الخطوة الأولى: الإحساس بعدم الإنتماء للمجتمع, الشعور بالإغتراب كنتيجة طبيعية للتهميش, البحث عن هوية, البحث عن شخص ما أو مجموعة معينة, أية مجموعة, لتقول له من يكون, إنه بحاجة ليعٌرف نفسه أمام نفسه وليعٌرف نفسه أمام الآخرين فهم الذين سيعطونه الإحساس بالكينونة والشعور بأنه موجود.
الخطوة الثانية: بطريقة وبأخرى, يلتقي بمجموعة من المهمشين في نفس المكان الذي يعيش فيه, يحملون نفس القصة التي يحملها فيشعر بأنه ليس مختلف عنهم, فهم يستطيعون أن يفهموا مشاعره بالتحديد. يقولون له أنت منا وما عليك إلا أن تفعل ما نفعل لتستمر في البقاء معنا. نعم, أنهم يقولون له من هو وما معنى أن يكون موجودا ً.
الخطوة الثالثة: هل نحن مختلفون عن الآخرين؟ هكذا يسألهم بعد أن أصبح واحد منهم. كلا, هم المختلفون أما نحن فطبيعيون لأن الله أراد منا أن نكون طبيعين, أن الله معنا لأنه مع الفقراء والمهمشين مثلنا, ولنا أيضا ً أخوة في كل دول العالم, أما أولئك الأغنياء فقد غضب الله عليهم, يعتقدون بأن تلك الأرض التي نسكن بها نحن وهم ملك لهم لكنهم لايعلمون بأن الله وهبها للجميع ونحن نشترك بها معهم. هكذا كانوا يجيبوه عن سؤاله.
الخطوة الرابعة: أن أولئك الذين يختلفون عنا يريدون الموت لنا لأنهم يعتقدون بأننا عالة عليهم, يريدون محونا من الأرض لأنهم يعتقدون بأننا لاننتمي لدينهم. وما يمنع وقد فعلوها من قبل, لقد قتلوا أخوانا ً لنا في بلدان كثيرة كأفغانستان والعراق والصومال, فقد حذرنا الله منهم قبل أكثر من ألف عام. أنهم يسرقون ثرواتنا ويعيشون بها كالمترفين ويتصدقون علينا بالفتات, أنهم يريدون القضاء علينا لأننا نذكرهم بجرائمهم التي أقترفوها بحقنا ولأننا من دين مختلف عنهم, فدينهم يسمح لهم بقتلنا ونفينا, ولهذا السبب أنهم يظلموننا ولايعطونا أعمالا ً ويميزوننا بالمعاملة. أنهم بالفعل أعدائنا!
الخطوة الخامسة: بما أن أولئك من بقية المجتمع أعدائنا فعلينا إذا ً الإحتراس منهم, علينا أن نحذرهم فهم يتربصون بنا, بل علينا الحد من خطورتهم ببضع حركات احترازية وأن لانفوت الفرصة بالقضاء عليهم لأنهم قد بدؤوا ذلك في بلادنا البعيدة. لاتفوت الفرصة بالقضاء على أحدهم لأنه مجرم بطبيعته يحاول قتلنا فعلينا البدء بالقتل لأن ذلك من شيمة الرجال ومايرضي الله ورسوله. نعم, ستدخل الجنة بقتلك عدو للمسلمين المهمشين. لقد كان المسلمون قبل يقتلون دفاعا ً عن دينهم وهويتهم وأعراضهم وشرفهم فماذا تنتظر نحن وقد أنتهكت أعراضنا ونسائنا في العراق وأفغانستان.
الخطوة السادسة: أن الكفار في جهنم أجمعين, فالنعجل بإدخالهم إلى جهنم لأنهم يحرموننا من العيش بسلام وهم الذين بدؤو بالقتل. ليس القتل فحسب, بل القتل والتنكيل بمن يقتل ليكون عبرة للذين تسول لهم أنفسهم بالمساس بنا. عليهم أن يعرفوا بأننا جإناهم بالذبح خدمة لديننا الذين دافعوا عنه رجال بالذبح وقطع الرؤوس قبل أكثر من ألف عام. جإناهم بالموت لأنه الوحيد الذي يستحقونه, أما نحن, فلاوجود لنا إلا بذهابهم ورحيلهم, فلاتجتمع الجنة والنار على الأرض الواحدة, فنحن المكلفون من قبل الله بأبادتهم بذنبهم الذي أقترفوه بحق أنفسهم, فهم من قتلوا أنفسهم وما نحن إلا أدواة بيد الله, وماعلينا إلا الإيغال بالقتل ليعلموا بأننا أقوياء ولسنا ضعفاء, فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
نعم, هذه الخطوات التي مر بها قاتل الجندي البريطاني وسط لندن. لقد تحدث وبشكل مقتضب عن دوافع جريمته بشريط صور بأقل من دقيقة بينما كانت يديه ملطخة بالدماء مع ساطور حاد قام به بذبح المجني عليه. بأقل من دقيقة, أفصح القاتل عن تلك المراحل التي ذكرتها والتي لايمكن المرور بها إلا بتوفر الظروف الموضوعية لوجودها. فقد ركز الجاني على كلمة أنتم ونحن, في أشارة بأنه لاينتمي لذلك المجتمع الذي وصفه بالقاتل, ووصف نفسه وأتباعه بالمسلمين كناية بأن الآخرين من المجتمع من الكفار. وقال أنكم تقتلون منا كل يوم في كناية بأنكم أعداء لنا. وقال بأنكم لن تكونوا بأمان, وهو الذي لم يهرب بعد فعلته وضل يلوح بساطاوره عشرين دقيقة ليثير الرعب في نفوس من يعتقد بأنهم أعدائه وهو يريد أن يبعث لهم رسالة بأن ليس لديه وأتباعه المسلمين غير القتل لهذا المجتمع.
أذن, القصة تبدأ من التهميش والشعور بالإغتراب, ثم البحث في التطرف عن الهوية, ثم الشعور بالإنتماء للتطرف من جهة والإختلاف من جهة أخرى, ثم يتطور هذا الأختلاف ليتحول إلى عداء تحت ظروف معينة, ثم يتحول هذا العداء إلى فعل الإلغاء والنفي للآخر المختلف لتثبيت الهوية التي ينتمي إليها القاتل, وللإنتقام تحت ذرائع وتبريرات غيبية مرتبطة بفهم ضيق جدا ً للدين, ثم تأتي عملية التصفية الجسدية لتبلغ مرحلة الإلغاء ذروتها بنفي الآخر فيزيائيا, ليس هذا فحسب, بل الرقص على جثة المقتول والتمثيل بها كناية وتعبيرا ً عن نشوة النصر والظفر بالجنة, ولإيصال رسالة مرعبة للباقين المنتظرين بالدور أيضا ً. فالدماء التي كانت تخضب يدي الضحية لها رسالة واضحة للمشاهد وهي أن الموت هو سلاحنا.
بالرغم من أن ليس كل المهمشين يمرون بنفس المراحل, فمنهم من يتوقف في وسطها ومنهم من يختار مراحل من نوع مختلف, أما القاتل فقد أستغرق أكثر من عشر سنين للوصول للمرحلة الأخيرة, فأين الدولة ومؤسساتها المدنية, أين المثقفين والأكاديمين, أين السياسيين, أين رجال الدين الذين يدعون للتسامح, أين رجال الأمن بأجهزتهم المتطورة. أنه فشل ذريع لكل أولئك, لأنه مر بكل تلك المراحل من دون أن يلاحظ أحد, أو ربما أن هذا الفشل مطلوب لبعض السياسيين والمتطرفين أيضا ً الذين يعيشون على الفشل وما أكثرهم.