23 ديسمبر، 2024 1:22 ص

قصاصات مقتدى الصدر

قصاصات مقتدى الصدر

للشيخ عبد الجليل النداوي
من ذكريات طفولتي أنّ والدي (رحمه الله) كان يصطحبني معه إلى مجالس السمر مع أصدقائه، وكانت تجري بينهم بعض الحوارات ـ لا أتذكرها، ربما لأنها ليست من اهتماماتي الطفوليّة ـ لكن بقيت في بالي كلمة كانوا يُرددونها كثيراً عندما يُريدون أن يستفهموا عن مسألة مُهمة فيقولون: لننتظر فُلان ونستمع قوله لأنه (صاحب بَخت) أي هو إنسان يقول الحق ولا يخدع الناس بكلامه حتى لو تعلّق الأمر بمصلحته أو مصلحة أقاربه.
فما بالنا اليوم وقد كثر أهل الباطل بيننا والكذّابون المصلحيّون الذين لديهم الاستعداد لسحق كل القيم والأخلاق والمبادئ إذا ما تعلّق الأمر بمصالحهم الشخصيّة أو الحزبيّة..؟!
هل أنّ (أهل البخت) لا وجود لهم اليوم في العراق..؟
أم أنّ (البخت) هاجر العراق، مُنذ أن أصبح الدين وسيلة للنفاق السياسي..؟
فعندما دعى سماحة السيد مقتدى الصدر (أعزه الله) لحملة محاربة الفساد في صفوف تياره قبل المظاهرات بأربعة أشهر، تعرض لأبشع أنواع الاستهزاء والتسقيط، رغم أن خطوته لم نسمع بمُبادرٍ لها من قادة الأحزاب والجهات المشاركة بالعمليّة السياسيّة جميعاً وبلا استثناء، بل هم عادة ما يُدافعون عن أخطاء جماعاتهم حتى عندما صرخ الإعلام العالمي أن إرجاع طائرة محملة بالركاب لأن ابن الوزير لم يصعد على متنها استهانة بقرارات الطيران الدولي، قالوا أن الطيار أخطاء وليس الولد المُدلل..!!
وهذه بيانات السيد الصدر، وخطبه وأحاديثه الموثّقة، كلها تؤكد أنه وفي الكثير من الأحيان كان يوبّخ أصحابه وأتباعه ـ حتى المُقربين منهم ـ على أخطاء ارتكبوها، إلى درجة أن البعض انتقده على ذلك، واعتبر هذا التصرّف تخلّي عن رفاق السلاح والأتباع..
في هذه الفترة والشارع العراقي يشهد حِراكاً غير مسبوقٍ، مُستغلاً هامش الحُرية الذي تركته الحكومة له، ليُعبّر عن رأيه كي لا ينفجر، وحينما سمع السيد الصدر أن بعض ساحات التظاهر، هتفت ضد بهاء الأعرجي ـ مع حفظ الألقاب والمقامات ـ بادر هو إلى إنزال قصاصته التي سبقت الحكومة، والقضاء، والبرلمان، وهيئة النزاهة، ليُلبي رغبة شعبه الذي أحبّه وضحّى من أجله بأعز الرجال وهو يُقاوم المُحتل الأمريكي، وتنظيم داعش الإرهابي.
فطلب من السيد بهاء أن يستقيل من منصبه، وأن يضع نفسه تحت تصرف القضاء العراقي، وأن لا يُسافر خارج العراق حتى يحسم القضاء أمره..!!
رُغم هذا بقيت أبواق الزيف، وأصوات الفتنة، تُطبّل وتُزمّر، وتملأ الأجواء زعيقاً، (بهاء.. بهاء.. بهاء) مع أن من المفروض أن هذه المسألة حُسمت حتى قبل ورقة الإصلاحات التي قدّمها السيد العبادي، فبهاء استقال من نفسه قبل أن يصوّت البرلمان على إقالته كالباقين الذين تمسّكوا بمواقعهم إلى أن صوت البرلمان على عزلهم..!!
ولنأتي إلى الجهات الأخرى التي تُريد أن تركب الموجة، وتصوّر نفسها أنها مع الشعب والمرجعيّة في المُطالبة بالإصلاح، لنرى مدى صدقهم في ما يدّعون.
أولاً. دولة القانون: فهؤلا ء، ومُنذ اليوم الأول للمظاهرات مارسوا عملية ذر الرماد في العيون، وخلط الأوراق، وظلوا مُتشبثين بقوانة (فساد بهاء) دون أن يُقدموا دليلا واحداُ على صحّة مُدعاهم، ولو أنهم ملكوه لملأوا صفحات المواقع، والصحف، والفضائيات بصور الوثائق..!!
وقد صمتوا أمام مُحاولة هروب رئيس الكُتلة ـ نوري المالكي ـ والشجار الذي حدث على المدرج الرئاسي فيما بين موكب حماياته وحرس المدرج، فهُم مرّة يقولون ـ كما صرحت قناة آفاق ـ أن فخامته لديه موعد مُسبق لزيارة إيران في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ومرّة ينشر موقع القناة أن فخامته تعرض لمُحاولة اغتيال وأصيب بعيار ناري وذهب لإيران للعلاج ـ وكأنهم يُريدون جس نبض الشارع العراقي كمقدمة لتأمين هروبه ـ وثالثة هُم يدعون أن الرئيس فؤاد معصوم اعترض على إقالة نائبه الأول…!!
ثانياً. المجلس الأعلى: فالسيد صدر الدين القبانجي ـ إمام جمعة النجف ـ دعا العراقيين ـ من على منبر الجمعة السابقة ـ إلى عدم المشاركة بالتظاهرات٬ معتبراً أنّ الهدف وراءها هو العودة إلى “الحكم اللاديني”٬ مُدعياً ورود تقارير تفيد بنية “داعش” خلق ضجة ومشاكل في العراق مع قرب “انكسار” التنظيم…!!
ولا أدري ما الرابط بين شعب يُطالب بحقوقه المسلوبة والضجّة التي يُريد أن يخلقها تنظيم داعش..!!
أما الشيخ جلال الدين الصغير ـ إمام جامع براثا ـ فإنه هاجم المظاهرات والمُتظاهرين بقسوة، واصفاً إيّاهم بأنهم (مجاميع مُنحرفة عقائيداً يعملون لخدمة الدواعش في السعوديّة)!!
مُتناسياً بأن الذين يتظاهرون في الشوارع هم آباء وأبناء وأخوان أبطال الحشد الشعبي الذي يُقاتل داعش الإرهابيّة..!!
وأغرب من ذلك كُتلة المواطن التي ظهرت في مؤتمر صحفي لتؤكد حرصها على دعم موقف المرجعيّة في وجوب مُحاربة الفساد، حيث ظهر مع المجموعة (الشيخ حامد الخضري) سفّاح الديوانية الذي فعل الأفاعيل بالمقاومة الإسلاميّة، عندما كان مُحافظاً لها، واستخدم أساليب من التعذيب الوحشي لا تخطر حتى على بال شيطان..!!
وحتى قضاة الديوانية لم يخلصوا من ظلمه وتعجرفه وطغيانه، فهو أجبر الكثير منهم على إصدار قرارات قضائية هم أنفسهم يقولون أنها ظالمة وباطلة قانونياً..!!
أما فساد الخضري المالي في الديوانية فإن أهل الديوانية يُنبؤونكم عنه، حتى أن الديوانية تتصدر قائمة المُدن الأكثر فساداً من بين كل المُدن العراقية التي يستشري فيها الفساد المالي والإداري..!!