمسة والعشرين ربيعاً من سنين عمره, وما يميز شهادة الشاب مسلم, أنها كانت في أحضان والده المفجوع فيه, قصة خيالية لا تحدث إلا ضمن إلف قصة, شهادة في هكذا حال.
الشهيد مسلم؛ كان طالب جامعي في كلية هندسة الحاسبات, جامعة الكوفة المرحلة الثانية, مواليد الشامية 1990, عند انطلاق فتوى الجهاد الكفائي, شارك ضمن سرايا عاشوراء؛ الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي, اللواء الثامن في الحشد الشعبي, وبعد معارك دامية في حزام بغداد, وضواحي محافظة صلاح الدين, استقر لهم المقام في (منطقة مكيشيفة) قرب تكريت, بعد تحريرها من براثن الزمر الإرهابية.
لم يكن السيد مسلم؛ الوحيد من أسرته ضمن ذلك المحور, كان معه أخوه الأصغر منعم, ذو الثمانية عشر عاماً, طالباً بالصف السادس العلمي, كما لم يفارقهم والدهم السيد عقيل الياسري, والذي كان مستمر بالتقديم الدعم اللوجستي لسرايا الحشد الشعبي, رغم كونه موظفاً حكومياً, وصادف وجوده بقاطع سرايا عاشوراء في ذلك اليوم, الذي أراد الله تعالى إن يختار فيه ولده شهيداً.
كان الشهيد مسلم بواجبه المعتاد, بالنقطة المرابطة على ساتر الصد, بمواجهة العدو, تحت سقيفة من الحديد, يستظلون فيها من تقلبات الطقس, وفي مقربة من النقطة خيمة متواجد فيها والده, وعدد من المجاهدين لاسيما أبناء محافظة الديوانية, مسقط رأس الشهيد, ما هي إلا لحظات حتى صدت إطلاقه قناص من الإرهابيين في السقيفة, لتنزل على رأس مسلم, ليسقط في أحضان والده شهيداً.
هكذا استقبل أبن الزهراء ولده قبل 25 عام, وهكذا يودعه شهيداً, ليقف قائلاً: “الآن وقد وآسيت جدي الإمام الحسين ع, وقدمت ولدي مسلم, كما قدم هو ولده علي الأكبر”, فأي مبادئ يحملها رجالات الحشد الشعبي, لينظر العالم لهذه المواقف البطولية, وكيف الأب يستقبل جسده ولده مضرج بالدماء؟!, وعينهِ ترمق عينهَ.