فك الإماراتيون شفرة الربيع العربي في وقت مبكر جدا سبق سقوط حكام تونس ومصر وليبيا واليمن، وعَلِموا أن «الاخوان المسلمين» هم من سيقطفون ثمار التغيير. والأدهى من ذلك أن «الاخوان المسلمين» بدءوا بتصدير «ثورتهم» بمجرد أن أمـَّنوا موطئ قدم لهم في مصر وتونس.
وبعد أن اكتشفت الإمارات تنظيمات اخوانية سرية ناشطة على اراضيها، تحول التوجّس الإماراتي إلى يقين بأنها مستهدفة من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وحذّر القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان من أن «الأفكار لا تصدّر الى دول الخليج لامتلاكها عرفا قديما في التعاطي بين الحاكم والمحكوم، وأن الأنظمة في الخليج أكثر رقيا وتقدما وانضباطا من الجمهوريات». وطالب «إخوان» مصر بأن «يحصروا عملهم داخل اراضيهم فقط».
وفي منتصف تموز العام الماضي، أعلن عن القاء القبض على أكثر من ستين ناشطا اسلاميا معظمهم ينتمون الى جمعية الاصلاح الإسلامية المحظورة المرتبطة بتنظيم «الإخوان المسلمين». ونقلت صحيفة الخليج الإماراتية عن مصادر مطلعة في ايلول 2012، أن المعتقلين «اعترفوا بانتمائهم إلى تنظيمات سرية بناء على علاقتهم بجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم سعوا لاغتنام فرصة الربيع العربي لإقامة خلافة إسلامية وأن هنالك أموالا واستثمارات ومحفظة خاصة بالتنظيم، كما أنه سعى إلى جمع أموال، وأن التنظيم يتواصل مع التنظيم الدولي وجهات خارجية، وأن له هيكلا تنظيميا يشتمل على مكاتب وفروع وتراتبية ممنهجة في كل امارة من الإمارات السبع في الدولة».
وبينت جريدة الخليج أن «اخوان» الإمارات تلقوا تمويلا من مماثلهم في دولة خليجية أخرى. وقد اكدت الحكومة الكويتية هذا النبأ حين أعلنت بتاريخ 09/01/2013 أن «اخوان» الكويت يدعمون خلية الإمارات، وأنه سوف لن تعلن أية أسماء قبل تحويل المتهمين [الكويتيين الذين قاموا بالتمويل] إلى المحكمة. وبذلك تأكد النشاط والترابط الإقليمي المتصاعد «للإخوان».
وأعلن في اليوم الاخير من العام المنصرم عن القاء القبض على احد عشر مصريا ينتمون لخلية تابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، معروفة بما يسمّى «المكاتب الإدارية» للتنظيم، الذي يحاول التغلغل داخل الإمارات لأهداف سياسية، وقاموا بإدارة تنظيم على أرض الدولة يتمتع بهيكلة تنظيمية ومنهجية عمل دقيقة، وكان أعضاؤه يعقدون اجتماعات سرية في مختلف مناطق الدولة في ما يطلق عليه تنظيمياً «المكاتب الإدارية» التي تقوم بدعوة أبناء الجالية المصرية في الإمارات للانضمام إلى صفوف التنظيم. كما أنهم أسسوا شركات وواجهات تدعم التنظيم على أرض الدولة، وجمعوا أموالاً طائلة وحوّلوها إلى التنظيم الأم في مصر بطرق غير مشروعة.
وذكرت صحف محلية إماراتية ان المصريين الاحد عشر متهمون بإقامة علاقة مع «التنظيم السري» الإماراتي، وقد قاموا «بتدريب» إسلاميين محليين على كيفية الإطاحة بحكومات عربية، كما كشفت المتابعة تورّط قيادات وعناصر التنظيم في عمليات جمع معلومات سرية حول أسرار الدفاع عن الدولة.
لقد انكر إخوان مصر أي نية لهم لتصدير الثورة أو للتدخل في شؤون الدول الأخرى، إلا أنهم لم ينكروا التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، فقد أكد نائب المرشد العام للجماعة، رشاد بيومي، أن «التنظيم العالمي للإخوان لا يستهدف المد وإنما الاجتماع على فكرة المشروع الحضاري الإسلامي بمفهومه الشامل، بمعنى ان لا تواصل أو تخطيط بين إخوان مصر وإخوان دولة أخرى، وليس مطروحا أن يكون هناك تدخل في شأن أي دولة من الدول، فكل دولة تلزم بحدودها ولا يحق بحال التدخل في شؤونها، وهذه قواعد لا نحيد عنها»، مشدداً على أن «الإخوان لم يصنعوا أي أزمة في أي بلد من البلدان التي وطئت أقدامهم فيها».
إلا انه «بالرغم من نفي رشاد بيومي فكرة الوحدة التنظيمية لـ«الإخوان» حول العالم، فإن اللائحة الداخلية للجماعة تقضي بأن يتم اختيار المرشد العام للجماعة من قبل مجلس الشورى العام المختار من جميع الأقطار». [المصدر: جريدة السفير اللبنانية، الكاتب احمد عبد الفتاح، 05/01/2013].
لقد تضررت العلاقات المصرية الإماراتية كثيرا بسبب النشاط «الاخواني»، حيث أعلن وزير المالية الأسبق سمير رضوان أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تقدم إلى مصر المنحة المقدرة بنحو ثلاثة مليارات جنيه، والتي وعدت بها منذ عامين وقت اندلاع الثورة لمساعدة مصر.
بتاريخ 27/01/2013 كشف النائب العام الإماراتي سالم سعيد كبيش عن «إحالة 94 متهما إماراتي الجنسية إلى المحكمة الاتحادية العليا في قضية التنظيم الذي استهدف الاستيلاء على الحكم». وبيـّن كبيش أن أعضاء التنظيم قد تواصلوا مع «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وغيره من التنظيمات المناظرة لتنظيمهم خارج الدولة للتنسيق مع أعضائه وطلب العون والخبرة والتمويل منهم لخدمة هدفهم غير المعلن بالاستيلاء على الحكم».
إن إحالة المتهمين إلى المحكمة وما ستصدره هذه من احكام لا يعني أنه سيتم اسدال الستار على القضية؛ بل ستشكل مدخلا لإثارة ملفات مُدَوِّيـة، فهناك ملف قطر ودورها في تمويل جماعات تعمل على تقويض انظمة الحكم في الكويت والإمارات. إلى اليوم لم نسمع اتهامات رسمية لقطر في هذا الخصوص، إلا أن وسائل الإعلام السعودية والكويتية والإماراتية تشير لذلك يوميا.
باتت المقاربة ممكنة بين المخاوف العراقية من تداعيات «الحالة السورية» ومخاوف الخليجيين من «الهلال الإخواني» الذي يتمدد حثيثا في ارجاء دول الخليج العربي وما يمثله من تهديد لأمنها واستقرارها السياسي وازدهارها الاقتصادي، فالقلق يعمّ كامل الشرق العربي، بسُنـّته وشيعته، من النزعة المحمومة للتحالف «الاخواني ـ السلفي» المرحلي لجني ارباح حراك الجماهير العربية نحو التغيير.
[email protected]