23 ديسمبر، 2024 1:15 م

قصة البيضة والدجاجة

قصة البيضة والدجاجة

اشتهر ب (النشل ) وكان في كل مرة يقاد فيها الى السجن يعترف بالسرقة لحاجته الى المال لانقاذ عائلته من الجوع ..دخل السجن عدة مرات وخرج منه بفضل قرار (العفو ) الذي كان يمنح للسجناء في السنوات السابقة …قبل فترة ، قادته سرقة جديدة الى قاض للتحقيق كان يعرف بقصته فسأله ماالذي يمكن ان يثنيه عن السرقة يوما ما فقال له :” دعني التحق بسلك الشرطة “….كان الامر مستحيلا من كل النواحي ..رسميا واجتماعيا وقانونيا لكن القاضي فكر مليا في الأمر فوجده ممكنا فعسى ان يسهم ذلك في اصلاح السارق الذي يصر في كل مرة انه يسرق لاطعام عائلته ….اقنع القاضي المسؤولين بضرورة الحاق الرجل بسلك الشرطة ..بمرور الايام اشتهر اللص التائب بمواقفه البطولية في ملاحقة العصابات وارشاد الشرطة للسارقين ، أما نهايته فكانت تحوله الى أشلاء في انفجار ارهابي وهو يؤدي واجبه الوطني …

في مكان آخر ، تم القبض على عضو تنظيم القاعدة الذي قتل الابن الاصغر لاحد شيوخ محافظة الانبار وجلبوه له ليقرر كيف سيأخذ ثأره منه ..كان رد فعل الشيخ ان طلب من اتباعه بندقية فجلبوها له ظنا منهم انه سيقتله لكنه سلمها له طالبا منه ان يلتحق بصفوف رجال الصحوة التي تشكلت في ذلك الحين للقضاء على تنظيم القاعدة ..وبمرور الايام اصبح الارهابي السابق واحدا من اشجع رجال الصحوة واقدرهم على اصطياد الارهابيين وكانت نهايته على ايديهم شهيدا وهو يدافع عن مدينته وابناء بلده …

فيما اظن ، كان القاضي والشيخ على اختلاف مبادئهما وطوائفهما ينشدان الاصلاح الحقيقي وابتدءا ذلك باصلاح افراد من الشعب بان منحوهما الفرصة للحياة الكريمة ..اقول هذا بعد استماعي لتصريح احد المسؤولين مؤخرا والذي يقول بأن الشعب هو الذي يجب عليه اصلاح نفسه وليس المسؤولين لأن الفساد ينخر الشعب الذي رضي بان يحكمه طاغية لعدة عقود ثم اقدم على انتخاب من يدرك جيدا انه لن يقدم له مايحلم به من تغيير

..هل فكر هذا المسؤول في كيفية اصلاح الشعب لنفسه وهو محكوم بمن لايمنحه الفرصة لأن يعيش حياة حرة وكريمة ..الفقر يعلم الانسان احيانا على الانحراف فقد يصبح سارقا ومرتشيا احيانا ، والظلم والقهريعلم الانسان على التحدي فيصبح قاتلا احيانا …كيف يكون الاصلاح اذن ؟ومن اين يبدأ ؟..بالشعب ام بالمسؤول ؟ فاذا كان الشعب يمتلك عذرا في فساد مبادئه فالمسؤول لايمتلك هذا العذر ..يقول النبي محمد (ص): “صنفان اذا صلحا صلح الناس ، واذا فسدا فسد الناس : الأمراء والعلماء ” ، وشعبنا لم يجد حاكما يأخذ بيده لينقذه من الفساد ولاعالما افلح في حمايته من حكامه الفاسدين…

ويقول المفكر محمد عبده:” الفساد يهبط من اعلى الى ادنى ، والاصلاح يصعد من ادنى الى أعلى “ويعني بذلك ان المسؤول هو من يخوض غالبا في الفساد وينبغي اصلاحه وليس العكس..هي ليست قصة البيضة والدجاجة كما يتصور البعض بل ابسط من ذلك بكثير فاذا كان المسؤول قدوة للشعب وساعيا الى خدمته وتوفير كل مايجنبه الفساد فسيكون الشعب صالحا بالضرورة …على مسؤولينا اذن الا يطلقوا تصريحاتهم جزافا للتخلص من تبعة ارهاق شعبهم وان ينتبهوا الى حقيقة ان الشعب اذا سعى الى اصلاح المسؤولين فقد يتحول ذلك الى جهاد لأنه ربما سيكون الأمل الأخير للشعب ليحظى بحياة حرة وكريمة !!